الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سفري للدراسة غيَّر من حالي

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أرجوكم أنقذوني من أفكاري الشريرة.

أنا إنسانة تتميز بطبيعة هادئة. عقب ذهابي إلى خارج البلاد للدراسة بدأت أعصابي بالتلف فأصبحت عصبيةً لدرجة أنني أشعر بوخزات في قلبي كلما شعرت بالضيق أو الحزن، إلى جانب صداعٍ رأسيٍ دائم.

وصلت العصبية عندي بأن أتخيل نفسي أقتل جميع أفراد أسرتي، فأنا إن شعرت بالضيق من أختي الصغيرة والتي أحبها كثيراً أتخيل نفسي وكأنني أقوم بقتلها، وكذلك الأمر مع أمي إن غضبت منها.

أشعر بالبكاء والقهر لأنني أتخيل هذا الشيء فإنني أحبهم، فلماذا كلما غضبت منهم أتخيل هذا الشيء؟

وكذلك الشعور والخيال مماثل تجاه صديقاتي إن أغضبوني!

أرجوكم ساعدوني .. أنقذوني من شرّ نفسي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جرايس حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إني أود أن أؤكد لك وبصورة قاطعة أن هذه الأفكار المؤلمة والمحزنة والفزعة للنفس هي أفكار وسواسية، وهذا نوع من التسلط الوسواسي الذي يحدث للإنسان عندما يكون قلقاً أو متوتراً، وأنتِ قد حدث لكِ نوع من عدم التوائم أو عدم التوافق البسيط بعد أن سافرتِ وتركتِ الأسرة.

بالطبع في مثل هذه الحالات ربما يواجه الإنسان نوعاً من القلق والتوتر نسميه - كما ذكرت لك – عدم القدرة على التوائم، وهو غالباً يستغرق شهراً أو شهرين ثم يختفي تماماً بعد أن يتوائم الإنسان ويتكيف مع بيئته.

لا بد لك أن تتذكري بأنك ذهبتِ لهذه البلاد من أجل الدراسة ومن أجل التحصيل، وهذا بالطبع رسالة سامية لابد أن تنجزيها على الوجه الأكمل، وهذا سوف يقلل القلق لديك.

أما بالنسبة للأفكار فإن هذه الأفكار – كما ذكرت لك – هي أفكار وسواسية، والذي أود أن أؤكده لك أن صاحب الوساوس لا يتبع وساوسه في مثل هذه الحالة مطلقاً، وأصحاب الوساوس هم من أهل الفضائل ومن أهل القيم المرتفعة، وحتى حين ننظر في سجل المخالفات لقانون الجرائم لا نجد أصحاب الوساوس بين هؤلاء وهذا فضل من الله.

أنا أعرف تماماً أن الفكرة مزعجة، ولكن صدقيني – إن شاء الله – أنها سوف تزول.. ولكن عليك اتباع الآتي:

أولاً: يجب أن تقتنعي أن الفكرة وسواسية، وأنها فكرة سخيفة وأنها متسلطة عليك، وأنك لن تقومين بتنفيذها أو اتباعها، وعليك أن تثبتي هذه الحقائق وتكرريها مع ذاتك عدة مرات؛ لأن الاقتناع بنوع المشكلة وطبيعتها يعتبر وسيلةً علاجيةً فعّالةً في حد ذاتها.

ثانياً: أرجو أن تقومي بكتابة كل الأفكار الوسواسية والمخاوف الوسواسية التي تنتابك، ابدئي بالبسيطة ثم انتهي بأشدها، وبعد ذلك عليك أن تقومي باستخلاص الفكرة المضادة لهذه الفكرة الوسواسية وركزي عليها، فعلى سبيل المثال قولي: لن أقتل أختي، أنا أحب أختي، هذه فكرة وسواسية سخيفة، وحاولي أن تبني هذه الفكرة الجديدة بقوة.. طبقي هذا التمرين عدة مرات، ويجب أن يشمل جميع الأفكار وجميع المخاوف، ولابد أن تكون هنالك جدية وقناعة في التطبيق.

ثالثاً: اتبعي نفس الوساوس – كما كتبتها – وابدئي بها واحدة واحدة بعد الأخرى، ابدئي في التفكير في كل فكرة وسواسية، ومع التفكير في الفكرة والتأمل فيها قولي مع نفسك: قفي، هذه فكرة سخيفة.. وتأملي في الفكرة مرة أخرى وقومي بعد ذلك بالضرب على يديك على جسم صلب – كالطاولة مثلاً – حتى تحسي بالألم الشديد، أي اقرني الألم بالفكرة، وهذا إن شاء الله سوف يؤدي إلى ما يعرف بفك الارتباط الشرطي، وهو من الوسائل النفسية المعروفة والتي تضعف هذه الأفكار.

هذه التمارين تمارين جيدة وممتازة وقيمتها العلمية مثبتة وكذلك فعاليتها، ولكنها تتطلب الجدية في التطبيق.

والشق الآخر في العلاج هو العلاج الدوائي. فيعتقد أن القلق والتوتر والوساوس والمخاوف وكذلك الاكتئاب مرتبطة بتغيرات كيميائية في الدماغ، هنالك مادة تعرف باسم سيرتونين لديها عدة مشتقات، يعتقد أن هنالك نوع من التذبذب أو عدم انتظام في إفراز هذه المادة مما ينتج عنه مثل هذه الحالة التي تعانين منها.. والحمد لله توصل الطب والعلماء إلى أدوية فعّالة تنظم إفراز هذه المادة مما ينتج عنه توقف الوساوس والمخاوف بإذن الله.

من الأدوية الطيبة والجيدة التي يمكنك استعمالها العقار الذي يعرف باسم بروزاك، وهو يتميز بأنه قليل الآثار الجانبية وأنه غير إدماني، ابدئي بجرعة كبسولة واحدة - 20 مليجراماً – ليلاً بعد الأكل، وبعد أسبوعين ارفعي الجرعة إلى كبسولتين، استمري على هذا المنوال، وبعد ستة أسابيع سوف تحسين – إن شاء الله – أن هنالك تحسناً ملحوظاً ابتدأ يحدث خاصة فيما يتعلق بالقلق والتوتر والعصبية وكذلك الوساوس.

استمري على هذه الجرعة – الكبسولتين – لمدة ستة أشهر، ويجب أن يكون هنالك التزاماً قاطعاً بتناول الجرعة كما وصفتها لكِ، وبعد انقضاء ستة أشهر خفضي الجرعة إلى كبسولة واحدة لمدة شهرين، ثم إلى كبسولة واحدة يوم بعد يوم لمدة شهر، ثم توقفي عنها.

اعلمي أنك - إن شاء الله تعالى - باتباعك للإرشاد السابق وتناول الدواء سوف تنتهي كل هذه الأفكار المزعجة، وكذلك القلق والتوتر، وسوف تجدين نفسكِ إن شاء الله قد أصبحت أكثر استرخاءً وانشراحاً وقبولاً لذاتك.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً