الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مشاكلي النفسية متعددة وأخشى العلاج الدوائي، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب، عمري 30 سنة، متزوج وعندي طفل رضيع، عانيت وأنا في عمر 22 سنة من حالة اكتئاب مصاحبة ببعض الوساوس والتوتر، استمرت معي تقريبا 4 أشهر ثم انتهت واختفت -والحمد لله- بدون أي تدخل طبي، أظن أصبت بها بسبب الوحدة والفراغ التي عشتها في ذاك الوقت، ثم أصبحت أضحك من هذه الحالة الغريبة

وبعد 4 سنوات حدث أن والدي أصيب بجلطة في القلب، وسقط أمامي في غرفة المستشفى فأصبت بهلع وخوف شديد، بعدها بشهر تقريبا رجعت لي حالة الاكتئاب والتوتر.

عندما سافرت لمدينة أخرى أقيم وحدي بعيدا عن أهلي لغرض العمل، صاحب هذا الاكتئاب وساوس نفسية استمرت 3 إلى 4 أشهر وانتهت أيضا -ولله الحمد-.

بعد سنتين أو ثلاثة تزوجت، وبعد زواجي بشهرين تقريبا أصبت باكتئاب وتوتر وضيق أصبح يلازمني كثيرا، يغيب لفترات تم يعود شهرا تقريبا أو شهرين ثم يعود أيام ويزول، أصبحت أقرأ كثيرا عن طرق الخروج من الاكتئاب -والحمد لله- كانت تفيدني كثيرا.

المشكلة التي أعاني منها الآن هو صراعي مع وسواسٍ طرأ عليّ من شهر وزاد حدته منذ أسبوع وقصته كتالي:

تراودني أسئلة كيف أتذكر الأشياء؟ وكيف أمشي؟ وكيف ألمس الأشياء؟ وكيف أتكلم؟ وهل يمكن أفقد هذه الأشياء؟ وكيف بالأصل تحدث هذه الأشياء؟ وهل يمكن أن أفقد عقلي؟ وساوس سببت لي كثير من القلق والضيق، أحاول جاهدا التخلص من هذا الإلحاح والاسترسال ولكن دون جدوى، أتت لي في البداية وتخلصت منها بتحقيرها، ثم بعد 4 أشهر عادت لي، ولكن أشعر أن حدتها زادت وكأني لن أستطيع التخلص منها الآن، لم أحدث زوجتي بما أشعر، ولا أريد أن أحدثها بذلك، ولكن هي تشعر بتغير في مزاجي فتصاب بالحزن، وهذا يصيبني بألم وحزن شديد.

حقيقة أنا متخوف جدا من اللجوء للعلاج الدوائي، وأشعر أنني سأفقد ثقتي بنفسي لو لجأت له، وأخاف أن أدمن على هذه الأدوية، ولا أريد أحدا يعرف بحالتي، وأشعر بأنها غريبة وربما يقومون باستحقاري والاستخفاف بي وهذا يصيبني أيضا بالحزن لحالتي، كيف يمكن أن أتخلص من حالتي هذه للأبد؟ هل الفراغ يلعب دورا في رجوعها، أم كثرة الضغوط؟

أريد أخيرا أن أقول: بعد زواجي بأربعة أشهر حصلت لي حادثة عاطفية قوية جدا لا أحب ذكرها أصبت بنوبة هلع وتوتر وبكاء وانهيار صاحبني لمدة شهرين ثم بعدها توقف، وأصبت بعدها بهذه الوساوس والاكتئاب.

أعتذر عن الإطالة والاستطراد وعدم انتظام الكلام، ولكن أنتمى أن تفهموني وأجد عندكم الجواب الشافي -بإذن الله-.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ رامي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في الشبكة الإسلامية.
أخي: القلق الوسواسي كثيرًا ما يؤدي إلى شيء من عُسْر المزاج قد يصل لمرحلة بسيطة إلى متوسطة من الاكتئاب النفسي، ويُعرف أن هذه الحالات تأتي في موجات، تختفي في بعض الأحيان وتظهر في أحيانٍ أخرى، ومعظم علماء النفس والسلوك اتفقوا أن هذه الحالات حين تظهر بهذه الكيفية يعني أن الإنسان أصلاً لديه نوع من الاستعداد لهذه الوساوس وما يصحبها من اكتئاب، بمعنى أن البناء النفسي وشخصية الإنسان هي التي تجعل هذه النوبات تظهر لبعض المؤثرات الحياتية البسيطة، وفي بعض الأحيان دون أسباب، ويُعرف أن هذه الحالات تنتهي تلقائيًا، إذا عزم الإنسان على أن يطوّر من نفسه ومن مهاراته، وأن يحكم على نفسه بأفعاله وليس بمشاعره أو أفكاره، بمعنى أن الأفكار والمشاعر حين تكون سلبية تجعل الإنسان لا يفعل ولا يكون فعّالاً، وفي هذه الفترات - أي فترات الفكر السلبي والمشاعر السلبية - إذا أجبر الإنسان على الإنجاز وكان مفيدًا لنفسه ولغيره قطعًا سوف تتبدّل المشاعر وكذلك الأفكار لتُصبح أكثر إيجابية، وهذا يؤدي إلى المزيد من الفعالية والإنتاجية.

أخي: بهذه الكيفية يستطيع الإنسان أن يُعالج نفسه سلوكيًا، وتغيير نمط الحياة أيضًا مهم جدًّا - أخي الكريم -: بناء نسيج اجتماعي على أسسٍ قوية وفاعلة، ممارسة الرياضة، تنظيم الوقت، الحرص على الصلوات والعبادات في وقتها، وأن يكون للإنسان أهداف، لا بد أن تكون لك أهداف مستقبلية واضحة، أهداف قصيرة المدى، وأهداف متوسطة المدى، وأهداف بعيدة المدى.

بهذه الكيفية لا يترك الإنسان حيِّزًا في فكره للوسواس أو التشاؤم، فادفع نفسك بهذه الكيفية، وأعتقد أن هذا هو الأفضل بالنسبة لك.

وبالنسبة للأدوية - أخي الكريم - لا أريدك أبدًا أن تتخذ موقفًا سلبيًا منها، الآن توجد أدوية ممتازة، أدوية حديثة، وفعاليتها قائمة على الدليل، وفي نفس الوقت تُوجد الضوابط القانونية الصارمة التي من خلالها يُسمح أو يُمنع الترخيص لهذه الأدوية، وحتى الأطباء يخافون من المسؤولية القانونية، وكذلك الصيادلة.

فإذًا نحن في خير كبير الحمد لله تعالى، وأنا من وجهة نظري أنك قد تحتاج لعلاج دوائي بسيط، وذلك ليبني قاعدة تحسُّن تنطلق منها، لأن كيمياء الدماغ تلعب دورًا في القلق والوسواس والاكتئاب والمخاوف، هذا أمرٌ ثابتٌ الآن.

فيا أخي الكريم: إذا ذهبتَ إلى طبيبٍ نفسي تثق فيه أعتقد أنك سوف تقتنع بتناول أحد الأدوية، مثلاً عقار مثل الـ (بروزاك) رائع، سليم، غير إدماني، وفاعل، لماذا لا تتناوله لفترة ستة أشهر مثلاً؟ وأنت لا تحتاج لأكثر من هذه المدة، تكونَ قد بدأتَ وبنيتَ القاعدة الكيميائية البيولوجية الصحيحة، وفي ذات الوقت تكون قد أخذتَ بمكونات العلاج الأربعة المتكاملة، وهي: الدواء، العلاج السلوكي - الذي تحدثنا عنه - والعلاج الإسلامي، والعلاج الاجتماعي. هذه العلاجات الأربعة تعطي صورة متكاملة وسليمة ينطلق الإنسان من خلالها نحو التشافي والحياة الإيجابية، لأن الحياة الإيجابية الآن هي المقصد وليس كل حياة.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأشكرك على الثقة في إسلام ويب، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً