الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وساوس قهرية وشكوك حول الذات الإلهية مع خوف

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد: فأسأل الله عز وجل أن ينفعني بكم وأن يكون كل هذا في ميزان حسناتكم.

منذ شهرين ونصف عانيت من الوسواس القهري بعدما تناولت بدون وصفة حبة (البالتان) وهو مهدئ لكي أشعر بالراحة لأنني لم أكن أجد عملا، حيث أصبحت أخاف من الموت لأنني شعرت بضيق النفس، وأصبحت أخاف من الجنون لأن رأسي كان يؤلمني، وأصبح لدي انفصام بالشخصية، مع العلم أني لم أكن هكذا، وأصبح لدي شك بوجود الله - أستغفر الله من ذلك -.

شعرت بأنني لن أستطيع أن أخرج من هذه الحالة طول عمري، وأصبحت غير مركز في حياتي، ومنعزلا عن أسرتي وأصدقائي، ولا أثق بنفسي أبداً، حتى أصبحت أخاف من أن لا أستطيع حفظ دروسي، كما خفت أن أصبح مثل خالتي والتي تعاني من الوسواس القهري - شفاها الله -، علماً أني لم أكن كذلك، وكنت عندما يشتكي لي أحد أصدقائي ويقول لي نفسيتي تعبانة أضحك وأستغرب.

الآن -والحمد لله- أصبحت ملتزماً في ديني أكثر، وأصلي وأدعو الله أن يشفيني، وتحسنت عن ذي قبل، والآن أنا أعمل لكنني لا أزال أعاني وأخاف من أن لا أنجح في عملي، ماذا أفعل وكيف أستطيع أن أعود كما كنت.

كيف أتقرب من الله كثيراً - علماً أن علي صلوات من قبل لم أصلها - ؟ وهل الأدوية النفسية تشفي؟ وكيف ؟! لماذا كثرت الأمراض النفسية في هذا الزمن؟!

وشكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ يمام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

من الوصف الذي ورد في هذه الرسالة أنت بالفعل تعاني من وساوس قهرية، خاصة هذه الشكوك التي تنتابك عن الذات الإلهية، وحقيقة الوساوس القهرية موجودة وكثيرة جدّاً، وهي قد تأتي للإنسان في شكل نوبات متقطعة، أو قد تستمر لفترة، وهي أيضاً تأتي للإنسان في مراحل عمرية معينة.

نحن نرى أن وجود وساوس بسيطة لا يمثل علة أبداً، بل على العكس تماماً ربما يكون مفيداً، هنالك من لديهم وساوس التدقق، أي محاولة التأكد والتدقق من كل شيء، هنالك من لديهم وساوس الخوف، والخوف حين يكون بسيطاً يؤدي أيضاً إلى التحوط... وهكذا.

إذن الوساوس ليست كلها شر كما يعتقد البعض، ولكن بالطبع أتفق معك تماماً أنها حين تكون شديدة تكون مزعجة وفي هذه الحالة سوف تمثل حالة مرضية تكون معيقة للإنسان ولذا يجب معالجتها.

أرجو أن أؤكد لك أن علاج الوساوس بسيط جدّاً ولكنه يتطلب الالتزام، وأرجو أن تقوم بكتابة كل الوساوس التي تعاني منها، كل هذه المخاوف وكل هذه الشكوك، ابدأ بكتابة أبسطها أو أقلها إزعاجاً لك، ثم الذي يليه ثم الذي يليه، وبعد ذلك قم بتطبيق المبدأ العام في العلاج وهو أن تواجه الوسواس، أن تحقره وأن تستبدله بفكرة مضادة.

إذن؛ ابدأ بتحقير الفكرة الوسواسية أولاً، قل هذه فكرة وسواسية سخيفة لن أقوم باتباعها، لا تعني بالنسبة لي أي شيء، كرر ذلك عدة مرات، ثم بعد ذلك استبدل الفكرة الوسواسية بفكرة مضادة، وحاول أن تركز في الفكرة المضادة، وبالتركيز على هذه الفكرة سوف يتم اختفاء وانتهاء الفكرة الوسواسية الأساسية.

خط العلاج الثاني هو: يمكنك أن تجلس مع نفسك وبهدوء وتفكر في الفكرة الوسواسية، لا مانع من أن تستجلب الفكرة لنفسك وذلك بهدف العلاج، ثم بعد ذلك قل مع نفسك وبصوت عالٍ: أقف أقف أقف، ويقصد بذلك التوقف عن الفكرة الوسواسية، وفي ذات الوقت وأنت تتأمل في الفكرة الوسواسية يمكن أن تقوم بعمل استشعار آخر مخالف، كأن تقوم بالضرب على يديك، أو أن تقوم بضرب يدك على جسم صلب حتى تحس بألم شديد، المقصود هو أن تقرن الألم مع الفكرة الوسواسية، وبالطبع هذه تفاعلات واستجابات مضادة.

إذن: وجود الألم سوف يضعف فكرة الوساوس.. هذه تمارين جيدة وممتازة ولكنها تتطلب المثابرة والمواظبة بصفة يومية مع الجدية الكاملة في أن ذلك علاج، وهو يقوم على أسس علمية مجربة ومعروفة.

الثاني في العلاج هو العلاج الدوائي، هنالك الآن أسس وثوابت علمية قوية تشير أن هنالك تغيرات كيميائية وبيولوجية تحدث في أجزاء معينة من المخ، وهي التي تؤدي إلى ظهور هذه الوساوس أو على الأقل استمراريتها في الأشخاص الذين أصلاً لديهم الاستعداد لذلك، وهناك أدوية كثيرة ومتعددة وهي جيدة جدّاً ولكن الأدوية لابد أن تقترن مع الإرشاد السلوكي السابق.

من الأدوية الطيبة جدّاً التي يمكنك استعمالها عقار يعرف باسم (فلوكستين Flyoxetine)، ويسمى تجاريّاً باسم (بروزاك)، وربما يكون متوفراً في سوريا تحت مسميات أخرى، وجرعة البداية هي 20 مليجرام – كبسولة واحدة – بعد الأكل، وبعد أسبوعين ترفع هذه الجرعة إلى كبسولتين في اليوم، وهذا أمر ضروري جدّاً لأن الأبحاث العلمية دلت أن الـ 20 مليجرام لا تعتبر كافية، إنما الجرعة الكافية هي الـ 40 مليجرام على الأقل، ولابد أن تستمر عليها لمدة ستة إلى سبعة أشهر.
فاستمر على هذه الجرعة وكن ملتزماً ومواظباً، وبعد انقضاء هذه المدة خفضها إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة شهر، ثم بعد ذلك كبسولة يوم بعد يوم لمدة شهر أيضاً، ثم توقف عنها نهائياً، هذا الدواء دواء بسيط وفعّال وهو سليم جدّاً.

أرجو ألا تتخوف كثيراً في أن الذي حدث لك ربما يكون مشابهاً لحالة خالتك، أنا لا أنكر مطلقاً وجود بعض الميول الأسري الوراثي لهذه الحالات، ولكن الذي أود أن أؤكده لك أن الذي يوَرَّث ليس المرض ذاته إنما الاستعداد له، كما أن الخالة تعتبر ليست من الأقرباء الذين نتخوف من نقل المرض عن طريقهم، هذه من الناحية الوراثية أو الناحية الجينية؛ حيث أن هذه العلاقة لا تعتبر علاقة لصيقة من الناحية العلمية الجينية.

أنا سعيد جدّاً أن أسمع أنك قد أصبحت أكثر التزاماً بصلاتك، وأنك تحرص على أذكارك، وبالطبع على وردك القرآني وهذا شيء عظيم، وأنا في نظري أقول لك أن هذا حافزاً علاجيّاً قويّاً، نسأل الله لك النجاح والتوفيق.

أما فيما ذكرته من أن هنالك صلوات لم تصلِّها من قبل فسوف يفيدك الإخوة المشايخ في الشبكة الإسلامية في هذا الخصوص، ولكن الذي أود أن أؤكده لك وبالطبع أن على دراية بذلك أن الله لا يغفر أن يُشْركَ به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.

أما سؤالك: هل الأدوية النفسية تشفي وكيف؟! نقول لك: الأمر ليس على الإطلاق بالتأكيد، الأمر أمر نسبي، هناك حالات تساعد فيها الأدوية جدّاً وبصورة فعّالة ويكتب إن شاء الله الشفاء في هذه الحالات، ولكن الدواء النفسي أو الأدوية التي تستعمل لعلاج الحالة النفسية لابد أن تدعم بآليات علاجية أخرى، منها: الحرص على أن يكون الإنسان فعّالاً، الحرص على التغيير السلوكي، وبالطبع هذا يحدث حتى في الأمراض الأخرى، الذين يعانون من مرض السكر لا يساعدهم الدواء فقط في علاجهم، لابد من ممارسة الرياضة، لابد من التحفظ في موضوع الأكل... وهكذا.

إذن: الأدوية تساعد ولكن مع ضرورة الالتزام بها والأخذ بالمسببات الأخرى، وقطعاً أن الشفاء من الله أولاً وآخراً..، والذي أود أن أؤكده لك وأبشرك به أن هنالك تقدم كبير جدّاً فيما يخص الأدوية النفسية خلال الأعوام الأخيرة، وهناك أيضاً أدوية واعدة سوف نراها في المستقبل بإذن الله تعالى.

نعم أتفق معك أن الحالات النفسية قد كثرت في هذا الزمان وذلك نسبة للمضايقات والتشرذم الاجتماعي، وفقدان الحوار في داخل الأسر، واللهف وراء المال وجمعه، وتشعب الحياة...، ولا شك أن الابتعاد عن الدين – بمعناه الصحيح – أدى إلى صعوبات نفسية، وهنالك جوانب أخرى: أن وعي الناس قد زاد أيضاً بأهمية الطب النفسي نسبة للتقدم الذي حدث.

نسأل الله تعالى أن يبعد عنَّا الأمراض وأن يعافينا ويشفينا جميعاً، ولا شك أن التمسك بعقيدتنا فيه الكثير من الوقاية والحماية من كل هذه الأمراض ومن كل شر قد يأتي للنفس.

أما بالنسبة للجانب الشرعي في سؤالك، فنرجو منك الاطلاع على هذه الفتاوى (12700 - 61320) فادخل على محور الفتوى وابحث بهذين الرقمين.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً