الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من نوبات وسواسية وهلع وخوف، فما العلاج؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لقد قرأت الكثير من المقالات الخاصة بحالات الوسواس والهلع والخوف، فعزمت على استشارتكم -بإذن الله-.

عمري 38 سنة، متزوج وأب لابن، منذ سنوات طويلة وأنا أعاني مختلف أنواع الوساوس والمخاوف المتعددة.

بداية عندما كان عمري 17 سنة عام 1997 أصبت بحالة هلع حاد؛ لأن أحد أصدقائي في الدراسة قال لي لقد رأيتك تتحدث لوحدك، فانتابني خوف شديد مع رجفة، وذهبت راكضا إلى المنزل، وأحس أنني على وشك فقدان عقلي.

استمر معي الخوف منذ ذلك اليوم لأكثر من سنة، فتارة يأتيني هلع، وتارة لا أخرج من المنزل، وأعتزل الناس، بعد مدة سنة تقريبا تحسنت حالتي وذهبت عني كل تلك الأحاسيس المؤلمة للروح والجسد معا، ثم بعد ذلك في فترة الدراسة الجامعية ذات ليلة جاءني إحساس أن حياتي حلم، وأن أهلي ليسوا أهلي، وأفكار غير منطقية وسخيفة، انتابتني نوبة هلع حاد واستمريت طوال الليل أرتجف وأدخل الحمام لأتقيأ -أعزكم الله- ولأتبول بلا توقف.

بعد ذلك كله استمريت في المعاناة والانقطاع عن الناس، لكن بمرور الوقت بدأت أتحسن بالتدريج، مع العلم أنني عندما أتحسن بشكل كامل تظهر لي تلك الأفكار التي كانت تأتيني أنها سخيفة، بل وأستهزأ منها وأقول كيف أثرت في تلك الأفكار وآلمتني وهي أصلا سخيفة، وأفكر أن الحياة حلوة وتستحق أن نتمتع بها دون أن تعكر صفونا، فتجدني سعيدا مرتاح النفس أنظر للحياة بمنظار مختلف وإيجابي، كأنما لم يمر بي هلع ولا اضطراب.

ومنذ سنة 2004 شفيت تماما باستثناء هذه السنوات الخمس الأخيرة في بعض الفترات لكن متقطعة، عادت لتهاجمني وساوس مختلفة في الدين، وفي الحياة، وفي الموت، وفي ذاتي، لكنني أتغلب عليها سريعا فتزول، ورزقت ابنا والحمد لله، واستمريت في الحياة الطبيعية، مع العلم أنني لمدة 19 سنة من معاناتي المختلفة مع الاضطرابات النفسية وحالات الاكتئاب الحادة وحالات الهلع لم يسبق لي أن زرت طبيبا نفسيا أبدا أو تناولت دواء للحالات التي كانت تنتابني، باستثناء دواء ديازيبام 5 ملغ الذي وصفه لي طبيب العائلة منذ حوالي سنة لمدة ستة أشهر حبة واحدة ليلا؛ لأنني كنت أعاني آلام عضلية أسفل الظهر، وأعطاني بعد ذلك دواء البرازولام 0.5 ملغ حبتين يوميا نهارا وليلا لمدة ستة أشهر إلى اليوم لتحسين النوم وعلاج الأرق بسبب الضغط الشديد الذي مررت به في العمل، لكنني سرعان ما بدأت أخالف وصفة الطبيب، فمرة لا آخذ الدواء سوى مرة في الأسبوع ومرة آخذ جرعة بمقدار 1 ملغ دفعة واحدة.

مؤخرا عادت لي الوساوس بحدة في الدين والحياة والقدر إلخ... لكن سرعان ما أتجاوزها وأتناساها، فتنقص ثم ترجع ثم أتجاوزها وهكذا.

استشارتي جزاكم الله خيرا وحفظكم هي كالآتي:

هل ما أعانيه من اضطرابات نفسية بحاجة لأدوية أم لا علاقة لاضطراباتي بالعلاج الطبي؟ بمعنى هل قوة إرادتي وإيماني بالله كافيان أم أن الحاجة لعلاجات طبية ربما قد تعينني أكثر وتزيل عني هذه الاضطرابات أو حتى تخففها، وإن كان الجواب بالإيجاب فرجاء وصف أدوية لأبدأ برنامجا للعلاج، حيث أنني مقيم بالديار الأوروبية لأكثر من 15 سنة، ولم يسبق لي طلب علاج نفسي هنا أبدا، مع العلم أن قطاع التطبيب والأدوية مجانية مائة بالمائة.

ثم هل الاضطرابات النفسية والوساوس والاكتئاب ربما تكون حالات وراثية؟ حيث أن والدتي عانت لسنوات من اضطرابات نفسية حادة، وكذلك الأمر مع خالين شقيقين لوالدتي، أحدهما عانى انهيارا عصبيا وقضى أكثر من 6 سنوات يتعالج وينتكس، والآن هو بخير والحمد لله، وأختي عانت ولازالت من وساوس الأمراض واضطرابات نفسية مختلفة وتعالجت لمدة سنتين وهي حاليا أفضل.

استشارتي الأخيرة -حفظكم الله-:

عندما كنت في سن 17، كانت تأتيني نوبات الهلع والتقيؤ لكن ليس بهذه الشدة، الآن أبلغ من العمر 38 سنة، وتأتيني نوبات الهلع أكثر من مرتين في اليوم مع آلام شديدة بالرأس حيث أحس خلال نوبة الهلع أن رأسي سينفجر، وتقيؤ، وإحساس بأنني كأنما أحلم، ولا أتمكن من جمع أفكاري وإيقاف الحالة إلا بصعوبة، فهل للأمر علاقة بالتقدم في السن أم أن حدة الأمراض النفسية والاضطرابات العصبية ليس لها عمر معين؟

أفيدوني -حفظكم الله- فقد لمست فيكم النصح والاحترافية العالية في شتى الاستشارات التي تفد على موقعكم العظيم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Ali حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله تعالى لك العافية والشفاء، -أخي الكريم- بدأت بالفعل لديك بوادر الوساوس والمخاوف منذ سن اليفاعة والوسواس دائماً يصحبه مكون القلق والتوتر، والقلق إن كان بدرجة معقولة حافزا للإنسان من أجل تحسين الدافعية والنجاح، لكن قطعاً حين يشتد ويكون أكثر مما هو مطلوب له انعكاسات سلبية، ويظهر في شكل نوبات هلع وهرع ومخاوف، أنا أعتقد أن حالتك في مجملها حالة بسيطة نسبياً حتى وإن استمرت لسنوات طويلة، ويمكن أن نقول أن تشخيصك هو ما يعرف بقلق المخاوف الوسواسي البسيط.

الحمدلله تعالى أنت بلغت درجة من النضوج النفسي الذي أهلتك لتعيش حياة أسرية واضح أنها طيبة، وأحسب أنك على النطاق المعرفي وكذلك الاجتماعي أمورك مستقرة، وأحسب أنك حريص أيضاً على أمور دينك، وهذه المواجهات الإيجابية التي تساعدنا على الاستقرار.

سؤالك -أخي الكريم- ما تعانيه من اضطرابات نفسية لحاجة لأدوية؟ لا علاقة لاضطرابك بالعلاج الطبي، حقيقة أنت لا تعاني من اضطراب شديد، هي ظواهر بسيطة، والعلاج له أربع مسارات أو مقومات هي العلاج الدوائي والعلاج النفسي والعلاج الاجتماعي والعلاج الإسلامي، هذه الأربعة حين يأخذ بها الإنسان تكون نتائج العلاج رائعة جداً، مع تفاوت طبعاً في جرعة ما هو مطلوب من كل مسار، مثل الإنسان لديه مشاكل اجتماعية كثيرة هذا لا بد أن يركز على المسار الاجتماعي، أحد الناس مصاب باكتئاب بيولوجي مطبق هنا لا بد أن يكون التركيز على الدواء، إنسان حياته فيها الكثير من الانحرافات هنا لا بد أن يركز على المسار الإسلامي، لكن بالنسبة للشخص العادي المعقول المتوازن أعتقد أن الأخذ بالمسارات الأربعة سيكون أفضل.

فيا -أخي الكريم- أنت على المسار النفسي أريدك أن تكون شخصاً إيجابياً وذو دافعية وهمة، وعلى النطاق الاجتماعي أكثر من التواصل الاجتماعي، واجعل لنفسك شبكة اجتماعية ممتازة، ومارس الرياضة، واحرص على النوم الليلي المبكر، وحاول أن تستفيد من البكور بقدر المستطاع، ولا بد أن يكون لك آمال وطموحات وخطط لتدير من خلالها المستقبل بإذن الله تعالى، العلاج الدوائي أعتقد أنه سوف يساعدك كثيراً وأنت لا تحتاج إلى أدوية كثيرة، دواء واحد مضاد لقلق المخاوف الوسواسي سوف يفيدك وتحتاجه بجرعة صغيرة، من أفضل الأدوية التي تفيدك هو عقار سيرترالين والذي يسمى زوالفت وله مسميات تجارية أخرى من أهمها الاسترال، الجرعة هي أن تبدأ بـ بنصف حبة أي 25مليجرام تتناولها ليلاً لمدة 10 أيام ثم اجعلها حبة كاملة وقوة الحبة 50 مليجرام أرى أن تستمر عليها لمدة 4 أشهر، ثم خفضها إلى نصف حبة ليلاً لمدة شهر، ثم نصف حبة يوما بعد يوم لمدة شهر آخر ثم توقف عن تناول الدواء، هذا الدواء دواء سليم ولا يسبب الإدمان أبداً، أحد آثاره الجانبية هو ربما يفتح الشهية قليلاً للطعام عند بعض الناس، كما أنه قد يؤخر القذف المنوي قليلاً عند المعاشرة الزوجية، لكنه لا يؤثر على الصحة الإنجابية عند الرجل.

عموماً أنا لا أتوقع آثار جانبية من هذه الجرعة حيث أنها بسيطة 50 مليجرام فقط تعتبر هي جرعة البداية لكن في حالتك هي الجرعة العلاج أيضاً، الجرعة الكلية هي 200مليجرام في اليوم أي 4 حبات، لكن لا أرى أنك في حاجة لهذه الجرعة، أخي الكريم يمكنك أن تتواصل معي بعد أن تبدأ العلاج بشهرين أو ثلاثة لنرى كيف أصبحت الأمور وأرجو أن تلتزم بالإرشادات السلوكية التي ذكرتها لك.

وأنا أشكرك كثيراً، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيراً.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً