الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تقدم لي شاب للزواج لكني ما زلت متعلقة بالأول!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

وقعت بمهلكة، أسأل الله أن يغفر ذنبي، ويتوب عليّ من ذلك، تعلقت بشاب، واتفقنا على عدم الحديث حتى يكتب الله له أن يتقدم لي، ولكن لا بد من دخول الشيطان، وحاولت أن أنهي الأمر، ولكن يزداد الأمر تعقيدا، واستخرت الله في أمري، وسألته أن يصرف عني شر هذا الأمر، ولكن تعلقي بهذا الشاب يزداد يوما تلو آخر على الرغم من معرفتي بأنه لن يستطيع التقدم إلا بعد سنين، فحاولت نسيان الأمر، ولم أستطع وتبت إلى الله من أمره، ولكن بين حين وآخر أعود لذكره كأني ما فعلت.

وتقدم لي شاب آخر نحسبه والله حسيبه، فرأيت أنه من باب إعفاف نفسي أن أقبل، ولكن ما زال أمر الأول يراودني بين حين وآخر، وأخشى إن وافقت على هذا الزواج أن يتخذ الشيطان أمر الأول مدخلا فيعيد ذكره في قلبي، ويفسد علي ديني ودنياي.

أشيروا علي بحل، وأدعوا لي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منّة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول:

فما تعانين منه هو من آثار المعصية والمخالفة التي وقعت فيها؛ لأن بناء علاقة مع رجل خارج إطار الزوجية يعد من المخالفات الشرعية التي يغري الشيطان الإنسان بها ويغره ويحسن له تلك المخالفات، فالتعلق يعد من العقوبات التي يعاقب الله بها من خالف أمره والله المستعان.

تعلقك بشاب لا تدرين هل هو من نصيبك أم لا، أمر غير مقبول شرعا ولا عقلا؛ لأن الزواج مربوط بما قضاه الله وقدره الله للعبد ولا يتخلف عن قدر الله تعالى، فالعاقل لا يربط نفسه بأمر غيبي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى: قد تكون هنالك عقبات تحول دون أن يتقدم لك منها حالته المادية كما ذكرت ومنها موافقة أسرته وموافقة أهلك؛ فليس من العقل أن تربطي مستقبلك بالمجهول.

يجب عليك ألا تعودي لأي علاقة بهذا الشاب، وأن تراجعي توبتك بين الحين والآخر، وأما الذكرى والتذكر فقد تستمر معك، ولكن عليك أن تتذكري أن هذا الشاب ليس هو المناسب لك؛ لأنه سمح لنفسه أن تبني علاقة معك لفترة والله أعلم ما كان قصده، ولعله الآن قد أوقع في شباكه فتاة أخرى؛ لأن من عود نفسه على ذلك، فلن يستطيع الصبر، وأكثر هؤلاء الذين يفعلون مثل هذا الفعل يستمرون بهذه الطريقة حتى بعد الزواج، ولعله غرك بكلماته العاطفية المزيفة، وسحرك بها، وقد يكون في الواقع ليس كذلك، فإن حصل أن تزوج انقلب رأسا على عقب ونسي ما كان يتفوه به بالحرام.

هذه الممارسة من هذا الشاب تنبئ عن ضعف إيمانه هذا إن كان يصلي، وأما إن كان لا يصلي، فهذه أم المصائب لأنك لو سألته أترضى أن يفعل هكذا مع أختك لما قال نعم، فكيف رضي هذا مع بنات الناس؟!

عليك أن تحرصي على توفر الصفات التي ينبغي أن تتوفر في شريك الحياة، وأهمها ما أرشدنا إليها نبينا عليه الصلاة والسلام بقوله: (إِذَا جَاْءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِيْنَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوْهَ إِلَّا تَفْعَلُوْا تَكُنْ فِتْنَةٌ فَيْ الأَرْضِ وَفَسَاْدٌ كَبِيْرُّ) فالدين والخلق صفتان متلازمتان، لا تنفكان أبدا، وهما صمام أمان للحياة الزوجية السعيدة، وصاحب الدين والخلق إن أحب زوجته أكرمها وإن كرهها سرحها بإحسان.

لا تتعجلي بالموافقة على كل من يتقدم إليك، ولا تعلني الموافقة إلا بعد أن تتأكدي ويتأكد ولي أمرك بأن الصفات متوفرة فيه، وقبل الموافقة صلي صلاة الاستخارة، وادعي بالدعاء المأثور فمن وكل أمره لله ليختار له ما يشاء، فلن يخيب الله ظنه لأن اختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه.

لا تربطي نفسك بالمجهول، ولا تعلقي قلبك بشخص معين، وإذا تزوجت بصاحب الدين والخلق الذي يحترمك ويراعي مشاعرك؛ فسوف تنسين ذلك الشاب الذي ربما لعب بمشاعرك.

من علامات اختيار الله للعبد أن تسير الأمور بيسر وسهولة، ولا تتعقد الأمور، ومن علامات صرفه ذلك الأمر عن عبده أن تتعقد الأمور وتنسد الأبواب.

أوصيك أختنا الكريمة بأن تجتهدي في تقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح؛ فذلك سيجلب لك الحياة الطيبة كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

الزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

أشغلي فراغك بالطاعات كنوافل الصلاة وتلاوة القرآن الكريم واستماعه ونوافل الصوم، وعلقي قلبك بالله تعالى الذي بيده مقاليد الأمور؛ فذلك أفضل من أن تنشغلي بالتفكير بتلك العلاقة المشؤومة.

تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة، وتحيني أوقات الإجابة، وسلي الله تعالى أن يصرف عن قلبك هذا التعلق، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي يسعدك في هذه الحياة.

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لك التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً