الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تشخيص الاكتئاب الثانوي وعلاجه

السؤال

إنني ومنذ أن ولدت في عزلة دائمة، حديثي قليل لا يتعدى صديقاتي، رأيي غير مسموع، وكلما حاولت أن أشارك أهلي في أي موضوع عام، قالوا: "أنت صغيرة.. خليك في دراستك"! وكل ذلك لأني أصغر أفراد الأسرة وعلى هذا الأساس، أصبحت حبيسة البيت، من البيت إلى المدرسة، ومن المدرسة إلى البيت.

وازداد الأمر إلى درجة أنني أخاف من جرس الباب أو حتى الهاتف وأتركه يرن حتى ينقطع، ليس هذا فحسب، بل عندما أقابل ناساً من أقاربنا أو جيراننا، يداي وقلبي يرتعشان، وأتصبب عرقاً وأتلعثم، ثم أخرج من المكان الذي أكون فيه، أضف إلى ذلك أن ذلك الشعور ينتابني عندما يكون الموضوع عن الزواج، وسرعان ما أقول لنفسي: "أنا صغيرة على هذه المواضيع"، ومن ثم أغادر المكان.

واستمر وضعي النفسي على هذا الحال طوال مراحل الدراسة، تسأل الأستاذة سؤالاً وأنا والله أكون عارفة للإجابة، لكن أخاف أن أجاوب، أكون مثلاً أريد أن أسأل سؤالاً لكن أخاف.

وعندما دخلت الجامعة، أصبحت معزولة أكثر من ذي قبل، لا أستطيع النظر في أي شخص، حتى صديقاتي وأستاذتي بل وأهلي (أبي، أمي، إخواني، الأطفال وأخواتي)، وإذا نظرت إلى أحدهم أرتبك، يداي وقلبي يرتعشان، وأتصبب عرقا وأتلعثم، ويحمر وجهي! فبدأ من حولي يشكون في ويتضايقون مني.

فمثلاً: إذا أراد أي شخص أن يسألني سؤالاً وأكون مشغولة بكتاب أو بالكمبيوتر، أرتبك وأقول في نفسي: الآن فلانة سوف تشك أنني أعمل شيئاً غلطاً، فأرتبك، يداي وقلبي يرتعشان، وأتصبب عرقاً، وأتلعثم ويحمر وجهي، وبذلك أوحي للشخص الذي أمامي أنني بالفعل أعمل شيئاً غلطاً. إضافة إلى ذلك، لقد أصبح كلامي مع من حولي لا يتعدى رد التحية، وكل يوم يزداد الأمر سوءاً، فأصبحت أشك في كل من حولي وتراودني أفكار غريبة عنهم، وهذه الأفكار تأتي رغماً عني! وكلما حاولت أن أبعد تلك الوساوس والتي كلها ظن سيئ بهم تعود مرة ثانية، ويعود معها الإحساس بالخوف والارتعاش والتلعثم، وقدماي ترجفان؛ لذلك أصبحت أتجنب الحديث أو حتى مقابلة من حولي حتى الصديقات، وكل ذلك خوفاً من تكرار حالة الهلع التي تنتابني والتي يصاحبها نظرات الشك عند الحديث أو اللقاء بهم مع اللوم الشديد لنفسي؛ لأنني فكرت بهم هذا التفكير.

هذه هي حالتي: نوم في النهار، وتفكير وبكاء وسرحان في المساء، بكل صراحة: تعبت.. تعبت.. تعبت.. فلم أدع كتابا أو مقالا عن الخوف إلا قرأته، حتى جاءتني فكرة البحث في الإنترنت عن أطباء نفسين ووجدت هذا الموقع.

إنني أشعر أن شبابي يضيع، فهل أنا أعاني من الوسواس القهري، الهلع، أم الرهاب؟ أرجوك أيها الطبيب أن تحل مشكلتي فأنا خسرت كل من حولي وأخشى أن أخسر حياتي، إنني في حالة يرثى لها، إن بداخلي كماً هائلاً من الطموح، ففي جميع مراحل حياتي وحتى الجامعة، وأنا أحصل على تقدير امتياز، ولكن تلك الوساوس والأفكار السيئة عمن حولي ومن ثم حالات الهلع التي تنتابني بعدها تثقلني بل تشلني!

أرجوك.. أرجوك -أيها الطبيب- ولا تقل لي أن أراجع أقرب طبيب؛ لأن ذلك من أصعب الحلول.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Sad flower حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

جزاك الله خيراً على سؤالك.

الوضع النفسي الذي تعيشين فيه الآن هو حالة اكتئابية ثانوية، والعلة الأساسية لديك هي المخاوف، والقلق، واهتزاز الثقة بالذات أو بالنفس.

وأرجو عدم الانزعاج لهذه المسميات الكثيرة؛ حيث إنها جميعها مترابطة ومتشابكة، ومن الناحية التشخيصية تأتي جميعها تحت مسمى الاضطراب الوجداني.

أولاً: أنتِ مطالبة بأن تنظري إلى الجوانب الإيجابية في حياتك، وتسعين لتنميتها بصورةٍ أفضل، ولابد من استبدال هذه الأفكار السلبية التي تُسيطر عليك بأفكار أكثر إيجابية.

ثانياً: العيش والتفكير في الماضي ليس من الأمور المستحسنة في الصحة النفسية، إنما الرؤى المستقبلية وأن يعيش الإنسان حاضره بقوة هو المطلوب من الناحية النفسية السلوكية.

توجد الآن بفضل الله تعالى أدوية فعالة وممتازة جداً لعلاج مثل الحالة التي أنت فيها الآن، ومن الأدوية المناسبة الدواء الذي يُعرف باسم سبراليكس، وجرعة البداية هي 10 مليجرام ليلاً لمدة شهر، ثم تُرفع الجرعة إلى 20 مليجرام ليلاً لمدة ستة أشهر، ويفضّل أن يؤخذ هذا الدواء بعد الطعام.

بعد انقضاء فترة الستة الأشهر تخفض الجرعة إلى 10 مليجرام مرةً أخرى، وتستمرين عليها لمدة شهرين.

من البديهيات النفسية المهمة أن يستثمر الإنسان وقته فيما هو مفيد، وأن يضع أهدافاً لحياته، ويبحث في الآليات التي يمكن أن توصله لذلك، ونحن دائماً نوصي بالتواصل الاجتماعي، والحرص على أداء الواجبات الدينية، والالتزام بها، فكل هذه إن شاء الله تمثّل دوافع وبواعث إيجابية، تقلل أو حتى تُزيل الخوف وعدم الطمأنينة.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً