الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أريد أن أعيش مكتفيا بأسرتي دون مشاكل، فكيف ذلك؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أشكركم على المجهود الرائع الذي تبذلونه، جعله الله في ميزان حسناتكم.

أنا عمري 33 سنة، متزوج، ولدي ثلاثة أطفال، موظف، أعاني من التفكير المفرط في ذكريات الماضي والحاضر المؤلمة، والتي لها بالغ الأثر في تكوين شخصيتي، ونظرتي إلى الحياة والنفسي بتدنٍ وعدم تقدير، وانعدام الثقة بالنفس، والشعور بمشاعر سلبية منذ الطفولة، هذه المشاعر هي الحاضر بالنسبة لي، أتعامل معها كأني ما زلت أعيش فيها الآن.

أقضي الوقت في لوم نفسي على ما أنا عليه الآن، وأنه ضاع العمر كله في التفكير، لا أفعل أي شيء يمكن أن يطلق عليه إنجاز، التزمت بالصلاة وطلب العلم فترة قصيرة من العمر، ثم انتكست، وكان السبب هو الرغبة في الدنيا وزينتها، والزواج، والحصول على منزل ومال وفير، وعيش الحياة بحرية، علماً أني لم أحصل إلا على زوجة طيبة وأطفال، وأعيش في منزل هو إرث لي ولأخوتي الذين يعيشون مع أمي في بلد آخر، باستثناء أخي الأكبر.

أعمل 10 أيام في الشهر، وبقية الأيام تكون إجازة، وتمر علي كالجحيم، 20 يومًا أقضيها في المنزل مع وجود خلافات بيني وبين أخي الأكبر، والتفكير المفرط في تلك المشاكل، والتدقيق والتحليل لكل كلمة وموقف، والتأثر البالغ بتلك المشاكل.

يئست من نفسي ومن إصلاحها، ومن يراني لأول مرة يرى بأنني غير طبيعي ومكتئب، وكثيراً ما أشعر بثقلي على الناس، ونفورهم مني، وأنا حزين جداً منذ طفولتي حتى الآن، وأتأثر بالمواقف والكلمات، مثل: إنكار الجميل والمعروف، الإهانة أو عدم التقدير، تشويه صورتي، عدم مراعاة الأصول والواجب في التعامل معي، التقليل من شأني أو من رأيي، موقف واحد من هذه المواقف كفيل بتحطيمي، وتحطيم نفسيتي، وهذا ما يحدث لي كثيراً جداً، خاصة من أمي وإخوتي، وتشويههم لصورتي عند الجيران والأقارب، وهذا بناءً على انطباع راسخ في أذهانهم، مع أن من يتعامل معي من الناس يمدحني، ويمدح هدوئي وعقلي، ويميزني عن بقية إخوتي، خصوصاً في الخلافات التي تحدث بيننا؛ حيث أجد الناس تخطئهم، ولكنهم يطالبونني بالتغاضي والتجاهل، ويلومونني على دخولي مع أهلي في أي نقاش من البداية، لأن نتيجة أي نقاش معلومة، وهي: إما الشجار، أو أسمع منهم كلاماً مهيناً من سباب واتهامات وانتقادات.

أريد أن أكتفي بأسرتي ووظيفتي وراتبي، وأحسن من جودة حياتي، وأعيش بالقرب من الله فقط، ولكني لا أستطيع!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابننا وأخانا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يقدر لك الخير، وأن يملأ يديك بالخير والمال، هو ولي ذلك والقادر عليه.

سعدنا جداً لأنك فزت في هذه الدنيا بزوجة طيبة وأطفال، وتعيش في منزل هو إرث لك ولإخوتك، نسأل الله تبارك وتعالى أن يوسع عليك، وأن يزيد من نعمه، ونذكرك بأن الإنسان إذا شكر ما عنده من نعم، تأهل إليه المزيد من الله القائل: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ "، فنسأل الله أن يجعلنا وإياك شكارين ذكارين مطواعين.

أما ما تشكوه من نظرات الناس، أو الإساءات التي كنت تتعرض إليها سواء في الصغر أو الآن، فأرجو أن تتجاوز كل ذلك، و-الحمد لله- أنت تقول الناس يرونك عاقلاً ويثنون على صفاتك الجميلة، فعوِّل على هذا، وركز على هذا، واحمد الله على هذا، ولا تبال بما يحصل من أهلك، وقم بما عليك تجاههم، لا تخسرهم، واصبر عليهم، واعلم أن الإنسان ينبغي أن يصبر على أهله، وإذا لم نصبر على الأخ وعلى الأم وعلى الأخت، فعلى من يكون الصبر؟!

ولا نؤيد فكرة اعتزال الناس، لأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من الذي لا يخالط ولا يصبر، وحاول دائماً أن لا تحقر من نفسك وتعظم من الآخرين، فإنه ما من إنسان يمشي على قدمين إلا وفيه إيجابيات، وفيه سلبيات، فاكتشف ما وهبك الله من الإيجابيات وضخمها، تعش بها سعيداً، ثم حاول أن تعالج جوانب النقص، خاصة إذا كان في ما يتعلق بالطاعات لله تبارك وتعالى، فإن هذا نقص مرفوض، أما النقص في أمور الدنيا، فهو يعتري كثيرًا من الناس، ولو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقي الكافر منها جرعة ماء، وإذا نفر منك أهل البيت، ففي الناس غنية وستجد من الأصدقاء الصالحين، وننصحك دائماً بأن تبحث عنهم في بيئتهم، في المساجد، في أماكن المحاضرات والخيرات، ونسأل الله أن يضع في طريقك صديقاً صالحاً -أو أصدقاء صالحين- يعينك على طاعة الله ويذكرك بالله إذا نسيت، ويعينك على طاعة ربنا إذا ذكرت.

والإنسان ضعيف بنفسه قوي بإخوانه، وحاول أن تتفادى أسباب الشجار مع شقيقك وإخوانه و-الحمد لله- الذي وسع عليك، فأنت تستطيع أن تعيش في مكان بهدوء وهم كذلك يستطيعون، أو بالأحرى يعيش معظمهم في مكان هادئ وبعيد عنك، فاحمد الله على هذه النعم، واستمر في طاعة الله تبارك وتعالى، وخالف عدوك الشيطان الذي همه أن يحزن أهل الإيمان، فإذا ذكرك بما كان من الماضي والأيام التي تراها مظلمة، فتعوذ بالله من شره، واستغفر ربك، وامض إلى الأمام ولا تعد إلى الوراء، فإن البكاء على اللبن المسكوب لا يعيده، فلا فائدة في هذا، ولكن انظر إلى الحياة بأمل جديد، وبثقة في ربنا المجيد سبحانه وتعالى.

ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والهداية.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً