الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل ممكن الشفاء بالعلاج السلوكي للوساوس أم لا بد من العلاج الدوائي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا صاحبة الاستشارة: 2324676، أرجو منكم مساعدتي، فليس لي بعد الله إلا أنتم، بارك الله فيكم، وجزاكم خير الجزاء.

ومشكلتي هي الوسواس القهري، فأنا خائفة جدا من الأدوية، أخاف أن تزيد حالتي سوءا، والشيء الآخر أخاف من أن يسبب لي الوساوس اكتئابا، مع أني أحقر من الوسواس ولا ألتفت له، فمثلا إذا جاء الوسواس بأني أكره ولدي، أقوم بتقبيله واحتضانه، وأتذكر كم أنا أحبه فعلا، وإذا جاء الوسواس بأن زوجي يخونني لا ألتفت له ولا أحاول تفتيش أغراضه، فأنا أعلم كم يحبني وكم أنا جميلة، كما أني ملازمة الأذكار والاستغفار والدعاء.

هل ممكن أن أشفى إذا استمررت على هذه الطريقة من تحقير للوسواس أم لا بد من العلاج الدوائي؟ وهل سيتطور الأمر عندي إلى اكتئاب؟ فأنا خائفة جدا وقلقة، وأرجو أن تردوا علي بالجواب الشافي الذي يقر عيني، وإذا كان لا بد من العلاج هل أسافر إلى أمريكا للعلاج؟

هل ممكن أن يزول الوسواس عني نهائيا وأعود إلى حياتي الطبيعي؟

علما أني متزوجة وعندي ثلاثة أطفال يحتاجون إلى العناية، والمشكلة أني صرت أعاني من القلق والحزن بسبب الوساوس، فهل هناك أمل بأني سأعود إلى طبيعتي وسأربي أطفالي مثل بقية النساء، أم أن حالتي ستزداد سوءا مع مرور الزمن؟

أولادي بحاجة إلي، كما أني أريد أن أكون معهم ومع زوجي، ولا أريد أن أخسره بسبب هذا الوسواس السخيف، وفي الأخير ادعو لي بأن يشفيني الله من هذا البلاء، وأن أعود كما كنت مبتسمة وأضحك دائما، فقد سرق الوسواس بسمتي! هل هذا الشعور طبيعي أم أني أصبت فعلا باكتئاب؟

حلفتك بالله يا دكتور، هل حالتي قابلة للعلاج؟ هل هناك أمل في شفائي بهذه الطريقة التي أتبعها؟

ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أحلام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية.

رسالتك رسالة طيبة ورائعة، ونحن إن شاء الله تعالى نزودك بما يفيدك من معلوماتٍ علمية قائمة على الدليل، والذي أعجبني في رسالتك هو إصرارك على المنهج السلوكي الذي يقوم على تحقير الوسواس، وعدم قبول الوسواس ليكون جزءًا من حياتك، هذا خطّ علاجي رئيسي أنا أُقِرُّه تمامًا، وأنتِ سائرة بالفعل على الطريق الصحيح.

بالنسبة للعلاقة ما بين الوسواس والاكتئاب: هنالك علاقة لا نستطيع أن ننكرها، لأن الوسواس مُزعجٌ في حدِّ ذاته، خاصة حين تكون محتوياته محتويات حسَّاسة تتصادم مع نفوسٍ طيبةٍ، هنا قد يتولَّدُ شيئًا من الاكتئاب النفسي، يُعرف تمامًا أن أربعين بالمائة من الذين يُعانون من الوسواس القهري يُعانون من اكتئاب نفسي.

إن شاء الله تعالى أنتِ تكونين من الستين بالمائة الذين لا يُصابون بالاكتئاب النفسي، وأرى أن قوة العزم والشكيمة لديك ممتازة، وهذا قطعًا يمنعك إن شاء الله تعالى من حدوث الاكتئاب المصاحب للوسواس.

أنتِ إن شاء الله تعالى سوف تعودين لحياتك بصورة طبيعية، لأن المسلك السلوكي القائم على الرفض التام للوسواس لا بد أن ينتج عنه خير وخير كثير جدًّا إن شاء الله تعالى، وأقصد بذلك الخير العلاجي.

أنا أجبتُك في الاستشارة السابقة على نفس النهج تقريبًا، لكني تحدَّثتُ عن الدواء، ويا أيتها الفاضلة الكريمة: أعتقد أن الدواء مهم أيضًا في حالتك هذه، لأن الدواء سوف يؤدي إلى هشاشة كبيرة في الوساوس، أو ما نسميه بتليين الوساوس، وهذا يُمهِّدُ الطريق لك بأن تُطبقي آلياتك السلوكية للخلاص من الوسواس إلى الأبد إن شاء الله تعالى.

لا بد أن نعترف اعترافًا علميًا، وهو: أن الوسواس ينتج عنه تغيُّر في الوسواس، هذا أمرٌ لا شك فيه، وهذا التغيُّر سيكون من السهولة الشديدة أن نأتي بما يُحيِّد ويبطل فعله وذلك من خلال تناول الدواء، وبفضلٍ من الله تعالى الآن توجد أدوية سليمة وأدوية فاعلة وأدوية ممتازة.

الذي يعتمدون على الأدوية فقط تتحسَّنُ أحوالهم جدًّا، لكن حين التوقف من الدواء تأتيهم الانتكاسة، أما في حالتك فالأمر مخالف جدًّا، فأنتِ عزَّزتِ الوسائل السلوكية مُسبقًا، وهي التي سوف تكون مانعة إن شاء الله تعالى للانتكاسة.

مرة أخرى: أرجو أن تتناولي الفلوكستين بالطريقة التي وصفتها لك، لأنه بالفعل سيكون علاجًا رائعًا جدًّا بالنسبة لك، وبعد ذلك استمري في نفس آلياتك السلوكية، وقطعًا هذا هو أقصر الطرق للشفاء بإذن الله تعالى، فلا تترددي في أن تجعلي رزمتك العلاجية كاملة متكاملة ورصينة:

قناعة قاطعة برفض الوسواس، توكل، حرب شعواء على الوسواس، تحقير للوسواس، استبدال للفكر الوسواسي، صرف انتباهٍ عن الوسواس، الإكثار من الاستغفار والدعاء والصلاة في وقتها وتلاوة القرآن، هذا كله ضدّ الوسواس، ويأتي بعد ذلك العلاج الدوائي مُكمِّلاً.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً