الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نصيحة للفتاة المتعلقة بشاب تركها ومضى

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.‏

لقد تعرفت على شاب في الثانوية العامة، كما أنه جارٌ لي (ليس منذ زمن بعيد -4سنوات) كنا نتبادل ‏دائماً نظرات الاهتمام والاحترام، وعندما نلتقي في الشارع صدفة نتبادل أطراف الحديث لبضع دقائق، ‏ويكون الحوار عادياً جداً كأيّ زميلين كانا يدرسان مع بعضهما، ولكن أنا بداخلي أكن له كل مشاعر ‏الود والاحترام، كما أتمناه من كل قلبي أن يكون زوجاً لي.‏

كذلك بالنسبة له، فهو ينظر إلي باحترامٍ ورحمة، ولا أخفيكم أنه ينظر إلى كل جسمي ويدقق في كل ‏التفاصيل (أنا محجبة ولباسي محتشم) مع أنه محترمٌ جداً، ولا ينظر إلى الأخريات بنفس الطريقة.‏

في بداية السنة الجامعية هذه والتي تُعتبر السنة الأخيرة بالنسبة لي التقيت به وتحاورنا كالعادة، ثم أعطاني ‏رقم هاتفه، وقال لي: إذا أردت أن تتصلي بي.‏

بعدها اتصلت به خمس مرات، وكنا نتكلم بكل احترام، وكل شيءٍ عادي، بعدها اتصلت به ولم يكن ‏هاتفه معه، فبقيت أتصل وأتصل دون توقف لأني ظننت بأن الهاتف معه وهو لا يريد أن يكلمني، لأني ‏دائماً أعتقد بأني لا أستحق أن يهتم بي أحد أو يحبني أحد؛ لأني ومنذ طفولتي لا أحد يهتم بي ويشعرني ‏بالحب والحنان والعطف حتى والدي، المهم كنت أتصل وأنا أبكي فبقي هاتفه يرن لمدة ساعة من الزمن ‏دون توقف، حتى ناداه أهله وقالوا له بأن هاتفه لا يتوقف عن الرنين، فجاء مسرعاً وظن أن هناك كارثة ‏وقعت، وعندما رد قلت له بأني أتصل به منذ ساعة، ورد علي بسعة صدر وقال لي: لو كان معي لرددت ‏ثم سألني عن سبب هذا الاتصال وهو يقصد سبب إصراري عليه، أكيد أن هناك أمر! ولكني مع الحالة ‏التي كنت فيها فهمت بأنه لا يريدني وأنني فعلاً لا أستحق أن يهتم بي أحد، فقلت له أتريد ألا أكلمك ‏أبداً، قال لي: لم أقصد ذلك.‏

في اليوم التالي تحسنت حالتي واتصلت به واعتذرت، بعدها بأيام اتصلت به، ولكنه لم يرد، وبقيت أتصل ‏عدة مرات حتى أغلق الهاتف وأبقاه مغلقاً لفترة 20 يوماً، ثم شغله، اتصلت به عدة مرات ولكنه لم يرد، ‏وبعدها وفي يوم من الأيام رد عليّ أخيراً، وقال لي: اسمعي، فأنا أريد أن نضع النقاط على الحروف، قال ‏لي: أخبريني لماذا تتصلين بي؟ قلت له: لم أفهم ماذا تقصد. قال لي: أتتصلين بي لمجرد الصداقة أم أنك ‏تتوقعين مني شيئاً آخر غير الصداقة؟ قلت له: ليس لمجرد الصداقة، قال لي: أنا بحياتي لم أفكر فيك على ‏أساسٍ غير الصداقة، وقال لي: إنه يتعامل مع جميع الناس كما يتعامل معي، وأنه يعتبرني كأفضل صديق ‏لأني أفهمه، وقال لي إذا أردت أن أكلمه على أساس الصداقة فليس لديه مانع، أما شيء آخر فلا، قلت له ‏بأنني لن أكلمه أبداً.‏

في اليوم التالي كنت عائدةً من الدراسة، والتقيت به ونظرت إليه بحزنٍ شديد وابتسمت معه، فرد ‏الابتسامة وكانت بالرحمة والشفقة ولم أتكلم معه، بعدها التقيته أربع مرات على التوالي وكان ينظر إليّ ‏ويريد أن يكلمني ولكني رفضت، بعدها وبعد مرور شهر اتصلت به وقلت له: أصحيح ما قلته لي تلك ‏المرة؟ قال لي: أنا أردت فقط أن أوضح الأمور، وقال لي: أنا بحياتي لم أعدك بشيء ولم أقل لك شيئاً ‏خاصاً، قلت له: انتهى إذن، قال لي: لم يبدأ أيّ شيء حتى ينتهي، قلت له بالنسبة لي، قال لي بالنسبة لك ‏أو لي أو أيّ شخصٍ آخر، ليس هناك أيّ شيء. قلت إذن انتهى، قال لي: اسمعي، أنا أحترمك كثيراً، ثم ‏قال لي بأن عائلتي رائعة، ثم قال لي: أفهمتِ؟ قلت نعم.‏

أنا لم أتأكد مما قاله لي ولم أفهم جيداً، اتصلت به مرةً أخرى وقال لي بقسوة: أتظنين أنه من الصواب أن ‏تكلميني، انسي تماماً بأنك تعرفينني، ثم قال لي أنها ليست غلطتك بل غلطتي أنا، ثم قال لي أنت تفهمين ما ‏أفهم وأنا أفهم ما تفهمين، أتمنى لك حظاً سعيداً في حياتك.‏

آسف على الإطالة وعلى القصة المملة، كما أنني أعرف بأنكم ستقولون لي بأنه لا يجوز للفتاة أن تكلم ‏شاباً أجنبياً، إضافة إلى أنكم ستقولون بأنه لا يجب أن تركض البنت خلف الشاب، ولكن هو دائماً ‏يتوخى الحذر ولديه كرامة فوق الحدود، وهو دائماً يتخذ احتياطاته عندما يكلمني في حال إن كنت ‏ألعب بعواطفه من خلال نظراتي إليه من حين إلى آخر.‏

أتمنى أن تفسروا لي ما الذي حدث في هذه القصة، وتعطوني نظرتكم لها؟ كما أتمنى أن تفسروا لي كلامه، ‏أنا أعلم بأنها كلها غلطتي وأن كل الحق معه هو، كذلك عندما سألتقي به في المرة المقبلة، فعلي أي أساس أتعامل معه؟ ‏

وتقبلوا خالص احترامي.‏

وشكراً.‏

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هبة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله أن يحفظك، وأن يلهمك الرشاد، وأن ينفع بك بلاده والعباد.

فإن شريعتنا العظيمة أمرت بغض البصر وجعلت ذلك قرآناً يتلى، فقال سبحانه: ((قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ...))[النور:30]، وقال مخاطباً المؤمنات: ((وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ...))[النور:31]، وإذا أطلق الإنسان بصره أتعبته المناظر، وجلبت له المآسي وبقيت آثارها كالخناجر، وجعله يقضي ليله وهو ساهر، وقد أحسن من قال:

فإنك متى ما أرسلت طرفك رائداً *** لقلبك أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه *** ولا عن بعضه أنت صابر

والإنسان لا يجد راحة البال وهدوء النفس إلا في التمسك بأحكام الشريعة التي تجعل النظرة الأولى للإنسان والثانية عليه، وتسامح على نظرة الفجأة شريطة أن يصرف الإنسان بصره بعدها، أما نظرة الإعجاب وتكرار النظر فذلك مما لا تقبله هذه الشريعة سواء أكان ذلك من الرجال أو من النساء، فلا تنظري إليه بحزن ولا بفرح وحاولي نسيان ما حصل، وإذا كان فيه خير ورغبة فعليه أن يطرق الباب، ولا تضيعي وقتك مع هذا الشاب وانصرفي لطاعة الكريم الوهاب، وتمسكي بالسنة والكتاب، واعلمي أنه لا خير في مودة من لا يبادلك المشاعر ولا فائدة في ودٍ يجيء تكلفاً.

ولا شك أن نظرته إليك بهذه الصورة وتوسعه معك في الكلام مما يخالف أدب الإسلام وليس من الضروري أن يدل ذلك على أنه يريدك زوجة له؛ لأن الرجل قد يكون حدد وجهته، أو لا يستطيع أن يخالف أسرته الذين ربما حددوا له زوجة المستقبل، وقد تكون عنده موانع أخرى.

ونحن في كل الأحوال لا نؤيد الإصرار على الاتصال؛ لأن هذا يدعو للملل ويزعج الأهل وقد يحرج الرجل، ويبدو أن كل ذلك قد حصل.
ولا شك أن المصلحة في الابتعاد عن هذا الشاب، والبعد أفضل من القرب، وسوف يأتيك ما قدره لك الله، فاشغلي نفسك بطاعة الله، واعلم أن الرجال كثير.

وتعاملي معه إذا حصل لقاء عفوي في طريق أو في غيره كتعامل مع أيّ رجل أجنبي عنك، ولا تزيدي في الاهتمام به؛ لأنه في واد وأنت في واد آخر، واجتهدي في تفادي مقابلته والنظر إليه.

ولا شك أن الخطأ مشترك حيث كان ينبغي عليه أن يبتعد عنك أو يجعل تلك العلاقة رسمية وشرعية، وقد أخطأ في وضع رقم هاتفه في يديك وأخطأت بإصرارك على الاتصال.

ونحن نوصيك بأن تكثري من الاستغفار، والأوبة إلى الغفار، وتشغلي نفسك بالقرآن والأذكار، وتنصرفي إلى الجد والإدكار، واعلمي أن الإنسان إذا أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله له ما بينه وبين الناس، وأنه سبحانه يدافع عن الذين آمنوا ويؤيد المتقين ويحب المحسنين وهو سبحانه: ((مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ))[النحل:128].

والله ولي التوفيق والسداد!

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً