الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الانهيار العصبي بسبب القلق

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وأنقل إليكم خالص شكري وتقديري.
أنا الآن بحاجة إلى نصيحتكم أكثر من أي وقت مضى، ولعل ما أسرده يوضح هذه الأهمية.

لقد عانيت ولمدة تزيد عن الثلاثة أعوام من آلام وهواجس كانت تعتريني، واقتنعت مع الأطباء بعد طول تجربة وبعدما دفعت غاليا من جهدي ونفسي أن الأمر نفسي المنشأ وما علي إلا الإقتناع بذلك، وما ذهابي إلى أكثر من 12 أخصائي وفي مختلف التخصصات إلا مضيعة للجهد وأذى للنفس. فآلام البطن والصدر والإضطراب في ضغط الدم كل هذه الأعراض التي جعلتني أزور أخصائي الباطنة، والقلب، والرئتين، والكلى والمسالك البولية، والأعصاب، والأمراض النفسية، والطب البديل إلخ، تبين بالقطع أنها مرتبطة بالوضع النفسي. ويسرني أن أعلمكم أن هذه الأعراض قد زالت إلى حد كبير وذلك بفضل الله سبحانه.

زرت أهلي في فلسطين، وكم شعرت بضآلة معاناتي في مقابل ما يعانون، لذلك أخذت عهدا مع الله أن أتحمل وأنسى ما أنا فيه، حيث أن مصدر همي هم أهلي وناسي الذين لديهم قدرة فائقة على التعاطي مع مشاكلهم بشكل جيد.

لا أخفيك سراً أنني ومنذ سنوات لم أسجل ساعات نوم زادت عن أربع ساعات، ومع ذلك فهي غير متواصلة، وهذا مرده اضطرابات نفسية وقلق شديد وتوتر تجاه أدق التفاصيل ولكنها والله يشهد ليست شخصية بل تحمل البعد العام. رغم أنني وللعيان ناجح في عملي وحياتي الإجتماعية بفضل الله، فأنا على مشارف الأربعين من العمر، أستاذ جامعي في ألمانيا، وزوجتي هي الأخرى أستاذة جامعية، ولدينا طفلان رائعان فعلا، صحيح أن إرادة الله اقتضت أن يتأخرا نحو 8 سنوات بعد زواجنا، لكننا صبرنا ونلنا.

- أنا أحب الناس كثيراً وحساس لدرجة رهيبة ولسوف أعطيك بعض الأمثلة التي تدلل على ذلك:

* لا أفسح المجال لطالباتي في الجامعة أن يستخدمن المواد الكيميائية الخطرة حرصا على سلامتهن، مع إدراكي بأنهن ناضجات ويتحملن المسئولية، لكني دائماً ضحية هواجس: ماذا لو تعرضت إحداهن لأذى ما؟؟ وبالتالي أقوم بالكثير من الأعمال بنفسي بدلا عنهن الأمر الذي يتكلفني جهدا بدنياً وذهنيا.

* لو أتصل شخص بي هاتفياً ولم أكن في البيت ولم يترك اسمه، فأظل في توتر دائم وفي أسئلة كثيرة، لكن الأصعب هو أن يتصل شخص أعرفه في موعد متأخر مثلاً ولا يجدني، فتراني لا أنام تلك الليلة، ولو واعدني شخص أو حتى زوجتي أن تحضر في ساعة معينة، فأنا أقدس الوقت ولو تأخر أو تأخرت فأنا لا أفترض إلا الأسوأ دائماً سبباً للتأخير.

* أنازع زوجتي في وظائفها الأسرية، فأنا دائماً مستنفر تجاه الأولاد أكثر منها، وإذا سعل أحدهم فأظل واقفا عند رأسه وزوجتي تغط في نوم عميق.

* التلفزيون وتحديداً قنوات الأخبار كانت إدمانا لي، حتى أنني كنت على سبيل المثال أصحو بعد ساعة من النوم لأشعل الجهاز عله يحمل لي أخبارا جديدة تنصف المظلومين وتغير وجه الأرض لكن عبثا.

المشكلة:
يوم الجمعة الموافق 15/ 7/ 2005م وقد كان شديد الحر إذ تجاوزت درجة الحرارة أكثر من 30 درجة هنا في ألمانيا وأنا من النوع الذي يعرق بشكل غزير، ولم أكن يومها قد أفطرت أو تغديت بعد كما أنني للأسف لم أتناول الماء أو السوائل، وكنت في عملي أمام الكمبيوتر من الثامنة صباحا، ثم ذهبت مباشرة للمسجد لأداء صلاة الجمعة، صليت ركعتين وما أن وقفت لأصلي ركعتين أخريين حتى شعرت بغثيان شديد فوضعت يدي على فمي وحاولت أن أصل الباب لأخرج، لكني أحدثت صوتا لا أتذكره ووقعت مغشيا علي مع تشنجات شديدة في كل الجسم وربما آذيت لساني قليلاً، وانقطعت عن العالم حوالي 3 دقائق كما أفادني الأخوة الذي هم أطباء وهم كذلك أصدقائي، بدأت أسترد ذاكرتي بالتدريج وأنا في سيارة الاسعاف في الطريق إلى المستشفى حيث حقنت بمحلول ملحي، وهناك أجريت لي فحوصات لوظائف القلب، والسكر وضغط الدم وتحاليل الدم ومن ثم التصوير المقطعي للدماغ (CT) وقد كانت النتائج بفضل الله ومنَه وكرمه طبيعية، وقد تحدثت إلى الطبيب فقال أن من هم في مثل حالتي عليهم عمل: (CT) لمعرفة وجود أورام أو جلطات في الدماغ، ثم الأهم عمل (Eeg) وهو التخطيط الكهربي للدماغ لمعرفة هل لا زالت توجد كهرباء زائدة في المخ وهل هناك إشارات للصرع، وثالثاً عمل (Mri) وهو التصوير بالرنين المغناطيسي وهو تكميلي ويفيد بوجود أو عدم وجود عدوى من أي نوع (بكتيريا أو فيروس) في أنسجة الدماغ، وكما قلت فالفحوصات بفضل الله كانت سليمة وطبيعية.

المشكلة النفسية التي آذتني ولا زالت هو أن الطبيب لم يسألني الأسئلة التقليدية البديهية: هل حدث ذلك مسبقا؟ هل نمت أو تنام جيدا؟ هل تتناول عقاقير؟ هل لديكم سوابق عائلية؟ هل حدث تبول أثناء الغيبوبة؟ (وللعلم فكل إجابات هذه الأسئلة بالنفي والحمد لله).

التشخيص:
أفادني الطبيب بأن الحالة تعرف طبياً بالنوبات غير الصرعية أو (Non-epileptic seizures)، ولا يعرف لها سبب دقيق بل قد تتداخل عوامل كثيرة لإحداثها، ومع استبعاد الأسباب العضوية من خلال الفحص السريري وبالأجهزة تظل هناك على سبيل المثال أسباب عديدة قد تظهر نفس الأعراض مثل قلة النوم (وهذا ما أعانيه منذ سنوات إذ لم اسجل أبداً أكثر من 4 ساعات من النوم غير المتواصل) والتوتر العصبي الزائد (وهذا كذلك موجود فأنا شخص حساس أديب وكاتب وخصوصاً تجاه وطني والبسطاء في العالم) والخوف والذعر وما إلى ذلك، علاوة على ضربات الشمس إذ أنها تعطي نفس الأعراض (وقد كانت الشمس حارقة كما ذكرت وأنا ممن يفقدون كميات مهولة بالعرق). فطاقة الدماغ الكهربية لا تحتمل هذا الضغط ولا يستطيع المخ تنظيم الكهرباء فيه، فيلجأ إلى أن يفرغ هذا العبء عن طريق التشنجات الشديدة التي حدثت والتي لا يقوى الوعي عليها ولذلك حدث الإغماء.

ما أحتاجه منكم جدا:
1. ما هو تعريف الصرع اكلينيكيا؟ متى نقول للشخص أنه مريض بالصرع بخلاف حالات التشنج والغيبوبة؟

2. هل لديكم سابق حالات مشابهة أظهرت نفس الأعراض والتشخيص؟

3. لقد فزعت جداً لما أصابني وأصبح لدي رهبة إضافية أن تتكرر الحالة لا سمح الله وأنا مع أطفالي في البيت أو الشارع، وكما قلت فأطفالي مسئوليتي (حيث تعمل زوجتي فترات أطول)؟ لذا أحتاج منكم إلى ما يطمئنني بارك الله فيكم.

4. لماذا توجد هذه الحالات عند أناس دون غيرهم، وقد سألت أفراد أسرتي فلم نعرف مثل هذه الحالة بفضل الله، إلا أن الجميع يعرف أن لدي حساسية مفرطة تجاه البشر وأعاني من سنوات من نوم قليل؟

5. هل هناك أدبيات منشورة ودراسات علمية تشير إلى الفترة الزمنية التي يمكن تراكم شحنات كهربية في الدماغ قد تحدث هذه النوبات؟ وهل تخطيط الدماغ كهربيا وبشكل دوري (كل سنة مثلا) يفيد في تدارك حدوث مثل هذه النوبات؟ طبعاً مع الأخذ بالأسباب مثل ضرورة النوم وتغيير نمط الحياة وتجنب التوتر.

6. قال لي الطبيب أنه وبناء على الفحوصات يمكنني أن أزاول حياتي وبشكل طبيعي، وبإمكاني كذلك أن أركب السيارة والدراجة وأسافر وأتمتع بحياتي (مع أني لا أفعل) دون مشكلة، فهل توافقونه الرأي أم أن لديكم ما تضيفون؟ والشيء الذي ركز عليه هو النوم الجيد وعدم إيجاد ظروف مشابهة مثل تجنب الإزدحام والمناطق سيئة التهوية، وتجنب الشمس وشرب الكثير من السوائل، وأن أحاول لكن في الأيام الأولى كانت قضية النوم شائكة إذ أنني كنت أنتظر النوم كثيراً وطويلا أن يأتي لكنه لا يأتي والفروض أن يأتني هو دون انتظار، كذلك إذا تجاوزت الساعة الحادية عشرة بدأت في القلق إذ اعتبرت أن الليلة قد ولت ولن أفلح في النوم، هذا لأنني تعودت النوم مبكرا.

7. ما هي نصيحتكم لي لتجنب حدوث هذه الحالة، وفي حالة حدوثها لا سمح الله ما التعليمات اللازم اتباعها؟ وهل هناك ضرورة للنقل للمستشفى؟

8. هل هناك أغذية معينة يمكن أن تساعد؟ أو رياضات معينة تساعد في تفريغ شحنات الدماغ الكهربية قبل تراكمها؟ أو بعض أنواع الأعشاب والطب البديل؟ أخوتي هنا أخبروني أن الحجامة تفيد، فهل لديكم فكرة كل كم مدة نجريها وفي أي أماكن الرأس؟

9. ليلة أمس لم أنم وقد يكون السبب هو أنها ليلة الخميس الذي يسبق يوم الجمعة حيث وقعت المشكلة، لذا اضطرب نومي كثيراً مع أني غيرت المكان، وقرأت القرآن، وبعض الكتب. ربما يسكنني خوف أن أعود للمسجد إذ قد تعود لي، رغم أن الطبيب قد رمى الكرة في مرماي وعلي أن أبادر، وأخبرني أنها قد تحدث لأي إنسان وفي أي عمر وقد لا تتكرر.

10. كان لدي موعد مع الطبيب قبل أيام (أي بعد حوالي شهرين من الحادثة) وعمل لي تخطيط للدماغ مجدداً وطمأنني أن الأمور كلها طبيعية ولا داعي للقلق.

أحتاج لردكم في أسرع وقت فهو يخفف عني بإذن الله، شاكرا سرعة الرد.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ حسن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

جزاك الله خيراً أيها الأخ الكريم.

أنا أخوك الدكتور محمد عبد العليم، وقد تحدثت إليك على التلفون قبل أيام حين عرض علي الأخ الدكتور غسان رسالتك، وكما أكد لك الأخ الكريم الدكتور مأمون مبيض من قبلي أنك لا تُعاني مطلقاً من مرض الصرع؛ حيث أن سمات مرض الصرع العضوي لا تنطبق عليك، وكل الذي حدث لك في الغالب هو نوبة من القلق أدت إلى الانهيار العصبي المؤقت الذي حدث لك، والشيء الأساسي هو أن لديك الكثير من صفات الوسواس القهري، حيث أن شخصيتك ربما تكون مثالية، أو باحثة عن المثالية والدقة بصورةٍ مفرطة، ولا شك أن اهتمامك بهموم الأمة شيءٌ جميل تؤجر عليه من الله سبحانه، ولكن قطعاً لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

كما ذكرت لك في المحادثة التلفونية، أرى أنك سوف تستفيد كثيراً بإذن الله من الأدوية المضادة للوساوس القهرية، وأفضلها هو البروزاك بالجرعة التي وصفتها لك، والشيء الآخر هو لابد أن تحقر الأفكار الوسواسية، وتستبدلها بأفكارٍ مضادةٍ لها.

الشيء الثالث: بالرغم من أنك ذكرت أنه لا يوجد لديك وقت، إلا أن ممارسة الرياضة يعتبر شيئاً أساسياً جداً في حالتك، كما أنني يا أخي أنصحك نصيحة هامة، وهي أن لا تتنقل بين الأطباء، فموضوعك واضح جداً وتشخيص حالتك واضح جداً، وأنت حين تمتنع عن التنقل بين الأطباء سوف تقلل من القلق لديك، مما يترتب عليه المساعدة في اختفاء الأفكار والتوجه الوسواسي لديك.

أرجو الالتزام بالعلاج، وبالجرعة المطلوبة، وأن لا يكون موضوع الصرع شاغلاً لك أبداً، ولا أرى أن هنالك حاجة مطلقاً لمزيدٍ من الفحوصات في هذا السياق.

كما عرفت والتمست، فأنت والحمد لله رجل ناجح في حياتك الزوجية والاجتماعية والأكاديمية، وهذه الإيجابيات العظيمة يجب أن تكون دافعاً لك في أن تقلص كل الأفكار الوسواسية والسلبية التي تنتابك من وقت لآخر.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً