الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل الذي أصابني هو عين أو حسد أو غير ذلك؟

السؤال

السلام عليكم.

ترددت قبل إرسال سؤالي، منذ نحو سبع سنوات بدأت تظهر عندي أعراض كثيرة، لم أكن أعلم أنها من علامات العين والحسد، وكنت من تلقاء نفسي اجتهد بأن أجد حلولاً إلى أن وصلت إلى نقطة الصفر.

منذ سنوات دراسية كنت من الطالبات المجتهدات، وأحصل دائماً على الدرجات العليا في كل شيء، وكان لدي شغف كبير للعلم، واستمررت هكذا إلى أن أنهيت مرحلتي المدرسية، وكنت أسمع دائماً المديح عن ذكائي وجمالي، ولكن سبحان الله إلى الآن لم أكن أعير ذلك أي اهتمام إطلاقاً.

بعد ذلك صرت أشعر بأنه يوجد حاجز شاهق الارتفاع بيني وبين العلم، أجبر نفسي على الدراسة بلا فائدة، خمس سنوات في الجامعة، ولم أنته بعد، وكان للحرب أثر على نفسي، ولكن مثلي الكثير استمروا في العلم والعمل، ومنذ لجأت إلى بلاد الأجانب وأنا على هذه الحالة.

الآن لدي ظروف ممتازة، تمكنني من الدراسة والاجتهاد، وكل شيء متوفر، ولكن لا أستطيع، وغير ذلك أشعر بضيق صدر رهيب، استثقل الصلاة والعبادة، وأحلم يومياً بكوابيس، وأحياناً يصيبني جاثوم النوم.

اليوم حلمت مناماً والله كأنه حقيقة، كنت أرى روحي تخرج من جسدي، وأرى جسدي بعيداً عنها. مع أني صليت العشاء، وذكرت ربي ثم نمت.

أشعر بثقل في كل تحركاتي، مررت بفترة ليس لدي حتى القوة على تسريح شعري، ذهبت إلى أطباء كثر، وكان يصيبني وجع بطن، عجز الأطباء عن فهم السبب، ولم يكن هناك شيء ملموس.

أشعر منذ سنوات بخمول رهيب، استثقل حتى تنفسي، مؤخراً صرت أكره نفسي، وأشعر بتقصيري تجاه أهلي.

تم عقد زواجي بشاب، وهو ذو خلق ودين، ولكن بعدها طلقني مرتين بلا سبب! وقال: والله كأن لم أكن أنا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بيان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

يؤسفنا ما أصابكم خلال السنوات الماضية، ولا ندري حقيقة كيف استنتجتم أنها عين أو حسد، لم لا يكون شيئاً آخر كالمرض النفسي، لا سيما أن بعض أعراض الاكتئاب تنطبق على بعض ما وصفتيه أنت في رسالتك.

صحيح أن الاكتئاب عرض لا مرض، وأن المرض قد يكون بسبب مشاكل مررت بها في حياتك، لا سيما أنك انتقلت من بلدك بسبب الحرب، كما قد يكون الاكتئاب له أسباب أخرى: كالعين والحسد فعلاً، وله نفس التأثير تقريباً.

الشاهد أنه لا يمكننا الحكم بواحد منهما بشكل دقيق، إلا بناء على تشخيص دقيق، من قبل الأخصائي النفسي، خاصة فيما يتعلق بالمرض النفسي.

أما فيما يتعلق بالعين والحسد: فهذا يحتاج إلى اتباع برنامج رقية وسماع سورة البقرة، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء بشكل متواصل، ولا حاجة للاستعانة براقٍ طالما كنتم تستطيعون القيام بهذه الأمور بأنفسكم.

على صعيد آخر ينبغي ألا تهملي جانب التشخيص والعلاج النفسي- إن كان ذلك متيسراً لكم- وتكونين بذلك قد جمعت بين العلاج الديني والعلاج النفسي.

أما بالنسبة لوجع البطن الذي عجز الأطباء عن فهمه: فهذا يشير إلى عدم وجود تشخيص فسيولوجي عضوي ظاهر لطبيب الباطنية، وفي مثل هذه الحالة يترجح جانب المرض النفسي، أو ما يعرف بالأعراض النفسوجسدية أو السيكوماتية، أي الأعراض التي تظهر في الجسم بسبب المؤثر النفسي لا العضوي.

أما بخصوص الكوابيس والأحلام المزعجة: فيكفيك ما جاء عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن، قال: كنتُ أرى الرُّؤيا أُعْرَى منها، غير أني لا أُزَمَّل، حتى لقيتُ أبا قتادة، فذكرتُ ذلك له، فقال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: (الرُّؤيا من الله، والحلم من الشَّيطان، فإذا حلم أحدُكم حلمًا يكرهه فلينفث عن يساره ثلاثًا، وليتعوَّذ بالله من شرِّها؛ فإنَّها لن تضرَّه) أخرجه البخاريُّ ومسلم.

أما بخصوص استثقال الصلاة: وإن كانت أحد أعراض ما أصابك من مرض، لكن لا بأس بالاستعانة بالدعاء، ومن ذلك ما جاء عن معاذ أن رسول الله ﷺ أخذ بيده، وقال: يا معاذ، والله إني لأحبك فقال: أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)، رواه أبو داود بإسناد صحيح.

أما ما حصل من الشخص الذي عقد عليك وطلقك مرتين: فلا نعلم الأسباب الحقيقية التي دعته إلى ذلك، ولكن مهما يكن من أمر فإن الزواج رزق من الأرزاق، وكل رزق سيأتي في موعده الذي قدره الله لصاحبه.

على كل نوصيك -أيضاً- بهذا الدعاء العظيم: عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه وأرضاه- قال: قال رسولُ الله ﷺ: ما أصاب أحدًا قطُّ همٌّ ولا حزنٌ فقال: (اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسمٍ هو لك، سميتَ به نفسَك، أو علَّمتَه أحدًا من خلقك، أو أنزلتَه في كتابك، أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك؛ أن تجعل القرآنَ ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همِّي؛ إلا أذهب اللهُ همَّه وحُزنَه، وأبدله مكانه فرحًا، قال: فقيل: يا رسول الله، ألا نتعلَّمها؟ فقال: بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلَّمها). أخرجه الإمام أحمد وغيره.

نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يهديك سواء السبيل.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً