الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني بشدة من تعامل والديّ معي، فما العمل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تلقيت علاجاً نفسياً قبل سنتين بسبب المشاكل بيني وبين أهلي، وأحتاج حلاً بشدة، أعاني من استغلال أبي وأمي المادي لي، حيث أن أبي أصبح بخيلاً، ومنذ أن بلغت ال 20 سنة وأنا أعمل في وظائف جزئية، وأدير أمور المنزل المادية.

أقوم بالصرف على احتياجات المنزل والفواتير وغيرها، وفي الآونة الأخيرة أصبح أبي لا ينفق على إخوتي، وأمي تطلب مني أنا القيام بالإنفاق عليهم، وعندما أمتنع من إعطائهما المال ينادياني بالألقاب، ويغضبان ولا يتحدثان معي لأيام.

يخبرانني دائماً (أنت ومالك لأبيك)، وقبل سنتين رغبت بإكمال الدراسات العليا وطلبت منهما مساعدتي، ولكن رفضا بحجة عدم توفر المال عند أبي، فقمت بجمع المال بنفسي وعندما اكتشفا طالباني بمالي، والآن يريدان أن أعطيهما راتبي بالإضافة إلى المال المجموع! حيث لا يبقى لي إلا مقدار أقل من 300 ريالاً من أجل مصروف شهري لي.

أشعر بالظلم والقهر، ولا يمكنني شراء ما أرغب به، ويجب أن أراعي دائماً أمورهم، ويجب علي دائماً أن ألبي رغبات والدتي وأخواتي قبل نفسي.

يؤلمني بشدة رؤية أبي يشتري الملابس الباهظة له، ويرسل المال لأقربائنا، وأنا لا يمكنني شراء ما أحتاجه، حيث يجب علي أن أجمع المال وأبحث عن الأرخص.

تعبت من الاستغلال والحجج السخيفة، أرغب بالتوقف والارتياح من القلق وكثرة التفكير، والأرق يدمرني، ونوبات الهلع زادت في الفترة الأخيرة، لقد مللت وأفكر كثيراً بإنهاء حياتي، وأخشى أن أؤذي نفسي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ دانيا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك -أختنا الكريمة- ورداً على استشارتك أقول:

إن الله سبحانه وتعالى قد جعل لكل شيء قدراً، ومن صفاته سبحانه أنه يحب العدل ويكره الظلم، وقوله عليه الصلاة والسلام: (أنت ومالك لأبيك) لا يعني أن يؤخذ كل المال، خاصة إن كان الأبوان يعبثان في المال ويتنعمان به ويعطيانه للغير، ثم إن الذي يكسب المال لا يجد ما يرفه به عن نفسه.

الوالد إن كان له مال فيعطى من باب المواساة، ولا يلزم أن يعطى كل ما يملك الولد.

النفس مقدمة على الآخرين، فقد جَاءَ رجلٌ إلى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله عِنْدِي دينَارٌ؟ قَالَ: "أَنْفِقْه عَلى نَفْسِكَ" قَالَ: عِنْدي آخَرُ؟ قالَ: "أَنْفِقْهُ عَلى وَلَدِك" قَالَ: عِنْدي آخَرُ؟ قَالَ: "أَنْفِقْهُ عَلى أَهْلِكَ" قالَ: عِنْدي آخَرٌ؟ قالَ: "أَنْفِقْهُ عَلى خَادِمِكَ" قَالَ: عِنْدي آخَرُ؟ قالَ: "أَنْتَ أَعْلَمُ".

أنت أنثى، وليس واجباً عليك شرعا أن تعملي، بل يجب على والدك أن ينفق عليك، وهكذا يجب العمل على إخوانك الذكور، وليس من العدل أن تكلفي بالعمل ومن ثم يؤخذ كل مالك، بل الواجب إن كان الوالد بحاجة للمال فليأخذ ثلثه، والباقي لك من أجل أن تكملي دراستك، وتلبي احتياجاتك وطلباتك.

إن رأيت غضبا من والديك فأعطيهما النصف، والباقي ضعيه في حسابك في المصرف، وليس لهما الحق بالغضب، خاصة إن كان والدك عنده دخل أو كان عنده القدرة على العمل، ولكنه استمرأ الراحة فترك العمل اتكالاً على راتبك.

لا بد من التحدث مع والديك، بحيث تخبرينهم أنك ستعطينهم ثلث الراتب، فإن رفضا فالنصف، فإن رفضا أو غضبا فقولي لهما إذن سأترك العمل، لست ملزمة بالعمل شرعاً، وأريد أن يكون هنالك عدل وإنصاف.

ما عندك من مال في رصيدك فلا تخرجيه واجعليه من أجل تكميل دراستك، وابدئي بالاتفاق معهما من الآن فصاعدا.

عليك أن تحتسبي الأجر عند الله، وأن تتذكري ما قام به والداك من تربيتك والإحسان إليك في الصغر، فمهما فعلت لهما فلن تقومي بحقهما.

توددي إليهما واقتربي منهما أكثر، ولا تجعلي هذا الأمر يؤثر على علاقتك بهما، واعلمي أن الكلمة الطيبة صدقة.

احذري أن يفسد الشيطان بينك وبين والديك بسبب المسائل المالية فالمال زائل، ولكن بالاتفاق معهما ستتحسن العلاقة إن شاء الله تعالى.

تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت في حال سجود لله، وسلي الله تعالى أن يلهمهما الرشد، وأن يؤلف بين القلوب، وأن يوفقهما لتفهم حالتك، وأن يكونا عادلين منصفين.

أكثري من دعاء ذي النون: (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَاْنَكَ إِنِّيْ كُنْتُ مِنَ الْظَّاْلِمِيْنَ)، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).

الزمي الاستغفار وأكثري من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب، ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

نسعد بتواصلك ونسأل الله لك التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً