الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعرفت على فتاة وأحببتها وما زال قلبي متعلقاً بها

السؤال

السلام عليكم.

أشكركم على ما أرشدتموني إليه في الاستشارة السابقة، وأسأل الله أن يثيبكم أعظم الثواب على ما تقومون به.

مشكلتي أني لا أستطيع الزواج في هذه السن، حتى إني لم أنه دراستي بعد، ولم أكون نفسي.

أحس أن وضعي أسوأ، فما زلت معجباً بتلك الفتاة التي ذكرتها في الاستشارة السابقة، وما زلت أفكر بها، ولا أستطيع إخراجها من رأسي مهما حاولت، بل وأصبحت مشتتاً في حياتي، لا أستطيع التركيز في دراستي، ومهما درست أجد نفسي أنسى ما درسته سريعاً، ولا أركز في شيء، وأحس بهم طول الوقت ولا يمر علي يوم واحد أكون سعيداً فيه بدون أي هم في قلبي، وأحس أن ثقتي بنفسي قد ضعفت.

لا أعرف ماذا أفعل؟! فالمشكلة أني رافض الفتاة من رأسي ولكن قلبي ما زال معلقاً بها، وأحس بغيرة شديدة عليها عندما تتحدث مع أي أحد من الشبان، هل من طريقة أخرى للتخلص من ذلك كله؟

جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علاء حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك – أخي العزيز – وأشكر لك حسن ظنك وتواصلك مع الموقع، وحرصك على طاعة الرب، والبعد عن أسباب غضبه وعقوبته، سائلاً الله أن يفرج همك ويشرح صدرك وييسر أمرك ويقوي عزيمتك، ويرزقك التوفيق والسداد والزوجة الصالحة والحياة السعيدة والنجاح في أمورك عامة.

بخصوص تعلقك بالفتاة المذكورة – حفظك الله وعافاك – فقد سبق بيان الوسائل المعينة على علاج العشق، ولا شك أنها مهمة شاقة وصعبة وثقيلة إلا على من وفقه الله وأعانه، وهي مهمة تحتاج إلى مزيد من الصبر والمجاهدة للنفس (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)، وإلى المزيد من التحلي بقوة الإرادة والعزيمة والتصميم والإصرار، مع لزوم الثقة بالله تعالى وحسن الظن به والاستعانة به وتقواه وطاعته والتوكل عليه في كل شؤون الحياة، (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه)، واستشعار الثقة بالنفس والقدرة على النجاح وتجاوز كل العوائق والتحديات.

مما يسهم في ذلك تقوية الدوافع الإيمانية والأخلاقية لديك في تحقيق النجاح والتخلص من الأخطاء والذنوب، ومنها التعلق الزائد والمُحرّم بالفتاة المذكورة، فعلى قدر قناعتك – أخي العزيز – بالغاية التي تطلبها في تحصيل طاعة الله ومحبته وجنته ورضوانه، والخوف منه ومن عقابه والحياء منه ورجائه، فإن الإرادة تزداد وتعظم وتسهل دونها كل الرغبات والمطامع والشهوات، "فمن خطب الحسناء لم يغله المهر"، وقد صح في الحديث: (ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة).

وما أجمل وأحكم قول المتنبي:
"على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ * وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها * وتصغر في عين العظيم العظائمُ"

"تريدين إدراك المعالي رخيصةً * ولابد دون الشهد من إبر النحلِ".

لا شك أن المسلم المتحلي بالعقل والحكمة والصلاح يحرص بل يجاهد نفسه على أن لا يراه الله تعالى حيث نهاه، ويفتقده حيث أمره، أو يموت ويلقى الله على معصية وإثم، فالمبادرة والمسارعة إلى التوبة الصادقة والنصوح – حفظك الله ووفقك – (وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون).

أهمية الصحبة الصالحة والطيبة في حياة الإنسان والتأثير على مستوى ومنسوب إيمانه وقناعاته وتحقيق مصالحه الدينية والدنيوية، فالصديق الصالح مهم في حياة الإنسان لا سيما المُبتلى بالهموم والمعاصي والأحزان، حيث وإن الصديق الصالح يذكّرك إذا نسيت وينبهك إذا غفلت ويعلمك إذا جهلت، وهو خير عدّة لأوقات الرخاء والشدة، وقد صح في الحديث: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل).
"الوقت أغلى ما عُنيت بحفظهِ * وأراه أهون ما عليك يضيعُ".

كثيراً ما يكون سبب المعاصي والشهوات المحرمات عائداً إلى الفراغ "إن الشباب والفراغ والجدة ** مفسدة للمرء أي مفسدة".

مما يستلزم منّا ضرورة الترتيب والتنظيم والتخطيط الصحيح والدقيق للوقت وشغله وتوجيهه بما يعود عليك بالمنفعة والفائدة في المذاكرة وتنمية المواهب والثقافة ومتابعة المحاضرات والدروس والبرامج المفيدة، والقراءة في السيرة النبوية وسير العظماء والصالحين، والتأمل والاعتبار في سِيَر الناجحين، والتأسي والاقتداء بهم.
"فتشبّهوا إن لم تكونوا مثلهم * إن التشبّه بالرجال فلاحُ"

عدم اليأس والإحباط والقنوط من النجاح والتوفيق، وفي لزوم الطاعات والنوافل وأذكار الصباح والمساء وقراءة القرآن والاستغفار والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث يسهم ذلك بلا شك في تقوية وتنمية الإيمان وتحصيل عون وتوفيق الرحمن وطرد وساوس النفس والهوى والشيطان والحرص على تحصيل الجنان والرضوان والبعد عن أسباب غضب الله وعذاب النيران.

تأكيداً لما سبق في مواجهة الشهوات المحرمة عامة، ومنها العشق المحرّم، والذي لا يخفى أثره السلبي والسيئ على الدين والدنيا وفي قسوة القلب وضيق الصدر، وخذلان الرب تعالى، فإني أوصيك بضرورة لزوم الصحبة الطيبة التي تعينك وتساندك في أهدافك الطموحة والكريمة، كما ورد في الحديث الصحيح المشهور: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)، مما يستدعي ضرورة البعد عن أصدقاء السوء والكسل، ووسائل السوء والشهوات المحرمات.

لزوم الصبر والثبات والتأكيد على ضرورة المبادرة إلى الزواج دون قلق أو رهبة أو تردد ما أمكن، لما لا يخفى من مساهمة العفّة، وغض البصر وإحصان الفرج، وبناء الأسرة السعيدة في سعادة النفس والواقع والإقبال على مصالح الحياة بثقة وتفاؤل وطموح وأمل.

كما ينبغي بصدد تعزيز الثقة بنفسك والنجاح والإحساس بالفاعلية، بل والتميز أيضاً - وإن كنت أرى في لغة رسالتك الكريمة ملامح الثقة والتفاؤل والحمد لله تعالى - التحلي بحسن الظن بالله تعالى والثقة به، وتنمية الإيمان بملازمة الطاعات والأذكار وقراءة القرآن، حيث لا يخفى ما لذلك من أثر حسن في استمداد عون وتوفيق الرحمن، والشعور بالراحة والاطمئنان وطرد وساوس النفس والهوى والشيطان، قال تعالى: (ومن يؤمن بالله يهدِ قلبه) وقال سبحانه: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) وقال جل شأنه: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).

لتحذر – حفظك الله – من وساوس توهم عدم القدرة على النجاح، فإن استرجاع الثقة والطاقة والحيوية والمستوى الدراسي، يحتاج لعوامل التحلّي بالشجاعة ومرور الزمن وتعزيز الثقة فحسب (ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين)، وأن تطرح مخاوفك جانباً، وتتغلب على شكوكك وتطرد الأفكار السلبية وتصفي ذهنك وتتحرر من القلق والشعور بالضعف، ومن المفيد هنا أيضاً الحرص على ممارسة هواياتك المحببة لديك والرياضة والقراءة والدخول في تنافس مع نفسك ومع غيرك فإن (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف..) رواه مسلم.

فاستعن بربك وتوكل عليه وتيقّن بقدرتك على النجاح وتحقيق غاياتك وأهدافك النبيلة والجميلة، وفي الحديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) رواه مسلم.

اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء، متحيّناً أوقات الإجابة، حيث قال تعالى: (وقال ربكم ادعوني استجب لكم) (وإذا سألك عبادي عنّي فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ)، (أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء).

إلهنا ما أعدلك * مليك كل من ملك
ما خاب عبدٌ أملك * أنت له حيث سلك
لولاك يا ربِّ هلك * لبيك إن الحمد لك.

أسأل الله تعالى أن يمنّ عليك بما يحب ويرضى، ويسعدك في الآخرة والأولى وأن يعينك ويقوّي عزيمتك وإرادتك، ويعيذك من العجز والكسل والضعف، ويحفظك من وساوس النفس والهوى والشيطان، ويرزقك الزوجة الصالحة والحياة السعيدة، ويثبتنا وإياك على الدين ويهدينا صراطه المستقيم، والله الموفق والمستعان، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • المغرب hamza

    اخي لقد شفيت من هذا العشق من خلال اخد ادوية مضادة للذهان لعلاج الوسواس الذي فيك ؟ انصحك بالذهاب إلى طبيب نفسي و تخبره

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً