الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وسواس الموت أوقف حياتي فساعدوني.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

أنا فتاة في مقتبل العمر، وقبل عامين أصبت بوسواس أني سأموت أنا أو أحد أفراد عائلتي هذا العام، وبقيت أبكي كل يوم على نفسي، وأني لم أفعل شيئا لآخرتي، وأصبحت أتصرف على أني سأموت، فمثلا عندما أكون في البيت أنظر إلى ركن منه وأبتسم معه، أو أقصد في كلامي بأني سأموت، وهذا جعل الوسواس يزداد، حتى أني كنت أجلس ساعات في حجرتي منسدحة دون أن أتكلم مع أحد، وأبكي من دون سبب، وكنت أيضا عندما نزور جدتي أبكي عليها، استمرت هذه الوساوس تخف شهرا، وتعود أشهر.

توفيت جدتي -رحمها الله- فتطورت حالتي وأصبحت دائما أشك بأني سأموت في أي لحظة، عندما أخرج من المنزل أودع أمي وأقبلها خوفا من الموت في الطريق إلى المدرسة، هذا ما جعلني كلما حاولت الدراسة تذكرت جدتي وبكيت، وكلما بدأت بحفظ القرآن توقفت اليوم الذي بعده، وكذلك بالنسبة للعلم الشرعي، وأصبح ذهني مشتتا جدا.

هذا العام أصبحت أقلق كثيرا مما يحدث في هذا العالم، ومن ظهور علامات الساعة، مثل سرعة الأيام، وكثرة الانحلال في الشوارع، فصرت لا أحب الخروج من المنزل، واستمرت حالتي إلى يومنا دون أن يخف هذا الوسواس، بل يتطور يوما بعد يوم، ولا أستطيع أن أنقذ نفسي منه، وأصبحت لا أقرأ القرآن إلا في الصلاة.

أريد أن أتغير إلى الأفضل، وأتقرب إلى الله أكثر، لكني لا أفعل شيئا، ولا يمكنني أن أشتكي لأمي أو آخذ أدوية نفسية، لأني أخاف عليها من أن تتضرر بشيء، فما هو الحل؟

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ احسان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا سعداء بتواصلك مع الموقع، ونسأل الله أن يحفظك وأن يبارك فيك، وأن يقدر لنا ولك الخير.

أختنا الكريمة: قرأنا كلامك وتفهمنا ما يقلقك، ونريدك أن تقرئي ما سنكتبه بعناية، لأننا على يقين بأن هذا عارض، وستكونين بخير -إن شاء الله تعالى-.

أختنا: لقد وضع الشيطان وهما، ثم أخافك منه، ثم جعله الوهم حقيقة في نفسك، ثم حبسك فيه، ولو انتبهنا إلى ما وضعه من وهم ابتداء لما وصلنا إلى نهايته، إنه يخوفك بلقاء أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، وأجود من أعطى، وأحق من عُبد، وأنصر من ابتُغِي، وأرأف مَن مَلك، وأوسعُ من أعطى. وهل يخاف الحبيب لقاء حبيبه!

أختنا: لا يخوفك أحد بلقاء الله أبدا، فما خلقنا جميعا في الدنيا إلا لعبادته، وجميعنا إلى رحمته راحلون، وإلى جوده مقبلون، نعم هناك النعيم الذي لا حزن بعده، والصحبة التي لا غنى عنها، هناك محمد صلى الله عليه وسلم، والصحب الكرام.

لماذا قدمنا لك هذه المقدمة: قدمناها بغرض تصدير الخوف من قلبك إلى غيرك، فأنت المسلمة المؤمنة العالمة بأن دينك حق، والجنة حق، وما ينبغي لمن كانت في مثل حالك أن يخوفها أحد من لقاء ربها.

نعم، نخاف تقصيرنا، ونخاف قلة عملنا، ولكن هذا موضوع آخر يستدرك بالجهد والطاعة، وكثرة الذكر والإنابة، ولكن الشيطان أخذك في طريق آخر، طريق الخوف من لقاء الرحمن الرحيم وكأنه الظلام والدنيا هي النور، وكأنه الفزع والدنيا هي الأمان، وهذه مقدمة من الشيطان فاسدة، تحتاج منك ترديد ذلك في نفسك، وتذكيرها دوما بأن الفرحة العظمى للمؤمن يوم يلقى الله تعالى وهو على طاعة.

ثانيا: بعد أن وضع الشيطان مقدمته الفاسدة التي جعلتك تخافين، وتقلقين، بدأ الوسواس يتحرك في نفسك، وهذا أمر طبيعي، ولو عالجنا النقطة الأولى من البداية ما وصلنا للثانية، ولكن مع ذلك: الوساوس أمرها هين وعلاجها ميسور -بإذن الله-.

ثالثا: علاج الوسواس سيبدأ أولا من تجديد الإيمان في قلبك، والتزامك بالله وطاعتك له، فهذا أول العلاج، بل نصف العلاج، اعتقادك بأن الأمر هين وسيزول، وأنك بالله أقوى، أول ما ينبغي التأكيد القلبي عليه.

وهناك كلمة لشيخ الإسلام ابن تيمية اجعليها في قصاصة ورق أمامك، واقرئيها كل حين، يقول رحمه الله: والوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر أو غيره، فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة، ولا يضجر، فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان، إن كيد الشطان كان ضعيفا، وكلما أراد العبد توجها إلى الله تعالى بقلبه جاء من الوساوس أمور أخرى، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد أن يسير إلى الله تعالى أراد قطع الطريق عليه، ولهذا قيل لبعض السلف: إن اليهود والنصارى يقولون: لا نوسوس، فقال: صدقوا، وما يصنع الشيطان بالبيت الخرب.

رابعا: بعد أن ظننت في الله خيرا، فاعلمي أن الوسواس أمر نفسي وعلاجه كذلك نفسي، متى ما تفهمت طبيعة هذا الوسواس والذي لا ينشط إلا في بيئة التفكير السلبي فيه، فإذا أردت القضاء عليه فحولي كل أمر سلبي إلى إيجابي، فالوسواس سخيف، والإنسان يربطه في فكره بالسخف والتفاهة،هذه وحده كاف في دحره، رددي هذا في نفسك، قولي: هذا وسواس، كلام فاضي، كلام سخيف، الأمور كلها بيد الله وحده، هذا نوع من التغيير المعرفي المهم جدًّا، فحين يستخف شيئًا فسوف يحتقره، وحين يحتقره سوف يحدث ما يعرف بفك الارتباط الشرطي، أي أن الوسواس يُصبح وليس جزءًا من حالة الإنسان.

هذه التمارين هامة جدا ومفيدة كذلك لأنها تعمل على إقناع الذات بتفاهة الأمر، وهي -إن شاء الله- مؤثرة لكنها تحتاج للصبر والتكرار والجدية في تطبيقها، وأن يخصص الإنسان لها وقتًا معينًا.

خامسا: اعلمي أن الله ولي من والاه، وإيمانك بالله ويقينك فيه سيعينك على تجاوز المحنة، وسيعمل على تدمير هذا الشعور السلبي وخاصة حين تؤمنين بأن قضاء الله نافذ، وأن الله لا يقدر لعبده إلا الخير، والخلق جميعا لو اجتمعوا على إيذاء أحد لن يقدروا إلا إذا قدر الله ذلك، وتذكري دائما حديث عبد الله ابن عباس حين قال: " كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ:" يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأمة لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلاَمُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ" فلن يستطيع أحد إيذاءك أبدا، ولن يقدر أحد على أن يصيبك بمكروه، ثقي أن الله حافظ لك.

هذا أول ما ينبغي أن تجعليه في قلبك، وليكن شعارك قول الله تعالى: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) هنا تجدين الاطمئنان والبشر والسعادة والسرور وراحة البال ملازمة لك.

سادسا: اجتهدي أن تشغلي أوقاتك بالأعمال الإيجابية النافعة، وأن ترهقي تفكيرك دائما بما ينفعك أو ينفع أهلك أو أمتك، وأن تتعاوني مع بعض الأخوات على أي عمل دعوي إن تيسر ذلك، كل هذه الحركات الإيجابية تعمل على التقليل من هذا التفكير السلبي.

سابعا: أقبلي على ذكر الله حبا فيه، وعلى قراءة القرآن تعبدا لله، وعلى النوافل والطاعات حرصا عليها، مع الإيمان الكامل بالقضاء والقدر الملازم لحكمة الله تعالى، وأن الأمر بيده هو سبحانه لا غير.

وأخيرا ثقي في الله وتوكلي عليه واعلمي أن الله كافيك، المهم أن تبدئي من الآن طريق العبادة والطاعة، نسأل الله أن يحفظك ويرعاك.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً