الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الخوف من الإصابة بالسرطان بسبب موت قريب به

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم

معاناتي يا دكتور تتشكل في أن خالتي أُصيبت بمرض سرطان الثدي، وانتشر المرض بأنحاء جسدها، وانتقلت إلى رحمة الله تعالى، والحمد لله تجاوزنا مرحلة الحزن مما رأيناه من معاناة لها فارتاحت والحمد لله.

وبعد تجاوزنا مرحلة الحزن كنت ذاك اليوم واقفاً عند المرآة وإذا بي أرى حبة أسفل صدري، فتذكرت مرض خالتي، فأصابني هلع شديد -أول مرة يصيبني- وخوف قوي، ولجأت إلى الفراش خائفاً، وبدأت أفكر بما مر بخالتي، وأصابني الهلع الشديد، وأصبحت طريح الفراش ليومين، ومن بعدها قررت الذهاب للدكتور بعد أن أقنعت نفسي بأني مريض بمرضٍ خطير، واقتنعت بالفكرة، المهم ذهبت لدكتور العائلة وهو يعرفني ويعرف حالة خالتي ويعرف العائلة كاملاً، فعرضت حالتي عليه ولم أقل له عن الأفكار والوساوس، فرأى الحبة، وأعطاني بعض المراهم والحبوب، وقال لي راجعني بعد أسبوع، وبعدها رجعت للبيت سعيداً؛ لأن الدكتور لم يقل لي شيئاً خطيراً، ولكن لم يدم هذا الفرح طويلاً، فأصابتني نوبة هلع، وخوف، وتفكير مستمر بعد قراءتي في النت عن الأمراض الخبيثة، وخصوصاً أمراض الغدة الدرقية، وعن أعراضها، وما يأتي للإبط والرقبة من الألم والأورام، فبعد قراءتي لهذه الأعراض بدأت أحس برقبتي وإبطي ألماً ولم أستحمل، فذهبت للدكتور مرةً أخرى، وشرحت له حالتي وكل شيء، وعن الأفكار والوساوس، فاستغرب كلامي، وقال بأن هذا كلام بعيد عن حالتك، وقال بأن الحبة التي ظهرت لك بصدرك ظهرت بشحم وهي حبة دهنية نتيجة السمنة - فأنا جسمي سمين-.

أما بالنسبة لألم الإبط والرقبة، فهي تخيلات؛ نتيجة لما قرأته من أعراض، ونتيجة لتأثرك بوفاة خالتك.

أنا فعلاً يا دكتور كنت متابعاً لحالة خالتي من بداية المرض وحتى وفاتها، وشهدت الأورام والأعراض التي تعرضت لها خالتي، ومواعيد الكيماوي وكل شيء تعرضت له.

المهم أن الدكتور وصف لي بوسبار بواقع حبة 5 ملجم صباحاً وحبة مساءً، وأنا أستعمله منذ أسبوعين، ولا أرى إلا تحسناً طفيفاً، فالخوف ينتابني بين فترة وأخرى.

وبالنسبة للحبة التي بالصدر فالحمد لله ذهبت يا دكتور، ولم يبق إلا الآثار لها، ولكن مشكلتي تكمن في أنني ينتابني الهلع، وأكشف كل يوم على الحبة وعلى الإبط خوفاً من رجوع الحبة وخوفاً من ورم في الإبط أو شيء من هذا القبيل.

أرجو يا دكتور مساعدتي، أريد نصائحك يا دكتور، وبالنسبة للبوسبار متى يبدأ مفعوله؟ علماً بأن الدكتور وصفه لي لمدة شهر وأسبوعين، والآن مر أسبوعان وبقي الشهر.

لك مني كل الشكر والتقدير على جهودك يا دكتور، وجزاك الله خيراً.

علماً باني سمين يا دكتور والدكتور الذي أراجعه هو دكتور باطنية.


الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

نعم هنالك الكثير من الدراسات تُشير أن بعض الناس قد يحدث لهم ما يُعرف بـ(التوحد المرضي)، أي يحدث نوع من الاندماج الداخلي في أن الإنسان قد يُصاب بنفس الذي أصاب أقربائه وأحبائه.. نسأل الله لخالتك الرحمة، وأن يجعل ما عانت منه من مرض كفارة لها.

حالتك ليست مستغربة، فهي في نطاق ما نعرفه في الطب النفسي أن الإنسان يخاف على نفسه وعلى صحته، وقد أصبحنا الآن في زمانٍ كثرت فيه الأمراض وقلَّت فيه الطمأنينة، وكثرت فيه ضغوطات الحياة.

الذي تولد لديك يُعرف باسم (المراء المرضي) بمعنى أن الإنسان يخاف أن يقع به ما وقع لأقربائه أو أحبائه.. وهذا قد يكون فيه شيءٌ من الرحمة، فالقلب الرحيم أفضل من القلب القاسي، ولكن بالطبع في ذات الوقت يجب ألا يكون معيقاً للإنسان في حياته، فالمطلوب هو التوكل -فالتوكل هو السلاح الفعال-، والأدعية المأثورة والمعروفة التي بالطبع تبعث الطمأنينة كثيراً، ولدينا تجارب كثيرة في هذا الجانب يا أخي.

تعوذ مما تعوذ منه نبيك صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من الجذام وأعوذ بك من البرص وأعوذ بك من الجنون وأعوذ بك من سيئ الأسقام)، وسيئ الأسقام هو السرطان والأمراض المشابهة.

إذن، هذا دعاء عظيمٌ يبعث الطمأنينة للنفس، ويجعل الإنسان بعيداً عن هذا التفكير الإحباطي الوسواسي.

هذا الأمر الذي يحدث للناس يجب ألا نقيسه بمقاييس الدنيا دائماً، بل يجب أن يقاس بمقاييس العقيدة والدين والآخرة، فهذا يبعث على الطمأنينة، ولا مانع أيضاً أن ننظر للأمور من منظار الدنيا، وفي هذه الحالة أقول لك لا تذهب للأطباء كثيراً ولا تتردد عليهم؛ لأن هذا يبني الكثير من المخاوف والتوهمات المرضية المتكررة.

السبب واضح جدّاً في حالتك وهو محبتك لخالتك، وأنك عشت معها تجربة المرض، فجعل هذا يبنى في داخلك، والشيء إذا عرف سببه هذا جزء من كبير من العلاج.. إذن أبتعد عن معاودة الأطباء بكثرة.

لا شك أن العلاج الدوائي يفيد جدّاً في حالتك، والبوسبار ليس دواءً فعّالابدرجةٍ كبيرة في هذه الحالة، ولكنه يُساعد، وهو أصلاً لعلاج القلق ولكنه ليس جيد لعلاج المخاوف، ولكن يمكن تدعيمه بعلاج آخر.

أنا أرى أنه من الأفضل لك أن توقفه وتستبدله بالعقار الذي يُعرف باسم دوجماتيل، فهذا الدواء أفضل من البوسبار، فتناول الدوجماتيل بجرعة 50 مليجرام في الصباح و50 مليجرام في المساء، ودعّمه بدواء أساسي آخر مضاد للمخاوف وهو السبراليكس، والسبراليكس يُعتبر دواء جيد وفعّال، تناوله بجرعة 10 مليجرام ليلاً بعد الأكل لمدة أربعة أشهر، ثم بعد ذلك خفض الجرعة إلى 5 مليجرام ليلاً بصفة يومية لمدة شهر، ثم توقف عنه.

بالنسبة للدوجماتيل: كبسولة واحدة صباحاً ومساء لمدة ثلاثة أشهر..

إذن: هذين الدواءين مع القوة والاقتدار والتوكل وعدم التردد على الأطباء سوف تُزيل عنك هذه الوساوس وهذه المخاوف وهذه الهواجس بإذن الله تعالى .

بالنسبة لزيادة الوزن لديك، أنت في مقتبل العمر وأنت تخاف من الأمراض، وتعرف أن السمنة هي من مصادر الأمراض المعروفة، فعليك أن تجتهد في تقليل وزنك، وهنالك آليات وطرق معروفة، مثل أن تتحكم في الطعام، وأن تعرف كل السعرات الحرارية لما تتناوله من طعام، وأن تمارس الرياضة، وصدقني أن الرياضة سوف تُفيدك حتى في أعراض المخاوف، وسوف ترفع كثيراً من صحتك النفسية.

الطبيب الذي تراجعه لا بأس أن يكون طبيباً باطنياً، ولا تذهب لأطباء غيره، ويمكن أن تجري فحص دوري مرة كل سنة، وأنت لست محتاج لأكثر من ذلك.

أسأل الله لك التوفيق والعافية والمعافاة في الدين والدنيا والآخرة.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً