الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا زلت أعاني من القلق على الرغم من تناول الدواء، فهل أغيره؟

السؤال

السلام عليكم.

أخي الدكتور/ محمد عبد العليم، لك مني التحية والتقدير خاصة ولأعضاء موقع الاستشارات والعاملين فيه عامة، وأسأل الله أن يجزيهم خير الجزاء، ولجميع القراء، وأصحاب الاستشارات.

بدأت قصتي منذ 5 سنوات، حيث أنه لدى عودتي من السفر أصبت بخفقان شديد، وضيق في التنفس، وخوف ورعب من الموت، فذهبت للمستشفى، وأجروا لي تخطيطا للقلب، وكانت النتيجة أني سليم، فعدت في ذلك اليوم للبيت، وأنا متعجب من حالتي، وفي حالة استغراب شديد.

أكملت شهرا بعد ذلك، وعادت لي النوبة مرة أخرى، ولم أذهب للمستشفى، وعندما بدأت أهدأ وغشاني النعاس ونمت، واستيقظت بعدها بفزع، وأنا أشعر بحالة من الغربة والحزن، فذهبت للمستشفى، وعملت تحليلا للغدة، وتخطيطا للقلب، وكان سليما أيضا، فوصفوا لي السيروكسات، ولم أستخدمه عندما علمت أن حالتي نفسية وليست جسدية، وكنت أتابع إسلام ويب، وأنت شخصيا -يا دكتور- لما لمسته فيك من الوعي والرقي، ولا أريد أن أقلل من قدر الآخرين، ولكن الأرواح جنود مجندة.

وبدأت أستخدم العلاج السلوكي، من عدم السهر، والمواظبة على الصلاة، وقراءة القران، وتركت التدخين، وبدأت بممارسة تمارين الاسترخاء، وأنا أنصح بها بشدة للمدخنين؛ لأنها أعانتني بعد الله عزو جل على تركي للدخان، والحمد لله نجحت معي كثيرا رغم ما عانيت منه في بداية الأمر.

وبعد ثلاث سنوات، وبالتحديد قبل 6 أشهر من الآن عادت مرة أخرى نوبة الهلع، وأنا في المسجد لصلاة الجمعة، أكملت الصلاة بعد معاناة، وانتهت النوبة، ثم أتت في نفس اليوم في صلاة العشاء، وأكملت الصلاة بمعاناة حقيقية، وأتيت في اليوم التالي في السيارة، وأسرعت في عودتي للبيت، وأصبحت تنتابني الهواجس والمخاوف والقلق من ذهابي للمسجد والسيارة.

لقد حزنت كثيرا لأني لم أستطع الذهاب، وبدأت بالذهاب إلى الطبيب النفسي، ووصف لي سيبرلكس 5 ملم لمدة عشرة أيام، بعدها 10 ملم لمدة ستة أشهر، ووصف لي الأندرال للضرورة، وبدأت باستخدام السيبرلكس، ولي الآن ستة أشهر وأنا أذهب إلى المسجد، وأجاهد نفسي، فيغلبني القلق مرة وأغلبه مرة، أذهب يوما وأنا سعيد للمسجد، وأصلي رغم أنني أتحرى الصفوف المتأخرة، ويوما أذهب وأنا كلي قلق وخوف، وينتهي ذلك بانتهاء الصلاة، وبدأت بركوب السيارة لمسافات قصيرة، واعتدت عليها، ولكن هل سينتهي القلق، أم سأعيش في هذه الدوامة؟ وهل أتوقف عن الدواء أم أغيره؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سليمان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أخي: أقول لك جزاك الله خيرًا، وبارك الله فيك على ما استفتحتَ به رسالتك هذه وعلى كلماتك الطيبة في حقّ استشارات الشبكة الإسلامية والأخوة العاملين بالموقع وفي شخصي الضعيف، فجزاك الله خيرًا، ونسأله تعالى أن ينفع بنا جميعًا.

حالتك بالفعل بدأت كنوبة هلع أو هرع، وهذه النوبات كثيرًا تأتي دون أي مقدمات ودون أي أسباب، وفي حالاتٍ بسيطة جدًّا نجد بعض المسبِّبات، ودائمًا حالات الفزع والهرع لا تُشخَّص منذ الوهلة الأولى، مَن يُصابون بهذه الحالة منهم يذهب إلى طبيب القلب، ومنهم من يذهب إلى الطوارئ، وفي نهاية المطاف ينتهي بالإنسان الأمر بأن يذهب إلى طبيب نفسي.

ونوبات الهرع واضحة جدًّا لدى شخصك الكريم، وهذه النوبات حين تتكرر تعطي الإنسان ما أسميه بشعور (قلق المخاوف الوسواسي) وهذا أيضًا شعور سخيف لكنّه ليس خطيرًا أبدًا.

أخي الكريم: مجاهداتك العلاجية واضحة جدًّا، وبالفعل هي مُجاهدات، ولابد أن أُثني وأثمِّنُ على ذلك.

انتهاجك منهج التجاهل، وتغيير نمط حياتك، وممارسة التمارين الاسترخائية حتى توقفك عن التدخين هذا حقيقة إنجاز عظيم، فجزاك الله خيرًا على ذلك.

أخي: أريدك بالفعل أن تُصحح مفاهيمك حول هذه النوبات، وأنه بإذن الله تعالى لن يُصيبك مكروه، وكل ما تتخوف منه هو مجرد مخاوف، ولن تتحقق أبدًا، وحتى إن كنت في موقف اجتماعي -كصلاة الجماعة مثلاً- لن تفقد السيطرة على الموقف، ولن تسقط أرضًا أو شيء من هذا القبيل، هذا لن يحدث أبدًا.

وأريدك –أيها الفاضل الكريم– كنوع من العلاج المهم: أن تكون في الصف الأول، بل خلف الإمام، بل تفكّر أنك قد تُنيب عن الإمام إذا طرأ عليه طارئ في أثناء الصلاة، يجب أن يكون خيالك هنا خيالاً خصبًا ومتَّسعًا، وهذه العملية الفكرية المعرفية يجب أن تستغرق عشر دقائق على الأقل في اليوم.

فإذًا التعريض النفسي مهمٌّ جدًّا، والتعريض الفعلي مهمٌّ جدًّا.

أخي الكريم: الرياضة أيضًا أراها مهمّة، صرف الانتباه من خلال استثمار الوقت، هذا كله معلوم لديك، وإن شاء الله تعالى تُطبِّقه.

أخي: قلقك يمكن أن يحوّل إلى قلق إيجابي، ويُعرف أن هذه النوبات تتلاشى مع مرور الأيام، فلا تنزعج أبدًا.

المكوّن العلاجي الصحيح هو العلاج النفسي السلوكي مثل الذي تُمارسه، والعلاج الاجتماعي، وأنت أيضًا تُمارسه، والعلاج الإسلامي، وأنت أيضًا تُمارسه، ولكنّي أريدك أن تكون خلف الإمام في الصلاة، والمكون الرابع هو الدواء، وأنت أيضًا تمارسه.

وبمناسبة الدواء أريدك أن ترفع جرعة السبرالكس إلى عشرين مليجرامًا، هذه ليست جرعة كبيرة، بل هي الجرعة العلاجية، استمر عليها لمدة شهرين على الأقل، وهذا سوف يعطي دفعًا كيميائيًا بيولوجيًا إيجابيًا جدًّا بالنسبة للموصِّلات العصبية.

بعد ذلك خفض الجرعة واجعلها عشرة مليجرام يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم خمسة مليجرام يوميًا لمدة شهرٍ، ثم خمسة مليجرام يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ، ثم توقف عن تناول الدواء.

أخي الكريم: الالتزام بالدواء حسب الجرعة الموصوفة وللمدة المطلوبة هي أهم العوامل التي تؤدي إلى الاستفادة الكاملة من العلاج الدوائي، والاستفادة الكاملة من العلاج الدوائي ينشأ منها التحضير التام للتطبيقات السلوكية، فالعملية العلاجية مترابطة مع بعضها البعض ومُكمِّلة لبعضها البعض، فأرجو أن تأخذ بكل جزئياتها لتتحصَّل على كُلِّياتها، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً