الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من الوساوس القهرية أريد علاجا لها.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..


بارك الله فيكم على ما تسدونه لصالح المسلمين التائهين في هذه الدنيا الصعبة.

أنا صاحبة الاستشارة رقم: 253910 التي تحمل نفس الاسم والعنوان، فأرجو الاطلاع عليها لفهمي أكثر، كما أني أريد أن أستسمحكم ولكني أريد من الدكتور محمد عبد العليم أن يرد على استشارتي، لا استنقاصاً من الدكاترة الأفاضل ولكنَّ القلب مال إليه فمن هنا أهديه تحياتي.

البحث عن الطبيب النفسي أخذ مني جهداً كبيراً، وأنا أسألكم أن تفسروا لي الفرق بين Psychologue وPsychiatre لأني حائرة، هل مرضي يستوجب الذهاب عند الأول أم الثاني.
لقد ازدادت مشكلتي تعقيداً بعد ما أرسلت لكم الاستشارة الأولى، فالمشكلة النفسية ازدادت تعقيداً وأحس بأني أقترب من الجنون، فالوسواس القهري أصبح يتعبني في التفكير فدماغي لا يتوقف عن التفكير، فبسبب هذا أصبح عندي صداع في الرأس لا يفارقني، كما أنني أصبحت ضعيفة الذاكرة وأنسى ما أحفظه أو ما يقال لي وأشرد كثيراً أيضاً، كما أن الرغبة عندي قد ماتت من فعل أي شيء، فأصبحت أحب العزلة كثيراً ولا أحب إقامة علاقات، حتى أن مرضي زاد من معاناتي وفاقمها، فتعبي الشديد والدائم بسبب المرض يسبب لي الإحراج، فأصبحت منعزلة عن العالم، ولا أحترم المواعيد مع الناس حتى أن زوجي بدأ صبر ينفذ، وعندما لا أوافقه في رأيه في بعض الأحيان يجرحني بقوله: أنت مريضة نفسياً ويجب أن أعالج لأن أفكاري غير منطقية.

ولأن زوجي داعية -كما قلت لكم- فبعض الناس يتوجهون إلينا لحل مشاكلهم، وبما أني زوجة الداعية يتجه إلي بعض المتزوجات لحل مشاكلهم، وكل صديقاتي اللواتي أعرفهن يشتكين أزواجهن النواشز، فأقول دائماً في نفسي: لم أعرف واحدة منهن سعيدة مع زوجها، هذا أيضاً يعزز كرهي للرجال.

أنا الآن أحس بأن تكوينتي الشخصية صعبة عليها العيش في هذه الحياة التي طغى فيها الباطل على الحق والشر على الخير. أنا لا أقصد الانتحار والعياذ بالله، فأنا ولله الحمد مؤمنة بالقدر ولا أملك نفسي فهي ملك لله تعالى.

زيادة على كل هذه المشاكل فأنا دائمة اللوم على نفسي أؤنب نفسي في كل وقت ولأتفه الأشياء، لا أحس بالرضا على نفسي إطلاقاً، أنبذ نفسي وأقلل دائماً من شأنها، حتى عندما أقرأ القرآن أحس بأنني مخاطبة في كل آية أقرأها فأخاف بعد ذلك من الموت حتى أستعد له وأكفر عن خطاياي.

كما أني أعاني -أيضاً- من القولون العصبي، وبما أن نفسيتي متدهورة باستمرار فألم البطن والغازات لا تفارقني، وأعاني من الخوف أيضاً حتى وأنا في البيت عندما أسمع أي صوت يخيفني، وعندما يسهر زوجي عند أصدقائه حتى ساعة متأخرة من الليل أخاف أكثر، وعندما قلت له: لا تبق حتى ساعة متأخرة لأني أخاف يتعصب علي ويهزأ بي ويصرخ قائلاً: أنا لست مسئولا عن خوفك ولن أبقى بجانبك طوال الوقت كالطفلة.

أنا دائمة الاستماع والقراءة للقرآن الكريم وأقول لنفسي: لم الخوف؟ لم القلق؟ أليس في هذه الدنيا إله قوي عزيز رحيم بعباده تعالى يعلم الظاهر والباطن في الخلق والكون؟ كل هذه الأسئلة أجيب عنها، وعقيدتي والحمد لله مرسخة لكن هنالك شيئاً ما لا أتحكم به، هذا ما يزيد علي المعاناة .. قلب معتقد ونفس مريضة ضعيفة.

أحب سماع القرآن الكريم فعند سماعه أكون تلك الهادئة التي لا تعرف القلق، وفي الأوقات الأخرى أكون مضطربة قلقة خائفة.

ومما زاد معاناتي في الفترة الأخيرة هو أنني عند مشاهدتي لبرنامج الشريعة والحياة، وكان الموضوع عن القلق النفسي، وكان المدعو أحد الشيوخ الكبار الثقات فقال: إن القلق نوعان، فالمرض لا يجتمع مع الإيمان، أي أن صاحب المرض في إيمانه خلل، والقلق النفسي هو أن يقلق المرء لأشياء تضر الأمة كاستفحال الشر على الخير والباطل على الحق، فأنا خائفة أن أكون مختلة الإيمان مع العلم أني أحب الله تعالى وأجتهد في فعل أوامره تعالى وترك منهياته، كما أني أؤنب نفسي في كل مرة ضعفت فيها عبادتي أو ارتكبت إثما.

وفي رمضان المنصرم دعوت الله كثيراً وتذللت إليه أن يشفيني وعندما انقضى رمضان ساءت حالتي، فأنا أريد أن أعرف هل الابتلاء العظيم هذا بذنب ارتكبته في حياتي وما زلت أرتكبه، أم هو ابتلاء لامتحاني؟ فإذا كانت الأولى فأنا في خطر، وإن كانت الثانية فأنا أحمده تعالى على كل حال.

لهذا؛ فأنا دائماً أدعو بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عندما اشتد عليه الإيذاء: (إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي).

أريدكم فقط أن تدعو لي وتنصحوني، وبارك الله فيكم وفي مجهوداتكم.

شكرا لكم، وعذراً على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Donia حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإني أرجو أن أؤكد لك أننا قد تمعنا جدّاً في رسالتك وهي تجد كل الاهتمام منا.

وفي الحقيقة أنا أجد لك العذر تماماً لأني أعرف أن الإخوة والأخوات الذين يعانون من الوساوس القهرية دائماً يعتقدون أن الآخرين لم يتفهموا قصدهم أو لم يتم الاستعاب الكامل لما ورد في رسائلهم أو ما طرحوه من أفكار.. فأنا أجد لك العذر تماماً، وأعرف أن الأخوة الذين يعانون الوساوس القهرية أيضاً يميلون للكثير من التفاصيل فيما يودون أن يقومون بشرحه وتفسيره.

إذن؛ أؤكد لك أن حالتك هي وساوس قهرية، والوساوس القهرية تتداخل مع أشياء كثيرة، على العموم هي تأتي تحت الأمراض العُصابية وليست العصبية - كما يقول البعض – وربما تتداخل مع القلق وتتداخل مع التوتر، ويكون هنالك شيء من عسر المزاج، ويكون هنالك شيء من عدم الشعور بقيمة الذات، وربما يكون هنالك أيضاً شيء من الوساوس والإحباط... هذه كلها ترتبط في كثير من الحالات بالوساوس القهرية، وأرى أن ذلك ينطبق عليك تماماً.

أولاً: بالنسبة للجزء الأول وهو هل سوف تستفيدين من طبيب نفسي أو من أخصائي نفسي؟ فلا شك أن الطبيب النفسي – كما هو معروف – هو طبيب مؤهل قام بكل التدريب المطلوب في فترة الامتياز، ومعظم الأطباء النفسيين الممتازين لديهم خبرات واسعة في الأمراض الباطنية، ثم بعد ذلك بالتأكيد يتخصص الطبيب في الطب النفسي، وبحسب المكان الذي يتخصص فيه تكون قدراته وتميزه، ولابد أن شخصية الطبيب النفسي تلعب دوراً كبيراً.

أما بالنسبة للأخصائي النفسي أو ما يسمى بالمحلل النفسي فهو ليس طبيباً، فمعظمهم تخرجوا من كليات الآداب قسم علم النفس، وبعد ذلك منهم من تخصص ودرس علم النفس السريري وتدرب في المستشفيات.

وفي الحقيقة يعتبر الطبيب النفسي مكملاً للأخصائي النفسي، والعكس صحيح.. إذن: الأماكن أو المراكز العلمية النفسية المحترمة لابد من تواجد الطبيب النفسي والأخصائي النفسي.. فالأخصائي النفسي من مهامه أن يقوم بإجراء التحليل النفسي كتحديد نوعية الشخصية وشدة الأعراض، كما أنه يتميز بهام العلاج السلوكي، خاصة في الوساوس القهرية والمخاوف.

إذن: أنتِ في حاجة لمقابلة الطبيب النفسي أو المواصلة مع الطبيب النفسي الذي يكون لديه التعامل والاعتراف والإيمان بدور الأخصائي النفسي لأن الأخصائي النفسي سوف يقوم بتغطية الجانب السلوكي والذي يدركه الطبيب النفسي أيضاً، كما أن الطبيب النفسي يقوم بوصف الدواء والعلاجات التأهيلية الأخرى.

وأرجو أن أؤكد لك أن حالتك سوف تعالج، أرجو ألا تهتمي بالتفاصيل، أرجو أن تعرفي أن هذا الأمر يمكن أن يزول تماماً.. المبدأ العام هو مواجهة الأفكار، والبحث عن الأفكار المضادة، ومحاولة غرس الفكرة والفعل المضاد وتنميتها في داخل النفس حتى تتسع وتكون أكثر ثباتاً، وبذلك تزول إن شاء الله الأفكار الوسواسية والأفكار القهرية.

وأرجو أيضاً ألا تميلي إلى التفاصيل الدقيقة، فمن مساوئ الفكر الوسواسي أنه يجعل صاحبه يتدقق جدّاً ويبحث نحو المثالية والكمال، وتحدث له نوع من الاجترارات للأفكار تتوالد منها أفكار فرعية سخيفة أيضاً..

فحين تأتيك الفكرة قولي: لا، هذه فكرة سخيفة لن أحللها ولن أزيد عليها ولن أهتم بتفاصيلها.. هذا إن شاء الله أمرٌ يساعد كثيراً في إزالة هذه الأفكار.

وبالنسبة للزوج والعلاقة بالزوج:
فالحمد لله أنكِ امرأة مؤمنة، ونحسبك من الصالحات ولا نزكي على الله أحداً، وأنتِ تعرفين حقوق الزوج وكيفية التعامل معه، وما دام زوجك داعية فأنا على يقين كامل أنه إن شاء الله يعرف حقوقه أيضاً.

كما أن الوساوس القهرية لن تمنعك أبداً من القيام بواجباتك الدعوية، بل بالعكس الوساوس القهرية بدرجة بسيطة تجعل الإنسان متقناً ومجيداً لعمله.. هل تعرفين أن أفضل الذين يعملون في الحسابات هم الذين يحملون بعض سمات الوساوس؟! وأكثر انضباطاً في حفظ المواعيد والالتزام بها هم الذين يعانون من درجة من الوساوس؟! ولكن بالطبع إذا اشتدت الوساوس سوف تكون معيقة..

ولا شك أن أي نوع من المرض يعتبر نوعاً من الابتلاء، ولكنه ابتلاءٌ بسيط .. لا تعاتبي نفسك، لا تُدْخِلي وتربطي الأمر بأنه غضب من عند الله تعالى؛ فالحق عز وجل رحيم بنا في كل ما نقول به، رحيم بنا حتى حين نرتكب الذنوب.

أختي الفاضلة: أنت أدرى بهذا، فأرجو ألا تنظري أن كل ابتلاء هو دليل على غضب الله، لا، هذا ليس صحيحاً، الابتلاء ربما يكون اختباراً، الابتلاء هو شيء من طبيعة الحياة، الابتلاء ربما يكون زخراً لك في آخرتك... وهكذا.. أنتِ أدرى بذلك، وقد أعجبني جدّاً اقتباسك الجميل عن الرسول صلى الله عليه وسلم من دعائه في الطائف، هذا من الأدعية الحبيبة للنفس، فأرجو أن تتمسكي بذلك.

وأنا الحمد لله سعيدٌ جدّا لأنك أنتِ على دراية بأمور العقيدة وقيمة الدعاء وقيمة الذكر وقيمة التمسك بالواجبات الدعوية وكل متطلبات العقيدة.

هذا هو الذي أنصحك به، وأنصحك أيضاً وبكل قوة أن تتناولي الدواء المضاد للوساوس، فهي كثيرة وهي ممتازة وفعّالة، هنالك عقار يعرف باسم بروزاك، هنالك الزولفت، هنالك الزيروكسات، هنالك السبراليكس.. هذه إن شاء الله مائدة طيبة كلها مفيدة.

أرجو أن تبدئي في تناول أحد هذه الأدوية وهي ليست إدمانية وليست تعودية،
والدواء الذي أركز عليه دائماً هو البروزاك لأنه جيد وفعّال، ولكن الجرعة تحتاج لأن ترفع وتحتاج إلى الصبر، كبسولة واحدة – 20 مليجرام – لمدة أسبوعين سوف تكون بداية طيبة، ثم ترفع الجرعة بمعدل كبسولة كل أسبوعين حتى تصل إلى 60 مليجرام في اليوم .. هذه ليست جرعة كبيرة ولكنها جرعة علاجية ممتازة وكافية جدّاً.. فاستمري عليها لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك خفضيها بمعدل كبسولة كل شهرين، ثم توقفي عنها.

وختاماً: أسأل الله لك الشفاء، وأنا متفائل جدّاً أنك سوف تكونين على خير.

(إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي)
وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً