الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مكتئبة لأني لا أستطيع ترك المعصية، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة في عمر 16 سنة، محافظة على صلاتي في وقتها -بفضل الله-، وأحفظ القرآن، وأطلب العلم، ولكن مشكلتي أني كنت أسمع الأغاني، وكنت أتوب منها، ثم أرجع لها مرةً أخرى مع الأسف، أسمعها سراً؛ لأنه لا أحد يعلم أني أسمع الأغاني!

المشكلة الأكبر هي أني أصبحت أتابع فرقةً كوريةً من الذكور، وتعلقت بهم جداً، وأصبحت أفكر بهم طول الوقت، لدرجة أني أحلم بهم، وأحبهم كثيرًا لشخصياتهم ونجاحهم، وأستمع لأغانيهم، وأتابع أخبارهم طول الوقت، فأصبحت لا أستطيع أن أدرس أو أفعل أي شيء في حياتي، فقط أتابعهم طول الوقت، علماً بأني وحيدة جدًا، ولا يوجد لدي أي أصدقاء أو أي دعم عاطفي من أهلي، فأهرب إليهم ليشبعوا هذه الحاجة، مع علمي بأن كل هذا حرام، وأنهم كفار، ويجب علي أن أبغضهم، ولكن ماذا أفعل؟

أنا مكتئبة جداً، وعقلي يريد أن يتخلص من كل هذا، ولكن قلبي لا يستطيع، أنا مكتئبة لأني لا أستطيع فعل أي شيء بسببهم، وفي نفس الوقت لا أستطيع تركهم؛ فأنا أحبهم جداً، أفيدوني جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مجهول حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك –ابنتنا العزيزة– في استشارات إسلام ويب.

أولاً: نُهنئك بفضل الله تعالى عليك، وبما يسّره لك من أنواع الخيرات، من المحافظة على الصلوات، وتيسير حفظ القرآن الكريم، وترغيبُك في طلب العلم، وتحبيبه إليك، وكلُّ هذا فضلٌ عظيمٌ من الله تعالى عليك، ينبغي أن تعرفي قدره، وتشكري نعم الله تعالى عليك، فإن شكر الله تعالى يزيد في النّعم، ويدفع النِّقم، كما قال الله في كتابه الكريم: {وإذ تأذّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنَّكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد}.

وسماعك للأغاني، وتعلُّقك بها أمرٌ نتفهمه؛ فإن هذا من الشهوات التي رُكّبتْ في النفس، والشيطان يحاول أن يُزيّنها للإنسان ويُحسِّنها إليه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، يريدُ بذلك صرفك عن النافع لك، وهذا ما تجدينه في حالك ووضعك الآن، فإن مصالحك شبه معطّلة، وأعمالك ضائعة، والعمر يمضي، والوقت يذهب دون أن تُحققي شيئًا يُذكر، وهذا كلُّه من آثار اشتغال القلب بهذا النوع من اللهو الباطل.

وعلاجُ هذا يبدأ بغرس القناعة في نفسك –أيتها البنت العزيزة– أن تقتنعي في نفسك أولاً بأن عمرك أغلى وأنفس من أن يضيع في توافه الأمور، وأن تعلُّقك بهؤلاء الأشخاص على ما فيهم من الأوصاف الخبيثة الدنيئة؛ تعلُّق بالضارّ، ومع كونه تعلُّقًا ضارًّا فإنه ليس له ثمرة ولا نتيجة، فالإنسان العاقل لا يرضى لنفسه أبدًا بأن يبقى معلَّقًا بما لا يمكن أن يحصل له، إمَّا لأنه لا يمكن من حيث الواقع، وإمَّا لأنه لا يمكن من حيث عدم رضا الشرع به، فتعلُّقك بهذا تعلُّق بالسراب، كمن يحرث في البحر أو يطلب الجمر في الماء، وهذا الحال بلا شك ليس حال العقلاء من الناس، فضلاً عن الفتاة المسلمة المتدينة مثلك.

فغرس هذه القناعة في نفسك هو أوّل الطريق لإصلاح أحوالك، وأن تعلمي أن الإنسان عمومًا والمسلم خصوصًا مأمور بأن يحرص على ما ينفعه، ونحن المسلمون قد وجَّهنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بتوجيهات نبوية عظيمة، ومنها قولُه -صلى الله عليه وسلم-: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز)، فهذه ثلاث كلمات كلُّ واحدة أنفس من الأخرى:
- اجعلي حرصك على الشيء النافع.
- ثم اطلبي العون من الله سبحانه وتعالى، وتوجّهي إليه أن يُعينك على هذا النافع، وأن يُحببه إليك.
- ثم لا تعجزي، ولا تقعي فريسةً سهلةً للضعف والخَوَر، وإعطاء النفس ما تشتهيه، بل الأمر يحتاج إلى مجاهدة، وعناء، وتغلُّب، ولكن هذه المجاهدة ثمرتُها نافعة، وقد قال الله في كتابه الكريم: {والذين جاهدوا فينا لهدينهم سُبلنا وإن الله لمع المحسنين}.

وممَّا يُعنيك على تغيير أحوالك: الصحبة والرفقة الصالحة، فاحرصي تمامًا على هذا الجانب، وأن تخرجي من عزلتك هذه، وأن تُنشئي علاقات مع الفتيات الصالحات، ابحثي أولاً في محيطك القريب، في أسرتك وجيرانك عن الفتيات الصالحات الطيبات، وهنَّ كثير ولله الحمد، وحاولي التواصل معهنَّ، وملء أوقات الفراغ بالبرامج النافعة معهنَّ، فإن هذا سبب أكيد في تغيُّر الحال، وانصراف الاهتمامات نحو الشيء النافع.

ومن الأسباب التي تصرفك عن هذا الواقع الذي أنت فيه الآن: أن تتذكّري العواقب والنتائج والخواتيم؛ فإن المعصية وإن كانت لذيذةً مشتهاةً للنفس وقت فعلها، ولكن نهايتها وعواقبها الألم والندامة والحسرة، فمن ذا الذي يستطيع أن يتحمّل أبسط اللحظات وهو يحترق بنار جهنّم؟ والحكماء يقولون: (لا خير في لذَّةٍ من بعدها النَّار)، ويقولون: (تذهب الطاعات بثقلها ويبقى الثواب، وتذهب المعاصي بلذَّتها ويبقى العقاب).

فتذكُّرك للنهايات والعواقب سببٌ أكيد في دفعك نحو اتخاذ القرار الصحيح والاتجاه نحو الاختيار الأمثل الذي تتحقق به مصالحك في دنياك وفي آخرتك.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن ييسّر لك الخير ويُعينك عليه، ونسأله تعالى لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً