الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف تكون متسامحاً مع أصهارك

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا رجل متزوج من ابنة عمي منذ (23) عاماً، ولي منها أولاد والحمد لله، ولكنني طول فترة الزواج شعرت أنها ليست التي كنت أفكر بها، هذا جانب.

الجانب الآخر أنني أشعر أنني مستغل من قبل عمي والد زوجتي، حيث أشعر أنه أخذ أشياء أو بعض المال أو الأثاث مني بدون وجه حق، وأنني أشعر بأنه يستغلني في بعض الأمور التي تعتبر بسيطة رغم حبه لي وحرصه علي، إلا أنني أجد نفسي أعود بالذكريات لتلك المواقف وتؤلمني، وأحياناً أدعو عليه وعلى أسرته حتى إنني أشعر بالذنب وأعود أستغفر له وأدعو له!

مع انعدام الحب لبقية أسرته وكأنني أتمنى لهم الشر والعياذ بالله! وكذلك يوجد نوع من التوتر النفسي والضيق الخلقي لدي وأشعر أني أخدعهم في كثير من الأمور، فكيف أغسل قلبي من هذه الكراهية؟ رغم أن إخوتي قد تزوجوا من بناته، فكيف أعود إلى جادة الصواب وأخلص لهم في النصيحة، وأقدم لهم المساعدة، وأنسى الماضي وما به من ثغرات، وأكون طبيعياً محبا لهم؟ فهذه الطباع أحسبها طباع اللئام.

أنا أريد أن أعمل ما يرفعني عند الله وأن أكون في هذه السن معطاء متسامحا محبا للخير حريصا على الآخرين، أحب لهم ما أحب لنفسي، وأن ما من حقوق فلن يضيعها الله، وأن زواجي وإن كان غير سعيد فهو قدر، وقد مضى عليه زمن طويل، وقد أصبحت جداً لأحفادي، فهل من المعقول أن تستمر هذه الأفكار وتلك الأهواء حتى سن متقدم؟

كيف أشعر بسعادة التسامح والعطاء والنسيان للماضي مع إحساسي أن تلك المشاعر لا تأتي إلا وأعصابي مرهقة، وفي تعب نفسي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سعيد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله العظيم أن يوفقك لما يحبه ويرضاه، وأن يلهمنا رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا.

إن عم الرجل صنو أبيه وأقرب الناس إليه، وابن عم الإنسان جناحه ونصيره، وأحسن من قال:

وإن ابن عم المرء فاعلم جناحه... فهل ينهض البازي بغير جناح

شرفُ للإنسان أن يتزوج من بنت عمه، ولا يندم الإنسان على خدمته لعمه وبرِّه لأنه أبٌ ثانٍ للإنسان، وقد أعجبني اعترافك بأن هذا العم يحبك ويحرص عليك، وأرجو أن ترد الوفاء بمثله، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.

أرجو أن تعرف أن كبار السِّن يجب أن يعاملوا بحسب نياتهم ومقاصدهم النبيلة، وليس بحسب تصرفاتهم التي ربما تضايق شباب اليوم، كما أن كبار السن لهم أساليب مختلفة في التعبير عن حبهم ومودتهم لنا، وقد لا يظهر هذا الحب إلا في المواقف الحرجة ولكل جيل أسلوبه وخصائصه.

يؤسف الإنسان أن يقول إن الشيطان نجح في غرس العداوات بين الأقارب ليشتت الشمل وينشر البغضاء، لكن منهج المسلم يقوم على العفو والصفح، كما فعل أنبياء الله عليهم صلوات الله وسلامه، ألم يقل نبي الله يوسف لإخوته الذين ألحقوا به الضرر البالغ: (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)[يوسف:92]، وبالغ في احترام مشاعرهم فنسب فعلهم للشيطان الرجيم فقال: (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي)[يوسف:100]، وأشرك نفسه في الخطأ مع أنه كان بريئاً؛ فقال: (بيني وبين إخوتي)

كما صفح رسولنا صلى الله عليه وسلم عن أهل مكة وهم أبناء عمومته وأقربائه رغم ما فعلوه؛ فقال لهم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)، ولم يطالب آل النبي الذين أسلموا بممتلكاتهم التي صادرها أهلهم في مكة، وسار الصحابة الأبرار على هذا الدرب، فرد الصديق رضي الله عنه إحسانه لمسطح قريبه وزاد في إكرامه؛ رغم خوضه في عِرض عائشة بنت الصديق رغبة في مغفرة الله، بعد أن سمع (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[النور:22].

لا يستطيع الإنسان أن يعامل أقاربه بالحسنى إلا إذا نسي أخطاء الماضي، وحرص على العفو والصفح، وذلك لأن المشاكل بين الأقارب لا تنتهي خاصة إذا كانوا جيرانا وعندهم أطفال، وقد طلب عمر من بعض ولاته أن يأمر الأقارب أن يتزاوروا ولا يتجاوروا.

إذا كان إخوانك قد تزوجوا من بناته فهذا يدعوك إلى مزيد من الإحسان والاحتمال؛ لأن الشر يعود إليك، وأحسن من قال:

قومي هم قتلوا أميم أخي...فإذا رمت يصيبني سهمي

واحرص على أن تكون صادقاً ومحباً لهم وتذكر أن صلة الأرحام عبادة عظيمة، ومعلم من معالم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، الذي قال لمن سأله قائلاً: بماذا أرسلك الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (بكسر الأوثان وصلة الأرحام).

لا تظن أن الحياة الزوجية مع امرأة غريبة عنك سهلة وخالية من المشاكل، فإن البعيدة تكون قليلة الشفقة كثيرة التكلفة لا تحسن الشعور بآلام زوجها، أما القريبة فإن ألمه هو ألمها وجرحه جرح لها، ووالده هو عمها أو خالها، وإذا تزوج الإنسان من بعيدة يصبح أهله في بيته كالغرباء، ولكن العبرة في كل الأحوال بصلاح الزوجات وتقوى الأزواج، وسعيد في الناس من رضي بقدره ونظر إلى من هم أقل منه ليؤدي شكر نعمة الله عليه.

ولن تضرك هذه الوساوس إذا لم تترجمها إلى قول أو عمل، وعليك بالدعاء لمن دعوت عليه، قال تعالى: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [محمد:19].

اعلم أن رسولنا صلى الله عليه وسلم بشَّر الرجل الذي جاء يشكو من سوء معاملة أرحامه له، بتأييد الله له إذا صبر عليهم؛ فقد جاء في الصحيح أن رجلاً قال: (يا رسول الله! إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لئن كنت كما قلت فكأنما تُسفّهم الملَّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك).

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً