الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تغيير البيئة ومساعدته في القضاء على الوساوس والرهاب

السؤال

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته، وبعد:

أنا إنسان قدر الله علي أن أكون أحد المصابين باضطراب الرهاب الاجتماعي والوسواس القهري والقلق الشديد والمستمر في أغلب الأوقات، فأنا إنسان بطبيعتي قلق، وشخصيتي قلقة وحساسة، وهذا ما يتعلق بالجانب النفسي.

وأما الجانب الديني فقد أهملت صلواتي وانتكست حالتي، والسبب يعود للوساوس المسيطرة علي سواء في الوضوء أو في الصلاة أو في الغسل من الجنابة، علماً بأن هذه الوساوس لم تكن مرتبطة بالأمور الدينية من صلاة أو وضوء أو غسل وإنما مرتبطة بالأمور الأخرى من نظافة وترتيب واهتمام وتدقيق.

ولقد خطر في بالي فكرة للقضاء على الوسواس القهري والرهاب الاجتماعي وهي أن أغير من البيئة التي أعيش فيها، وأعتقد أن تغيير البيئة مفيد كثيراً في علاج الوساوس لأن مصادر الوساوس سوف تختلف، وحقيقة وساوسي غريبة، فأنا لا أعتقد أنها قهرية، أي تجبرني على عمل معين، وأنا فقط أهتم بنظرة الآخرين لي.

وأنا مثلاً أهتم ببعض الأمور التي أرى أنها تافهة جداً، لكن أعملها لكي ينظر الناس إلي بنظرة غريبة، حتى أنني عندما أخلع حذائي أضعه بطريقة معينة، وكذلك كل أغراضي الخاصة عندما أرتبها فإني أضعها بشكل مستقيم، لأنني أضع في بالي أن من يراني سوف يقول ما شاء الله إنسان مرتب ودقيق جداً، وأنا الآن معتاد على وساوس محددة ونمط معين من السلوك يتكرر يومياً، فمثلاً عند دخول دورة المياه عندي طقوسي الخاصة وترتيبات يجب أن أطبقها، مثلاً أغسل حوض الاستحمام دائماً قبل أن أغتسل خشية أن يكون فيه قذارة، وكذلك بعد أن أغتسل أنظف الحوض جيداً لكي من يدخل بعدي يعلم أنني إنسان نظيف جداً.

وهذه الطقوس إن لم أطبقها فسوف أشعر بقلق شديد، وفي مكان آخر أيضاً هناك طقوس محددة يجب أن أطبقها، فقررت أن أغير من البيئة هذه لفترة معينة وأعيش في شقة وحدي وأعتذر لأهلي بأنني مسافر ثم انفرد مع نفسي وأواجه هذه الوساوس بكل عزم وقوة وأحاربها، وكذلك أواجه العالم الخارجي وأعود نفسي على الاختلاط بالناس لكي أتخلص من مشكلتي الثانية وهي الرهاب الاجتماعي، وأحاول أن أطبق خلال هذه الفترة مهارات العلاج السلوكي إلى جانب الأدوية، فما رأيكم في هذه الفكرة؟ وهل تعتقد أنها فكرة ناجحة؟

وإذا قلت لي: لماذا لا تطبقها في البيت؟ فأنا بصراحة لا أريد أن يشعر أحد من أهلي بمشكلتي لأنني أقضي وقتاً كثيراً عند قيامي بأموري اليومية، وكذلك أنتم تعلمون عند تطبيق العلاج السلوكي يمر الإنسان بفترة عصيبة وضغوط واكتئاب، وأنا لا أريد أن أضايق أحداً من أهلي بسبب ما أعانيه، فهل ترون أن هذه الفكرة سوف تكون ناجحة؟ وهل مدة أسبوعين قد تكون كافية للتخلص من الوسواس القهري وكذلك الرهاب الاجتماعي؟

وفيما يتعلق بالرهاب فأنا أهاب التجمعات والمقابلات وتحدث لي ربكة شديدة وتوتر عندما أكون في وضع مراقبة من قبل أحد، حتى وإن كان شخصاً واحداً هو الذي يراقبني، وبالأخص عندما أكون في طريق ويكون هناك عدة أشخاص في هذا الطريق لكن كل شخص بمكان، فتجدني أنظر لهذا وذاك وأحس أنني سوف يغمى علي لأنني صعب أن أركز على كل هؤلاء الأشخاص، فأريد استخدام الزيروكسات لأني قرأت عنه أنه فعال في علاج الرهاب الاجتماعي، ولكن لا أعلم عن فعاليته في علاج الوسواس القهري، فما هي الجرعة والفترة التي سوف أستمر عليها وكيف أزيد الجرعة؟ وهل ترى أن الزيروكسات يكفي لعلاج الاضطرابين أم أستخدم الزيروكسات للرهاب ودواء آخر للوسواس؟!

وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ بندر حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأتفق معك تماماً أن الوساوس القهرية مرتبطة بالبيئة وتنشأ في البيئة وهي متعلمة ومكتسبة، فنرى على سبيل المثال أن الوساوس ذات الطابع الديني تكثر في مجتمعنا لأنه بفضل الله تعالى مجتمع من المجتمعات المتدينة، وتجد في بعض الدول الغربية وساوس الناس تتعلق بالأقمار الصناعية والأشياء المتداولة في بيئاتهم.

ولا شك أن طريقة العلاج متفق عليها ولا يوجد أي خلاف حول وسائل العلاج، ووسائل العلاج تنقسم إلى ثلاثة أو أربعة أقسام كما تعلم:

الجزء الأول هو التفهم والقناعة الكاملة بأن الذي يعاني منه الإنسان هو وساوس قهرية، ثم بعد ذلك يقوم الإنسان بتحليل هذه الوساوس، هل هي أفعال؟ هل هي طقوس؟ هل هي أفكار؟ هل هي خيالات؟ هل هي مخاوف؟ هل هي شكوك؟ ويفضل أن يكتبها الإنسان بتفاصيلها، ثم بعد ذلك يدخل في مرحلة العلاج السلوكي الجاد، وهو أن ينظر في كل أجزاء الوسواس أياً كان نوعها، ويقوم بعد ذلك بتحقير الفكرة أو الفعل، ثم بعد ذلك القيام بما هو مضاد له وعدم اتباعه، فهذه هي المبادئ السلوكية الأساسية، وتأتي المرحلة الثالثة وهي العلاج بالأدوية، وبالطبع مرحلة العلاج السلوكي ومرحلة العلاج الدوائي هي مرحلة متزامنة مع بعضها البعض، وفي بعض الناس حين تكون الوساوس شديدة ولا يستطيع تطبيق العلاج السلوكي ننصحه بأن يتناول الدواء لمدة أربعة أسابيع ثم بعد ذلك يبدأ في تطبيق العلاج السلوكي فهذا يسهل لبعض الناس كثيراً.

وأما بالنسبة لفكرتك وهي أن تبتعد عن البيئة التي تعيش فيها وتذهب وتعيش في شقة من أجل تطبيق هذا العلاج السلوكي فأنا أحترم رأيك بالطبع، ولكن قد أختلف معك لأن الوساوس يجب أن تحارب في بيئتها، والوساوس من الضروري جدّاً أن تحارب في بيئتها الحياتية اليومية.

بمعنى أن تواجه وتطبق كل البرامج السلوكية في البيئة نفسها، فهذا يعتبر هو الوسيلة الأنجع والأفضل أن تعزل نفسك في بيئة معينة حتى ولو كان ذلك لفترة معينة بقصد العلاج لا أرى أن فعالية العلاج سوف تكون جيدة، لأنك حين تأتي وتواجه البيئة الحقيقية سوف تواجه نفس المشكلة، فعلى سبيل المثال إذا ظللت أنت في شقة وحدك، فوساوس الحمام لا شك أنها سوف تنتهي تلقائياً لأنك تعرف أن هذا الحمام لا يستعمله إلا أنت ولا يوجد شخص آخر سوف يدخل فيه فهذا لن يكون مفيداً.

وأنا أنصحك على سبيل المثال أن تذهب وتستعمل الحمام العام، وقد ترى أن هذا أمر فظيع وأمر مخيف، ولكن صدقني أن هذا يعرف باسم العلاج السلوكي الإطنائي، أي أن تأخذ جرعة كبيرة ومعقولة من التعرض لمصدر الخوف، وكثير من الناس شعروا بالخوف في تطبيق مثل هذه التمارين، وفي الآخر نجحوا نجاحاً كبيراً، إذن أخي أن تعزل نفسك فلا أرى أن تطبق العلاجات السلوكية وأنت في البيئة والمحيط الذي تشعر فيه.

وهذا إن شاء الله سوف يجعلك تنجح كثيراً، ولا مانع أبداً من أن تستفيد من أحد المعالجين من أجل التوجيه ومن أجل أن تتخذه قدوة، فعلى سبيل المثال الأشخاص الذين لديهم مشكلة في مواجهة الأوساخ، ونحن كمعالجين كثيراً ما نقوم بوضع أيادينا أمام المريض ونمسك بيده ونضع أيادينا في مصدر الأوساخ، وبعد ذلك لا نغسل أيادينا لمدة خمس أو عشر دقائق، وبعدها نأتي بماء في كوب - كمية محددة ومعروفة -، ثم نتأمل في كمية هذا الماء، ونعرف أنه لا يوجد ماء غيره ثم بعد ذلك يغسل الواحد يده، فالوساوس يمكن أن تعالج بصورة فعالة جداً إذا كان لدى الإنسان القناعة والقوة والدافعية لمواجهتها.

وبالنسبة لما ذكرته من مخاوف اجتماعية فالمخاوف الاجتماعية التي تنتابك تحمل الجانب السلوكي والطقوسي أيضاً، وهي فيها الجانب السلوكي الوسواسي الطقوسي، وهي في رأيي مرتبطة بالوساوس القهرية التي تعاني منها، إذن مبدأ العلاج سوف يكون واحداً وهو التجاهل وعدم الاتباع والتحقير والقيام بالفعل المضاد، وكذلك بالطبع النقاش والحوار الداخلي من أجل إقناع الذات.

ولابد أيضاً من أن تطبق العلاجات السلوكية الخيالية، أي أن تجلس وأنت في خيالك وتتأمل أنك تعرضت لهذه المواقف التي تسبب لك المخاوف والوساوس، وقمت بعمل مضاد ولم تتبع الوساوس، فهذه هي الوسائل الطيبة جداً والفعالة جداً من الناحية السلوكية.

وأما من ناحية الأدوية فمعظم الأدوية التي تعالج الوساوس حقيقةً هي تعالج المخاوف الاجتماعية والتوترات، والزيروكسات يعتبر من العلاجات الجيدة ومن الأدوية الطيبة جداً، ولكن يلاحظ أن علاج الوساوس القهرية وحتى المخاوف الاجتماعية يتطلب جرعة أكبر ليست هي الجرعة التي نستعملها في علاج القلق العادي أو الاكتئاب مثلاً، فمثلاً بالنسبة للزيروكسات جرعة البداية هي نصف حبة 10 مليجرام يومياً يتناولها الإنسان ليلاً بعد الأكل، ثم بعد ذلك ترفع هذه الجرعة إلى حبة واحدة بعد أسبوعين، وبعد مضي أسبوعين أيضاً ترفع الجرعة إلى حبتين تستمر عليها لمدة شهر.

وإذا لاحظت أي نوع من التحسن المعقول تواصل على الجرعة نفسها وهي 40 مليجرام، أما إذا لم يكن هناك تحسن واضح فترفع الجرعة إلى 60 مليجرام في اليوم وهذه هي الجرعة القصوى المطلوبة، وتقسم الجرعة إلى حبة في الصباح وحبتين في اليوم، وأقل مدة مطلوبة للاستمرار على هذه الجرعة هي ستة أشهر، ثم بعد ذلك تبدأ في تخفيض الجرعة بمعدل نصف حبة كل أسبوعين، حتى تتوقف عن الدواء.

والزيروكسات دواء فعال وممتاز وربما يؤدي إلى زيادة في الوزن، وهناك أيضاً من قد تحدث له بعض الصعوبات الجنسية البسيطة، وإن كان هذا الأمر أمراً خلافياً، فالزيروكسات لا يعطل ولا يوقف الرغبة الجنسية، ولكنه ربما يؤخر القذف عند الرجال وربما يسبب ذلك بعض المضايقة لبعض الناس، فهذا بالنسبة للزيروكسات.

والدواء البديل للزيروكسات هو الفافرين، والفافرين يتميز بأنه يعالج الوساوس، يعالج المخاوف أيضاً بنفس المستوى، ولا يسبب زيادة كبيرة في الوزن، كما أن آثاره الجنسية السلبية أقل كثيراً، وجرعة الفافرين هي 50 مليجرام ليلاً وبعد ذلك ترفع هذه الجرعة بنفس هذا المعدل أي 50 مليجرام كل أسبوعين، حتى تصل إلى 300 مليجرام في اليوم، تؤخذ بجرعة 100 مليجرام في الصباح، و200 مليجرام ليلاً، وأقل مدة للعلاج على الجرعة الكاملة وهي 300 مليجرام يجب أن تكون ستة أشهر، وبعدها يتم التوقف التدريجي، وهو إنقاص الجرعة بمعدل 50 مليجرام كل أسبوعين حتى يتم التوقف عنها.

وهناك دراسات كثيرة تشير إلى أن إعطاء جرعة صغيرة جداً من بعض الأدوية التي تستعمل أصلاً في علاج الذهان مثل العقار الذي يعرف باسم رزبريدون، هذه الدراسات الحديثة تشير أن هذا الدوام يدعم كثيراً العلاجات الأخرى في إزالة الوساوس، فلا مانع أبداً أن تتناول الرزبريدون بجرعة 1 مليجرام، وهي جرعة صغيرة جداً وتعتبر جرعة تدعيمية، فتناوله بجرعة واحد مليجرام ليلاً مع الداء الذي سوف تختاره وهو إما الزيروكسات وإما الفافرين.

وأنا على ثقة كاملة بأن تطبيقك للعلاجات السلوكية وأن تكون لك القناعة بفعاليتها مع تناول الدواء فهذا إن شاء الله سوف يساعدك كثيراً.

وأما فيما يخص رأيك أن تذهب إلى بيئة مخالفة وتنعزل قليلاً عن الناس فهذا لا أعتقد أنه يكون مجدياً مع احترامي الشديد لرأيك.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً