الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ترك العمل الدعوي بحجة أنه ليس خالصاً لله

السؤال

السلام عليكم
أنا شاب ولله الحمد والمنة محافظ على الصلوات الخمس مع الجماعة ولي بعض النشاطات الدعوية وأعمل في منظمة دعوية، ولكن المشكلة في كثير من الأحيان تحدثني نفسي أن أترك العمل لأن نيتي ليست خالصة لله، وإنما أعمل لأجل الدنيا، وبيئة العمل عندنا ممتازة، أشيروا علي مشكورين مأجورين.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله العظيم أن يرزقنا جميعاً الإخلاص في أقوالنا وأفعالنا وأحوالنا، وأن يلهمنا رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا.

فإن السعيد في الناس هو الذي يجد بيئة ممتازة للعمل في هذا الزمان، ولا شك أن البيئة الطاهرة تعين على الصلاة والصلاح، والعمل الدعوي هو أشرف الأعمال، قال تعالى: ((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ))[فصلت:33] ومهما كان نوع العمل الذي تقوم به فإن فيه خدمة للدين، وإذا صدقت فسوف تنال الأجر مرتين، ولذا فنحن ننصحك بالمحافظة على هذا العمل، والاجتهاد في إتقان ما يُطلب منك، وأسأل الله أن يرزقك الإخلاص، وأن يزهدك في مدح الناس.

وأرجو أن تعلم أن للشيطان مداخل عجيبة إلى نفس الإنسان، وهذا العدو ينوع الأساليب ويغير الخطط حتى يوقع الإنسان في التقصير أو التنطع وكلاهما مهلكة، وقد يأمر الشيطان بالخير والصدق وإنه لكذوب، ولكنه يستدرج الإنسان ويأخذه خطوة خطوة حتى يخرجه عن جادة الحق والصواب، وربما منعك من الخير بحجة أنك لست مخلصاً، ومن هنا قال الفضيل بن عياض رحمة الله عليه: (العمل من أجل الناس رياء، وترك العمل من أجل الناس شرك، والخلاص أن يعافيك الله منهما) فلا تستجب لمثل هذه الوساوس، واجتهد في الحصول على الإخلاص، واعلم أنك تؤجر على مجاهدتك في هذا الميدان من أجل تحقيق الإخلاص، وتؤجر على ما أخلصت فيه.

وقد اجتهد رجالٌ من السلف سنوات حتى وصلوا درجة الإخلاص، وإذا أخلص الإنسان فإنه يكفيه القليل من العمل.

وليس العلاج في ترك العمل، لكن العلاج في الاجتهاد والمحاسبة للنفس، والمراجعة الدائمة، مع شيء من المراقبة لله، وحتى إذا أخلصت فلن يتركك الشيطان، فالمعركة مستمرة، لكن المسلم يستعين بالله ويتوكل عليه، وكفى بالله حسبياً ووكيلاً .

ومما يعينك على الإخلاص ما يلي:

1- كثرة اللجوء إلى مصرف القلوب وعلام الغيوب.

2- متابعة النية لتكون لله، والاهتمام بالعمل ليكون على السنة، وطرد المنغصات، وقد كان السلف يبدؤون مجالسهم وتآليفهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات ....) ليذكروا أنفسهم، وينبهوا الغافلين، ويصححوا نية المرائين.

3- الحرص على قيام الليل وصيام التطوع وصدقه السر، وعمل بعض الطاعات سراً.

4- الإكثار من قراءة سير السلف والتأسي بهم، فقد كان فيهم من يصوم تطوعاً ولا يعرفه حتى أهله، وكان فيهم من ينفق على الفقراء في ظلمه الليل حتى لا يُعرف.

5- الزهد في الدنيا، والزهد في حب الثناء والمدح، واليأس مما في أيدي الناس.

6- معرفة ثمرات الإخلاص وإدراك سوء عاقبة أهل الرياء.

ونحن نشكرك على هذا السؤال الذي يدل على أن لك نفساً لوامة، وإلى الفضائل تواقة، فاحرص على تنمية عناصر الخير، وتعوذ بالله من الشيطان، واجتهد في عناد هذا العدو، وإذا قال لك الشيطان أنت من أهل الرياء فاستغفر رب الأرض والسماء، وعندها سوف يحزن هذا العدو، وإذا قال لك: أنت تُطيل الصلاة ليُقال عنك خاشع فزدها طولاً، واعلم أن هذا العدو يبكي لسجودنا ويندم لاستغفارنا .

والله ولي التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً