الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سبل النجاح والثبات وتذوق آثار محبة الله في الدين والدنيا

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا طالبة جامعية سنة ثالثة، وقد تحصلت على معدل حسن في شهادة البكلوريا أهلني لاختيار الشعبة التي أحببت، وهي الترجمة.

لقد كنت في الثانوية جد متفائلة ومتواضعة ومتوكلة، ومن الأوائل في قسمي رغم أنني لم أكن ملتزمة، وفي السنة الثالثة ثانوية -أي كنت على أبواب امتحانات الباكالوريا- مرت بي مرحلة لن أنساها طوال عمري، فهي مرحلة غيرت حياتي وشخصيتي وثباتي إلى شك وعدم ثقة بالنفس حتى يومي هذا.

في صميم قلبي أحب الله بكل جوارحي، لكني أرى أنني منافقة؛ فمن يحب يضحي ويجتهد ويثبت ويبذل؟ أما أنا فبت الآن أضيع الكثير من الوقت وبالكاد أهتم بواجباتي وأحسن من مستواي الدراسي، أريد أن أصبح أحسن مما كنت؛ لأني أرى طريق ديني ودنياي أكثر مما كنت أعلم بكثير، أحترق ألماً وشوقا إلى بلوغ ما بلغه كل من حولي من أصدقائي وأهلي، لكني أرى صعوبة الطريق فأستسلم للهزيمة.

حب ربي عظيم في قلبي لكنه لا يظهر في نجاح أو تفوق مبهر أهديه لحبيبي رب العزة، أريد من فضيلتكم نصائح وإرشادات تثبيت القلب والروح والعمل على طريق الحق، إنها أول مرة أخرج الحقيقة الكاملة لما في داخلي من بركان متلاطم الأمواج، أريد أن أتخلص منه بكل قوة قبل أن يهلكني، لا حول ولا قوة إلا بالله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فتيحة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله لك التوفيق والسداد والهدى والرشاد، وأن ينفع بك بلاده والعباد، ونسأله تبارك وتعالى أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.

فلا شك أن معرفة الداء هو أول وأهم خطوات الشفاء، والفشل عند العظماء يتحول إلى خطوة هامة على طريق النجاح، ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، والذي وهبك التفوق بالأمس سوف يُعينك على التقدم إذا أقبلت إليه ورفعت أكف الضراعة؛ فإنه يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفراً خاويتين، فسبحان من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، هكذا يعتقد الكرماء في ربهم، قال تعالى على لسان عبده زكريا: (( وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ))[مريم:4] لأنه سبحانه عوَّده الإجابة ووعدنا بالإجابة.

والوقت هو الحياة، (ولن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيم أفناه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه)، فالأسئلة أربعة نصفها عن العمر، والوقت هو أغلى ما يملك الإنسان، وإذا ضاع لا يمكن أن يعوَّض، وأحسن من قال: "الوقت يبدو من أرخص الأشياء، ولكننا لا نستطيع شراءه حتى بأغلى الأثمان"!

وأرجو أن تحافظي على حبِّك لله بالإكثار من الطاعات، وخاصة تلاوة القرآن، وذكر الرحمن، والقيام بالليل والناس نيام، وإذا حرص الإنسان على رضا الله نال سعادة الدنيا والآخرة، وفاز بالقبول والتفوق والسعادة، والنجاح المبهر سهل جداً، ولكن لابد من بذل الأسباب ثم التوكل على الكريم الوهاب، وأحسن من قال:

وما نيل المطالب بالتمني ولكن ألق دلوك في الدلاء

واعلمي أن القلوب موضع نظر الله، فاحذري أن تشغلي هذا القلب بغير محبة الرب ومراقبته سبحانه، وإذا صلحت هذه المضغة صلح الجسد كله، والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلِّبها كيف شاء، ونحن نبتهل إلى الله أن يصرف قلوبنا إلى طاعته وأن يشغلنا بذكره وشكره وحسن عبادته.

واعلمي أن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، ويؤيد عباده المتقين، ويدافع عن الذين آمنوا، وأنه تبارك وتعالى يحفظ ويوفق من يحافظ على طاعته، قال صلى الله عليه وسلم: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك) أي: أمامك. يجلب لك الخير ويصرف عنك السوء والشر، وتذكري أن الحسنات آخذة برقاب بعضها وكذلك السيئات، وأن من علامات قبول الحسنة حصول الحسنة بعدها، وللحسنة ضياء في الوجه وسعة وتوفيق في الرزق وانشراح في الصدر ومحبة في قلوب الخلق؛ فكوني متفائلة، وعيشي متواضعة، فإنه من تفاءل بالخير ناله، ومن تواضع لله رفعه، ومن توكل على الله كفاه، وأكثري من الاستغفار، وتعوذي بالله من الشيطان، وأحسني للإنسان والحيوان، وانتظري رحمة الرحمن.
والله الموفق وهو المنان.



مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً