الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وظيفتي لا تؤمن مستقبلاً جيدًا لي.. فهل أهاجر أم أرعى أمي؟

السؤال

السلام عليكم

أنا بعمر 31 سنة، أعزب، وأشتغل بوظيفة هزيلة، لا تضمن لي مستقبلاً آمنًا، حاليًا أنا مقبل على الهجرة لبلد أوروبي للعمل، وتحسين وضعي المادي، مشكلتي هي أنني شديد التعلق بوالدي، وخصوصًا أمي؛ لأني دائمًا بقربها، أرعاها وأخرج للتنزه معها، والترفيه عنها، وأقضي حاجاتها وأسافر رفقتها، أحاول دائمًا تعويضها؛ لأن والدي وإخوتي الأخ الأكبر والأصغر لا يقضون معها وقتًا كافيًا، بالرغم من عيشهم معنا في نفس المنزل.

أنا أخاف أن تعاني أمي من الوحدة في حال هاجرت للعمل، أخاف أن تحس أمي بالملل والضجر والوحدة في سفري، وبعدي، أعاني أيضا من وسواس فقد أمي؛ لأني لن أتحمل العيش بدونها إن توفاها الله يومًا.

تأتيني أفكار ووساوس عن موتها، وأتخيل المنزل من دونها، كيف سيكون مظلمًا وقاتمًا وموحشًا ومهجورًا؟ أنا أخاف فكرة موت أمي لدرجة الجنون ولا أتخيل حياتي بعدها، بل وأصبحت أشاهد مقاطع فيديو عن فقد الأم، أشاهد هذه المقاطع وأجهش بالبكاء، وأعيش دور شخص فقد أمه، حتى أنني زرت طبيبًا نفسانيًا من أجل التخفيف من هذه الأفكار، لكي أتمكن من المضي قدمًا في حياتي.

وضعنا المادي مستقر، وأبي متقاعد، ولديه معاش جيد يكفي لسد حاجيات المنزل والعيش الكريم، كذلك أخواي يشتغلان بمرتبات محترمة وهم أفضل حالًا مني، فأنا أخاف على أمي فقط من الجانب النفسي، وليس المادي والاقتصادي.

علمًا أنني أحاول جاهدًا نيل رضاها، وأشتري لها كل تحتاجه وأوفر لها كل ما تشتهي نفسها طمعًا في رضاها عني؛ لأنها هي دنيتي كلها.

أرجو منكم أن تنصحوني وترشدوني إلى ما يتوجب عليّ فعله في هذه الحالة، كي أعيش مرتاح الضمير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عصام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، إنه جواد كريم.

أخي: لقد أنعم الله عليك بوجود والدتك بجوارك، وأنعم عليك بأن اختصك من بين إخوانك ببرها والقيام بشأنها، وأنعم عليك بأن وضع في قلبك محبة خدمتها، وتلك والله نعمة كبيرة، بل هي أعظم النعم في الحياة بعد الإسلام.

أخي: دائمًا ما ننصح شبابنا بعدم الاغتراب بالسفر إلى الغرب، وقد زرنا تلك البلاد مرات عديدة في أزمنة متباعدة، ورأينا من مآسي الحياة وضياع التدين، وفقدان الهوية الشيء العجيب، وأكثر حديث من قابلناهم من أهل الصلاح هو ندمهم على مثل هذا التحرك وترك البلاد الإسلامية، نعم كل شاب له أمانٍ يريد تحقيقها، وله طموحات يريد إنجازها، لكن السؤال الذي يفرض نفسه: ما الثمن المدفوع في مقابل ذلك؟ وهل يستحق أم لا؟

إننا نرى أن الشاب الذي يعيش في بلده آمنًا مطمئنًا وراتبه بالكاد يكفيه، أولى له وأفضل أن يزيد من العمل، أو يبحث عن عمل مساعد، ولا يترك بلده الإسلامية، فإذا أضفنا إلى هذا وجود أم له على قيد الحياة، فإننا ننصحك -بلا تردد- أن تلتمس رضاها، وأن تحسن خدمتها، وألا تبتعد عنها ما أمكنك ذلك، فوالله ما من نعيم في الدنيا يعدل ساعة واحدة بجوارها، والتلذذ بخدمتها.

أخي الكريم: إننا ندعوك إلى التفكير بإيجابية، والتخطيط للبقاء مع دراسة كيفية زيادة الدخل عن طريق عمل إضافي، أو فتح مشروع ولو صغير، المهم أن تبحث عن البدائل وأنت بجوارها وفي بلدك الذي تقيم فيه شرع ربك.

أما الخوف على والدتك، فنريد منك أن تستبعد هذا الحديث من رأسك، وأن تعلم أنه من وساوس الشيطان يريد تحزينك، ونحن كمؤمينن نؤمن قطعًا بأن المحيي المميت هو الله تعالى، وأن المؤمن الحق هو من رضي بقضاء الله حيث كان، ولكن الشيطان يعمد إلى تحزين ابن آدم فيأتي إليه بما يخيفه ويقلقه، وينوع له في الوسائل حتى يضيق صدره، وما استماعك لمن فقدوا أمهاتهم إلا وسيلة من وسائله، فاطرح كل ذلك، واعلم أنها الآن معك، فأري الله من نفسك خيرًا في برها، واعلم أنك مُعان من قبل الله تعالى في حياتك.

نسأل الله أن يحفظ لك والدتك، وأن يبارك في عمرها، وأن يرزقك برها، إنه جواد كريم، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات