الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عمل الشباب واجتهادهم.. بين الاغتراب والعمل في أرض الآباء والأجداد

السؤال

في السنوات الأخيرة زادت تطلعات الشباب وسعيهم إلى الهجرة والاغتراب وخصوصاً إلى أمريكا، وعندما تحدث أحدهم وتحاول إقناعه أن هذا البلد بلد ضياع وفساد؛ يرد عليك بكل قناعة أنه مغترب في وطنه، فلا عمل ولا نظام ولا قانون، ونفس الشيء عندما تتحدث مع مغتربين في أمريكا، وتقول لهم إن الاستقرار في بلادنا أفضل، يردون عليك بكل قناعة وبنوع من السخرية: ماذا سنعمل إذا ذهبنا إلى بلادنا؟ من أين سنأكل ونعيش؟ فهل كلام الطرفين صحيح؟ أم أنه ضعف الإيمان فينا بأن الله سبحانه وتعالى هو الرزاق الكريم أينما كان الإنسان؟ كيف نرد عليهم ونقنعهم؟ خصوصاً أنهم يتكلمون في أمور صحيحة عن حالة معظم دولنا العربية وما وصلت إليه، وهل الآيات القرآنية التي تتحدث عن السعي في الأرض، وبأن أرض الله واسعة القصد منها الهجرة والاغتراب؟

أرجو الرد على هذه الأمور المهمة، ولكم خالص الشكر والتقدير.

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ العزيز/ جابر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فنسأل الله أن يقدر لك الخير ويسدد خطاك ويلهمنا جميعاً رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا!

إن أبلغ رد على هؤلاء هو وجود أعداد كبيرة من الغربيين الذين يعملون في بلادنا ويتمتعون بالحرية ويؤدون أعمالهم على أكمل الوجوه، ولو عمل أولئك الشباب في بلادهم كما يعملون في البلاد الأخرى؛ لامتلأت جيوبهم ولتقدمت أوطانهم ولما احتاجوا للهجرة، لكن كثيراً من الشباب – بكل أسف – يريد أن يكرم في بلده ولكن من دون أن يعمل، وأن يعيش أحسن معيشة دون أن يجتهد ويتعب.

وحق للإنسان أن يتأسف على تلك المجموعات الكبيرة من المهاجرين الذين تعلموا في ديار الإسلام ثم خرجوا ليكون نتاجهم في بلاد لم تتعب في تعليمهم ولم تجتهد في تأهيلهم، وليتهم بعد ذلك سكتوا فلم يقلوا اللوم على بلادهم وزمانهم، ويصدق على أمثال هؤلاء ما قاله الشاعر الحكيم:

نعيب زماننا والعيب فينا *** وما لزماننا عيب سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير ذنب *** ولو نطق الزمان لنا هجانا

وما ينبغي للمسلم أن يهاجر إلى مواطن الفساد والفحشاء وبلاد الكفر؛ إلا إذا كانت هناك ضرورة ملحة لم يجد ما يسدها في ديار المسلمين، وكان للمسافر دين يردعه ويمنعه من الشهوات وعلم يصد به الشبهات، وأن يتمكن من إظهار دينه، وأن تكون معه زوجة تعفه ويعفها؛ وأن لا يطيل المكث بين أظهر المشركين، ولا يخفى عليك أن الذين مكثوا هناك دهوراً وأزمنة طويلة فقدوا أولادهم فخرج الأبناء والأحفاد على دين القوم، وتجرع أولئك كأسات الندامة لأنهم جمعوا الأموال وخسروا الأولاد.

ولا يخفى على كل عاقل أن هناك الملايين في ديار المسلمون لم يموتوا من الجوع؛ وهم يضحكون ويبتهجون لا يخافون على أنفسهم ولا على أموالهم ولا على أولادهم، وليس الرزق في بلد دون بلد لكن المسلم مطالب بالسعي والبحث عن العمل ليأتي بالسبب فقط، ولكنه قد يعمل ولا يجد الرزق لأن الأرزاق بيد الله، وقد كتبها ونحن في بطون أمهاتنا وأمرنا بالسعي وفعل الأسباب ثم التوكل على الوهاب، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصاً وتروح بطاناً) فقد تحركت بأمر الله وأكلت من رزق الله.

ونحن ننصح شبابنا بسرعة العودة إلى ديارهم قبل أن يخسروا دينهم وقيمهم، وما ينبغي أن يمكث هناك إلا من ينتظر منه أن يبلغ رسالة الإسلام ويخرج الناس – بإذن الله – من الظلام.

ولاشك أن الإنسان يسعى لطلب الرزق وقد يتجاوز بلاده إلى غيرها وينتفع من أسفاره كثيراً ولكنه في طلبه للرزق لا ينسى وظيفته الأساسية التي خلق لأجلها وهي عبادة الله قال تعالى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ))[الذاريات:56] فإذا تعارض طلب الرزق مع المهمة الأصلية ترك ذلك المكان وتحول إلى مكان آخر يتمكن فيه مع طلب الرزق من العبادة.

والمسلم يهاجر إلى المكان الذي يتمكن فيه من عبادة الله كما يريد، وحتى أهل البلاد الغربية من المسلمين إذا لم يتمكنوا من إقامة شعائر الدين فإن الواجب عليهم أن يهاجروا ويتركوا الأوطان والأملاك فإن لم يفعلوا قيل لهم ((أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا))[النساء:97]، ومن هنا يتضح لنا أن صلاح الدين مقدم على كل شيء، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن روح القدس نفخ في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، فخذوا ما حل ودعوا ما حرم عليكم).

وإذا وجد الإنسان رزقاً وكانت البيئة طاهرة والرفقة صالحة فالصواب أن يلزم ذلك المكان ويجتهد في طاعة الملك الديان، وقد سعد الناس في دولة الإسلام الواسعة وتنقلوا في الأرض دون حواجز وموانع، فهذا أحد العلماء في الدولة العثمانية يقول: ولدت في العراق ودرست العلوم الشرعية في استانبول وتخرجت قاضياً فقيل لي: هناك وظيفتان وظيفة في صنعاء والأخرى في المغرب العربي، فاختر لنفسك ما تريد.

ويؤسفنا أن تتحول الحدود الجغرافية إلى موانع حقيقية تمنع التواصل بين الناس وأحسن من قال:

مشيناها خطى كتبت علينا ** ومن كتبت عليه خطى مشاها
وأرزاق لنا متفرقات *** فمن لم تأته منا أتاها
ومن كانت منيته بأرض ** فليس يموت في أرض سواها

والله تبارك وتعالى يقول: ((هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ))[الملك:15]، ((فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))[الجمعة:10].

والله ولي التوفيق والسداد!

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً