الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الخطوات الشرعية لتقويم الزوجة وتربيتها

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كثيراً ما أقرأ عن سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام، وحرصت أشد الحرص على التركيز على كيفية معاملته لأزواجه رضي الله عنهن، وقد أحببت أن يكون قدوتي هو المصطفى عليه الصلاة والسلام وأن أترك نصائح من حولي ممن لهم تجارب مع الزواج، خصوصاً إن كانت تتعارض مع هديه عليه الصلاة والسلام.
بدأت حياتي الزوجية وكنت أحرص أشد الحرص على الإحسان مع زوجتي ليس فقط مادياً بل معنوياً ونفسياً، وأن أراعي التغيرات التي تطرأ عليها أثناء الفترات الحرجة، ألاطفها بالكلام الطيب وأشعرها بأهميتها وأساعدها في عمل المنزل إذا رأيت أنها متعبة أو مريضة، وأبادر بالاعتذار إن أخطأت في حقها ولا أتركها حتى أطمأن من رضاها.
ولكن مع كل هذا أجد العكس منها تماماً، بل إنني بدأت ألاحظ أنه كلما أظهرت أفضل وأجمل جوانبي أجدها تزداد في إساءتها إلي، وقل احترامها لي! وتبدأ في معايرتي ببعض عيوبي ونواقصي! مع أنني لم أنتقدها ألبتة، ومع أني أتضايق من بعض عيوبها، بل إنها بدأت تتلفظ بألفاظ لم أتوقع أن أجدها من امرأة تربت في بيت كل أهله متدينون!
بدأت أتذكر مقولة: (إن أكرمت الكريم ملكته وإن أكرمت اللئيم تمردا)، فالسؤال هو كيف أتعامل مع هذا الوضع؟ فقد عانيت الكثير ممن أحسنت إليهم من قبل، وقابلوني بالإساءة، والآن أجد نفس التصرف يأتي من شريكة حياتي، حتى إنني في يوم من الأيام ندمت على هذا الزواج وفكرت في طلاقها حتى لا تتردى حالتي الصحية، فقد دخلت المستشفى قبل يومين وحذرني الطبيب من ارتفاع ضغط الدم، علماً أنني كنت سليماً عند قيامي بالفحص قبل الزواج.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عثمان باشا حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله العظيم أن يوفقك ويسدد خطاك، وأن يصلح لنا ولكم النية والذرية، وأن يلهمنا رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا.
فالبشرى والفلاح لكل من يسير على خطى الرسول صلى الله عليه وسلم، ويلتزم بما كان عليه، ويجتهد في التأسي به في كل أمرٍ من حياته، ونسأله سبحانه أن يحشرنا معه في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
المرأة ناقصة عقل ودين، وهي أسيرة وعانية عند الرجال، ولذلك كانت من حكمة الشريعة أن توصي القوي برعاية الضعيف، ولن يندم إنسان أحسن إلى أهله وصبر على أذاهم إذا كان يرجو من ذلك ما عند الله، فإن الجنة مهرها غالٍ وعاقبة الصبر طيبة وأجر الصابرين بلا حساب.
وكم كنت أتمنى أن نعرف نوع المشاكل وأسبابها فإنه إذا عرف السبب بطل العجب، ولابد كذلك من معرفة عمر الزواج وهل هناك أطفال أم لا؟ وهل هذه المشاكل جديدة أم قديمة؟
وعلى كل حال فإن الشريعة وضعت خطوات لعلاج نشوز المرأة ـ وهو ارتفاعها وخروجها عن طاعة زوجها وتقصيرها في حقه ـ فقال تبارك وتعالى: ((وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا))[النساء:34]، والمسلم يراعي هذا التدرج البديع في علاج المشكلات في الحياة الزوجية.
وأول خطوات العلاج المذكور في الآية هي الوعظ، وهو تذكير بالله وتنبيه إلى حقوق الزوج، وبيان لعواقب الخروج عن طاعة الزوج في الدنيا والآخرة، فإذا نفع هذا الدواء وإلا فانتقل إلى الخطوة الثانية وهي الهجر في المضجع، وهذا له أثر عظيم على نفسية المرأة، وإشارة إلى تطور الحلول المستخدمة، وبيان للمرأة بأن أقوى أسلحتها في الإغراء قد سقطت؛ فهي تشعر أن الرجل معها في الفراش لكنها يوليها ظهره ويحرمها من اهتمامه، ويبخل عليها بمشاعره، فإذا نفع هذا العلاج فبها ونعمت، وإلا فالواجب أن ننتقل إلى الخطوة الثالثة وهي الضرب، فربما كانت المرأة من النوع الذي تربى على الضرب أو من النوع المتعالي المتكبر الذي لا يعرف مصلحته ولا تقدر معروف زوجها ولا تحترمه، وهو أفضل للمرأة من خراب بيتها وضياع أطفالها.
وفي الضرب دليل على أن الرجل حريص على استمرار الحياة مع زوجته،والضرب هو آخر العلاج، وآخر الدواء الكي، وباستخدام الضرب نشعر المرأة أن صبر الزوج بدأ ينفد، وأن الحلول المتوقعة لن تكون في مصلحتها؛ فإن انتفعت ورجعت إلى طاعة زوجها فلا يجوز تكدير الحياة عليها وتذكيرها بأخطاء الماضي والتماس الأسباب لإيذائها، وكل ذلك مما يغضب الله القائل: ((فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا))[النساء:34] لا تبحثوا عن أسباب لتجديد الجراح، فإن اغتر الرجل بقوته وأصر على الإيذاء فليتذكر قُدرة الله عليه ويستمع إلى التهديد القرآني: ((إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا))[النساء:34].
وهناك علاج قد يكون نافعاً وهو أن يذهب بزوجته إلى أهلها ويتركها هناك دون أن يطلقها، وعندها سوف تعرف قيمة الزوج؛ فإن المرأة في بيتها ملكة، ولكنها في بيت أهلها قد تكون مواطنة من الدرجة الرابعة أو الخامسة، وقد تجد نفسها خادمة لنساء إخوانها، وعندها سوف تردد: (وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر)، وسوف تقول: هذا الرجل مع ما عنده من مشاكل فإنه لا يمكنني أن أستغني عنه، وكذلك الأمر بالنسبة للرجل فإنه يعود إلى منزله فلا يجد من يؤانسه أو يهتم به، وعند ذلك يقول: هذه المرأة مع ما عندها من مشاكل فإنني لا أستطيع أن أعيش بدونها، وإذا لم تجدي هذه الخطوة فعلينا أن نضع الإيجابيات إلى جوار السلبيات، ثم نصدر الحكم، ومن هنا تتجلى عظمة التوجيه النبوي: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر)، فقد تكون سليطة اللسان لكنها مصلية وحافظة للقرآن وتهتم ببيتها والولدان.
وإذا لم تنفع هذه المحاولات فإننا نأتي بمسألة التحكيم: ((فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ))[النساء:35]، وهنا لابد أن نلاحظ أن القرآن لم يقل رجلاً من أهله، وإنما قال حكماً ليكون عدلاً وعالِماً وأميناً وعاقلاً وخبيراً وحريصاً على الإصلاح، وإذا لم تنجح محاولات الإصلاح فعند ذلك يأتي قوله تعالى: ((وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ))[النساء:130].
ومن الضروري عندما يحدث الفراق ينبغي أن يكون بإحسان، قال تعالى: ((فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ))[البقرة:229] وهو الفراق الذي لا يعقبه قطيعة وخصومات وغيبة ونميمة وعداوات، والطلاق الناجح هو الذي يأتي بعد تخطيط ودراسة متأنية واتفاق على مستقبل الأطفال، وأن يكون طلقة واحدة حتى لا نغلق الباب مرة واحدة، وأرجو قبل كل ذلك أن تحاول معرفة أسباب نفور هذه الزوجة وسوء خلقها معك، فلابد من مكاشفة ووضوح في النقاش، وإذا عرف السبب بطل العجب.
ونسأل الله أن يوفقك ويسدد خطاك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً