السؤال
إنني ومنذ أن ولدت في عزلة دائمة، حديثي قليل لا يتعدى صديقاتي، رأيي غير مسموع، وكلما حاولت أن أشارك أهلي في أي موضوع عام، قالوا: "أنت صغيرة.. خليك في دراستك"! وكل ذلك لأني أصغر أفراد الأسرة وعلى هذا الأساس، أصبحت حبيسة البيت، من البيت إلى المدرسة، ومن المدرسة إلى البيت.
وازداد الأمر إلى درجة أنني أخاف من جرس الباب أو حتى الهاتف وأتركه يرن حتى ينقطع، ليس هذا فحسب، بل عندما أقابل ناساً من أقاربنا أو جيراننا، يداي وقلبي يرتعشان، وأتصبب عرقاً وأتلعثم، ثم أخرج من المكان الذي أكون فيه، أضف إلى ذلك أن ذلك الشعور ينتابني عندما يكون الموضوع عن الزواج، وسرعان ما أقول لنفسي: "أنا صغيرة على هذه المواضيع"، ومن ثم أغادر المكان.
واستمر وضعي النفسي على هذا الحال طوال مراحل الدراسة، تسأل الأستاذة سؤالاً وأنا والله أكون عارفة للإجابة، لكن أخاف أن أجاوب، أكون مثلاً أريد أن أسأل سؤالاً لكن أخاف.
وعندما دخلت الجامعة، أصبحت معزولة أكثر من ذي قبل، لا أستطيع النظر في أي شخص، حتى صديقاتي وأستاذتي بل وأهلي (أبي، أمي، إخواني، الأطفال وأخواتي)، وإذا نظرت إلى أحدهم أرتبك، يداي وقلبي يرتعشان، وأتصبب عرقا وأتلعثم، ويحمر وجهي! فبدأ من حولي يشكون في ويتضايقون مني.
فمثلاً: إذا أراد أي شخص أن يسألني سؤالاً وأكون مشغولة بكتاب أو بالكمبيوتر، أرتبك وأقول في نفسي: الآن فلانة سوف تشك أنني أعمل شيئاً غلطاً، فأرتبك، يداي وقلبي يرتعشان، وأتصبب عرقاً، وأتلعثم ويحمر وجهي، وبذلك أوحي للشخص الذي أمامي أنني بالفعل أعمل شيئاً غلطاً. إضافة إلى ذلك، لقد أصبح كلامي مع من حولي لا يتعدى رد التحية، وكل يوم يزداد الأمر سوءاً، فأصبحت أشك في كل من حولي وتراودني أفكار غريبة عنهم، وهذه الأفكار تأتي رغماً عني! وكلما حاولت أن أبعد تلك الوساوس والتي كلها ظن سيئ بهم تعود مرة ثانية، ويعود معها الإحساس بالخوف والارتعاش والتلعثم، وقدماي ترجفان؛ لذلك أصبحت أتجنب الحديث أو حتى مقابلة من حولي حتى الصديقات، وكل ذلك خوفاً من تكرار حالة الهلع التي تنتابني والتي يصاحبها نظرات الشك عند الحديث أو اللقاء بهم مع اللوم الشديد لنفسي؛ لأنني فكرت بهم هذا التفكير.
هذه هي حالتي: نوم في النهار، وتفكير وبكاء وسرحان في المساء، بكل صراحة: تعبت.. تعبت.. تعبت.. فلم أدع كتابا أو مقالا عن الخوف إلا قرأته، حتى جاءتني فكرة البحث في الإنترنت عن أطباء نفسين ووجدت هذا الموقع.
إنني أشعر أن شبابي يضيع، فهل أنا أعاني من الوسواس القهري، الهلع، أم الرهاب؟ أرجوك أيها الطبيب أن تحل مشكلتي فأنا خسرت كل من حولي وأخشى أن أخسر حياتي، إنني في حالة يرثى لها، إن بداخلي كماً هائلاً من الطموح، ففي جميع مراحل حياتي وحتى الجامعة، وأنا أحصل على تقدير امتياز، ولكن تلك الوساوس والأفكار السيئة عمن حولي ومن ثم حالات الهلع التي تنتابني بعدها تثقلني بل تشلني!
أرجوك.. أرجوك -أيها الطبيب- ولا تقل لي أن أراجع أقرب طبيب؛ لأن ذلك من أصعب الحلول.