الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

السلام عليكم ورحمة اللة وبركاته..

عمري الآن 21 عاماً، أنا مريض منذ 7 سنوات، كنت أعاني من خوف شديد من الموت، وجسمي كان يتجمد، ثم أخاف من الارتفاع، وأخذت علاج لوسترال وذنكس لمدة سنة ولم أشف، وأنا أتعالج منذ 7 سنوات ولم أُشف إلى الآن، ولم أقف عن أخذ الدواء إلا سنة واحدة (أي أنني أخذت العلاج لمدة 6سنوات)، كما أني أخذت سبرالكس وأخذت معظم الأدوية النفسية، ولا أدري لماذا لم يتم شفائي؟


والأعراض التي أعاني منها هي أني أخاف إذا خرجت من المنزل، وأحس بدوخة شديدة، وأحس بأني سأسقط، وأشبه فاقد الوعي، أو بمعنى آخر أني لا أشعر بنفسى، ولا أستطيع أن أعبر عما بداخلي.

وأما الأدوية التي آخذها الآن فهي (لوسترال) وآخذ منها حبتين يومياً، و(ابكسيدون1مج) وآخذ منها حبة يومياً، و(إندرال 10) وآخذ منه حبتين يومياً، فأنا مستمر على هذا العلاج منذ 7 شهور، وأتحسن ولكن التحسن ضعيف، ولكن الدكتور مُصرٌّ على هذا العلاج، وأنا لا أستطيع الذهاب إلى المسجد حيث أنني أخاف، كما لا أستطيع الذهاب إلى أصدقائي ولا الذهاب إلى الأفراح.

أرجوكم ساعدوني فأنا أعذب كل يوم .. بل كل لحظة، وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد هاشم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فالمخاوف لابد أن تعالج علاجاً سلوكياً ً، ونحن لا ننكر دور الأدوية ونعتقد أن الأدوية تساعد لدرجة كبيرة، ولكن في حالات كثيرة إذا لم يأخذ الإنسان بأمر العلاج السلوكي ويطبقه بكل جدية والتزام لن تفيد الأدوية كثيراً، والعلاج السلوكي في ظاهره أمر بسيط جداً، ولكنه في حقيقته يقوم على ركائز علمية وتجارب أثبتت أن من يطبقه بالصورة الصحيحة والملتزمة ويكون مقتنعاً به ستكون - إن شاء الله - النتائج رائعة جداً.

والذي أرجوه منك – أيها الأخ الفاضل – هو أن تقوم بما يعرف بالتحليل السلوكي، وفي هذا تقوم بكتابة كل أنواع المخاوف التي تنتابك ... ابدأ بأقلها ثم الأشد فالأشد، وتأمل فيما كتبته بعمق وقل لنفسك: هل كل الناس مصابون بما أصبت به؟ وبعد ذلك فكر في الأمر بعمق، ويجب أن تكون الإجابة هي أن الذي تعاني منه هو أمر بسيط ومعظم الناس لا يعانون من ذلك، وإن كانوا يعانون منه فقد تخلصوا منه لأنك تراهم يذهبون ويواجهون المواقف دون أي إشكال.

إذن؛ قل لنفسك: لماذا أقبل لنفسي الضعف؟ لماذا لا أكون مثل بقية خلق الله؟ وهذا الشعور إذا ثبته في نفسك بقوة سوف يعطيك الحافز للمواجهة، والمواجهة يجب أن تكون في الخيال أولاً ثم بعد ذلك في التطبيق العملي، فالمواجهة في الخيال تقوم على أن تجلس في مكان هادئ وتأخذ الأمر بجدية (هذه حصة علاج) وتنقطع لذلك وتخبر من حولك، ثم بعد ذلك تتخيل أنك في مواجهة الموقف الذي تخاف منه، ركز على ذلك لمدة عشرة دقائق، وفي أثناء التركيز خذ نفس عميق.

كرر هذا الموقف (الجلسة النفسية) ثلاث مرات يومياً، وبعد أن تنتهي من الفقرة الأولى اذهب إلى المخاوف التي بعدها وقم بنفس التفكير والتركيز والتعرض في الخيال... وهكذا.

ثم بعد ذلك ابدأ في التطبيق الواقعي، وحين تبدأ في التطبيق أرجو أن تعتقد اعتقاداً جازماً وصحيحاً أنه لن يحدث لك مطلقاً ما تعتقد أنه سوف يحدث لك حين المواجهة، فالبعض يعتقد أنه ربما يسقط أمام الآخرين أو يرتعش فهذا ليس بصحيح، وتأكد يا أخي أنك غير مرصود وغير مراقب من جانب الآخرين .. إذن مبدأ المواجهة في الخيال والمواجهة الحقيقية الواقعية والتطبيقية هي وسيلة لعلاج المخاوف، وأكرر أنها تتطلب الالتزام والتطبيق بدقة.

وفي بعض الحالات لا نمانع أبداً في أن يذهب معك أحد الأصدقاء في صعود المرتفعات، ابدأ بالطابق الأول وانظر للأرض لمدة عشرة دقائق، ثم بعد ذلك انتقل إلى الطابق الثاني وانظر إلى الأرض لمدة ربع ساعة ... كرر هذا المشهد يومياً، ويا حبذا لو كان معك أحد الأصدقاء، ولكن في اليوم الثالث حاول أن تطبقه لوحدك، ثم يمكن للصديق أن يأتي معك حين تصعد للطابق الثالث، وتكرر نفس هذه المشاهد، انظر إلى الأرض لفترة، وبعد ثلاث جلسات حاول أن تقوم بالتطبيق لوحدك دون وجود الصديق.

وهذه التمارين تفيد جداً، وأنا أعرف تماماً أن نسبة نجاحها 70 إلى 90%، وهذه نسبة عالية جداً.

ولقد قلتَ بأنك لا تذهب إلى المسجد، فلا أرى سبباً لذلك أبداً، فالمساجد هي مكان الطمأنينة ومكان الراحة ومقابلة الصحبة الخيرة، هل ذكَّرت نفسك بذلك، أرجو أن تذكرها ولن تجد أي عائقاً مطلقاً في الذهاب إلى المسجد، فكما تخرج من البيت أخرج إلى المسجد، وكن في الصف الأول، وبعد انتهاء الصلاة أجلس مع الأخوة المصلين ممن تعرف، ويمكنك أن تتبادل معهم أطراف الحديث، فهذا يوطد الطمأنينة في نفسك ويبعد عنك المخاوف.

إذن؛ المبدأ الأساسي هو الثقة بالنفس، والمواجهة، وأخذ أمر المواجهة بالجدية والتأكد أنه لن يحدث لك أي شيء.

والخط الثاني هو المواجهات اللاإرادية أو الجماعية، ومنها ممارسة الرياضة الجماعية، فهذه أيضاً تعرض الإنسان للاختلاط والتمازج مع الآخرين دون أي رهبة، وحضور حلقات التلاوة أيضاً واحد من الوسائل المتميزة جداً لمعالجة الخوف لكل أنواعه.

إذن؛ هنالك وسائل علاجية كثيرة أرجو أن تنظر فيها وتطبقها بجدية، وسوف تكون النتائج رائعة بإذن الله تعالى.

والدواء الذي تتناوله وهو (لسترال) هو في رأيي الدواء الأساسي، ومن الأدوية الفعالة والممتازة، ولكن يعرف عن الأدوية أيضاً أنها ربما لا توافق الشخص مهما كانت درجة امتيازها وفعاليتها، وفي هذه الحالة ننصح بأن ينتقل الإنسان إلى مجموعة أخرى من الأدوية .. فأمامك خيارات أخرى منها العقار الذي يعرف باسم سبراليكس، والعقار الذي يعرف باسم زيروكسات، وكلها أدوية ممتازة وفعّالة في علاج المخاوف، وأرجو أن تشاور طبيبك في ذلك فربما يسدي لك النصح، واعرض عليه ما عرضناه عليك من أفكار، ويمكنك أيضاً أن تجلس معه أو مع الأخصائي النفسي الموجود معه لمزيد من التفاصيل عن العلاج السلوكي المعرفي الذي يقوم – كما ذكرت لك – على التصميم على المواجهة.

وأرجو أن تفكر جلياً بأنك - ولله الحمد - في مقتبل العمر، وإن شاء الله أمامك الكثير من الذي يمكن أن تقوم به، فإذن أن تثق في الله أولاً ثم في مقدراتك وتحاول أن ترسم المستقبل لنفسك بصورة أكثر إيجابية، وأن تخرج نفسك من قوقعة المخاوف فهي أضعف مما تتصور، وإن شاء الله لديك القدرة على تخطي كل هذه الصعاب.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السعودية homs nahed bb

    جزاك الله خيرا يادكتور ·العلاج بالتنفس العميق أو التجاوزي:وهي معالجة نفسية مأخوذة من تطبيقات الأديان الشرقية القائمة على أهمية تجاوز الإنسان لكل ما يشعره بمحدوديته ويطلق خياله وينسيه واقعه ويجعله يستمد ما يعتقدونه من "الطاقة الكونية" ويسمونها (البرانا) أو (الهو) ويدخلها في جوفه ليتجاوز بها خصائص الإنسان العادي .وتقوم هذه المعالجة على تمارين تركيز يتم فيها التنفس من الفم ومن الأنف بالتناوب بين الفتحتين بصورة عميقة جداً لإدخال أكبر كمية ممكنة من الأكسجين إلى الدماغ وخلايا الجسم مما يساعد على الدخول السريع في مرحلة الاسترخاء الكامل شبه غيبوبة [6]. ويستخدم العلاج بالتنفس العميق منفصلا أو متصلا بأنواع العلاجات الأخرى ويعده المدربون عليه خطوة لازمة للشعور بالنشوة والخروج من الواقع وتأثيره ، والدخول في حالات الوعي المغيرة التي يعدونها أساس العلاج النفسي الفاعل!

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً