الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما حكم الحلف تحت تأثير الوسوسة؟

السؤال

السلام عليكم..

أنا أعاني من كثرة الوسواس القهرية والدينية، وعندما تأتيني هذه الأفكار أتعرق وأتوتر وتسبب لي ضيقا في النفس؛ لأنه تنتابني أفكار أن هذا الكلام الذي قلته فيه ذنب، فأقوم بالحلف حتى لا أفكر بتلك الأفكار، فهل علي كفارة؟

ومرة دعوت الله بأني سأسيطر على هذه الأفكار، فهل هذا يعتبر حلفانا أم لا؟

وهل أنا حقا مريض بالوسواس ام أني أتوهم؟ لأن الأفكار كثيرة، كما أخاف من أن أكون آثماّ.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ هشام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية.

الوسواس القهري يُعرَّفُ بأنه فكرة، أو شكوك، أو مخاوف، أو طقوس يُمارسُها الإنسان، تتسلّط على الإنسان، وتستحوذ عليه فكريًّا أو عمليًّا، ويحاول ردَّها والتخلُّص منها، وهو مقتنعٌ تمامًا بسخفها، ولكنّه يجد صعوبة كبيرة، أو يُصاب بقلق نفسي شديد حين يُحاول التخلُّص منها أفكارًا كانت أو طقوسًا أو أفعالاً.

إذًا صاحب الوسواس القهري مرتبطٌ بالواقع، مُدركٌ لما يُفكّر فيه وما هو متسلِّطٌ عليه، وكذلك ما يفعله، لكنّه يجد صعوبة في ردِّه والتخلص منه، وهذا فرقٌ أساسي ما بين المرض العقلي الذُّهاني والوسواس القهري.

في حالة المرض العقلي الإنسان تكون متسلِّطة عليه فكرة، مثلاً: يعتقد أن جاره يتجسس عليه، ويكون مقتنعًا بها اقتناعًا صارمًا وجازمًا، ولا يحاول ردَّها أو صرفها، بل قد يتفاعل معها ويتصرف حسب هذه الفكرة.

فحقيقة أنت لم توضح الكثير عن طبيعة الأفكار الدينية التي تأتيك، ولم تعطي تفاصيل تجعلنا نُحدّد حالتك على وجه الدِّقة، لكن يظهر أنه لديك قلق، وأنه لديك توجُّسات، وأنه تأتيك بعض الأفكار القلقية، وهنالك اجترارات، بمعنى أن فكرة تأتي وفكرة تذهب، وأنك تلجأ للتحليل، لكن لا أستطيعُ أن أقول أن ذلك وسواسًا قهريًّا مُطبقًا.

عمومًا باب الرحمة مفتوح، وفي قوله تعالى بُشرى لكل مذنب، هو: {إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}، وقوله: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيمًا}، فباب الرحمة مفتوح، والاستغفار من الأشياء الطيبة والجميلة، وهو رحمة من الله بنا، ليكفر عنَّا ذنوبنا، حيث قال الله تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}.

فأنا حقيقة أستطيع أن أقول أنك مريض بالوسواس القهري، ونصيحتي لك هي أن تذهب وتقابل طبيبا نفسيا؛ لأن الأمر يحتاج لمناظرة، ولمحاورة، ولتغيير إكلينيكي مباشر، وإن أردتَّ أن تُخاطبنا مرة أخرى في الشبكة الإسلامية وتعطينا أمثلة من هذه الأفكار التي تأتيك، وإن شاء الله على ضوء ذلك نفيدك.

عمومًا لا تنزعج، أيًّا كانت هذه الأفكار – قلقية، توتُّرية، ظنانية، وسواسية – كلها يمكن أن تُعالج.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
_________________________________________
انته إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم -استشاري أول طب نفسي وطب الإدمان.
وتليها إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي -مستشار الشؤون الأسرية.
_______________________________________

مرحبًا بك – ولدنا الحبيب – في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى لك عاجل الشفاء، وأن يصرف عنك هذه الوساوس وشرورها.

واضح – أيها الحبيب – أن الوساوس قد تسلَّطت عليك، وأنك استرسلت معها، ولكن التخلص منها سهلٌ يسيرٌ بإذن الله تعالى، إذا أخذت بالنصائح النبوية بجدٍّ واهتمامٍ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى كيفية التخلص من هذه الوساوس بقوله لمن ابتُلي بشيءٍ منها: ((فليستعذ بالله ولينتهِ))، وفي حديث آخر: ((وليقل آمنت بالله)).

فهذه ثلاثة وصايا:
الأولى: الأولى الاستعاذة بالله عندما تهجم عليك هذه الوساوس، فأكثرْ من الاستعاذة وقراءة المعوذتين {قل أعوذ برب الفلق}، و{قل أعوذ برب الناس}.

الوصية الثانية: الانصراف عن هذه الوساوس والاشتغال بغيرها، فلا تلقي لها بالاً، فكونك ترجع إليها لتفكّر فيها هل فيها إثمٌ أو ليس فيها إثمٌ، هذا التفكير في حدِّ ذاته سببٌ أكيد لتسلُّط هذه الوساوس عليك، هذه الوساوس حقيرة، مصدرها الشيطان، يُريدُ أن يُدخل الحزن إلى قلبك ويُفسد عليك حياتك، ويضرُّ بذلك دينك، فلا تُلقي له بالاً، ولا تهتمّ ولا تعتني بما يُلقيه إليك.

هذا هو العلاج الأمثل للتخلص منها، (ولينتهِ) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. فاصرف نفسك عن هذه الوساوس ولا تشتغل بأي شيءٍ منها أو بتفاريعها.

الوصية الثالثة: الإكثار من الذكر عمومًا، فداوم على ذكر الله وقراءة القرآن في كل أحوالك، فإن الذِّكر حصنٌ حصينٌ يتحصَّن به الإنسان من عدوّه الشيطان، كما دلَّ على ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

فهذه الوصايا تنفعك بإذن الله تعالى للتخلص من هذه الوساوس.

أمَّا الحلف تحت تأثير هذه الوساوس بأنك لا ترجع إليها ثم ترجع إليها؛ فهذا اليمين ليست له كفّارة، ولا يجب عليك أن تفعل شيئًا من أجله، لأن الموسوس مثل المُكْرَه، هكذا يقول الفقهاء، والمُكْرَه مرفوعٌ عنه المُؤاخذة في حقوق الله تعالى، ما دام فعلاً شيئًا تحت الإكراه.

وبهذا تعلم أنه ليس عليك كفّارة، فلا تَعُد إلى التفكير في هذه الوساوس وما ينتجُ عنها، وخذ بنصائح الأطباء المختصين وما يُوجُّهونك إليه من الدواء والأساليب التي تدفع بها عن نفسك هذه الحالة، وثق بالله تعالى، وأكثر من دعائه، واستمسك به، ستجد نفسك قد تخلصت منها بإذنه سبحانه وتعالى.

نسأل الله تعالى أن يُقدّر لك الخير، وأن يصرف عنك كل شرٍّ ومكروهٍ.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً