الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تأثير أخطاء الماضي على الصحة النفسية وكيفية تجاوز ذلك

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

كنت أشتكي من أن أخطاء الطفولة تسبب لي الكثير من الآلام في الوقت الحاضر، وأني أصبحت غير قادر على التركيز في الفترة الحالية؛ نتيجة استمراري في تذكرها، وقد ذهبت إلى طبيب نفسي وبدأت العلاج على أنه وسواس قهري فتناولت زيروكسات وأنافرانيل وتفرانيل، وقد استمررت في تعاطي هذه الأدوية أربعة أشهر ولكنها حقيقة لم تأت بنتيجة؛ فشعرت بأني أتناول مخدرات تجعلني نائماً لمدة 15 ساعة يومياً، وباقي اليوم أكون في منتهى الإرهاق، فتوقفت عن العلاج وأخذت فترة هدنة لأراجع الأمور من البداية فوجدت أني اعتقدت خلال الفترة الماضية أن المشكلة في عدم قدرتي على نسيان الماضي، وعدم قدرتي على تجاوزه، ولكن الحقيقة أن عقلي استخدم أخطاء الطفولة كوسيلة لتبرير ما يواجهني من أعراض حالية، وأن الحقيقة هي أن الماضي لا يسبب أي مشكلة؛ لأني قادر على فهم طبيعة الأخطاء الماضية وتجاوزها، إذن ما هذه الأعراض التي فسرها عقلي بطريقة خاطئة والتي تعتبر السبب في كل هذا؟ هي ما يلي:

1- عند التركيز في عمل شيء معين كالمذاكرة والصلاة واللعب أشعر بوجود ضغط نفسي رهيب علي، وقلق شديد ونوع من الطاقة السلبية والإحباط، وأجد عقلي ينطلق بقوة نحو أي شيء آخر غير الذي أريد التركيز فيه، وقد ينطلق إلى الماضي والطفولة، ولذلك في البداية اعتقدت أن المشكلة هناك، ولكنه في الحقيقة ينطلق نحو أي شيء يسبب لي القلق.

2- لا أستطيع أن أبدأ في أي عمل، وإذا بدأت سرعان ما يعاودني عدم الرغبة وتعاودني الأعراض السابقة، وأشعر بالأرق الدائم.

3- أشعر بوجود غيمة على عقلي وعدم قدرتي على تنظيم الأفكار، وأغرق دائماً في الأفكار، وأشعر بالتمللّ.

4- الشعور باكتئاب نهاري يخف بعض الشيء ليلاً، وأحس بآلام في أماكن متفرقة في جسدي، مع العلم أنها آلام وهمية لأني راجعت الطبيب أكثر من مرة.

5- علاقتي مع الناس أشعر دائماً فيها بالقلق، لذلك أجعلها دائماً سطحية، والقلق الذي أعنيه هنا قلق مبهم وليس تجاه شيء معين أو أشخاص بعينهم حتى في علاقتي مع أسرتي.

وبالطبع عقلي ينهك من بعض هذه الأعراض، فتجدني أتجه إما للأكل - وقد زاد وزني 20 كيلو في العامين الأخيرين مع أني كنت في منتهى الرشاقة، أو إلى الانعزال والانطواء أو إلى - مع الأسف - ممارسة العادة السرية.

وأسئلتي هي: هل كل أدوية الأمراض النفسية مخدرة ومنهكة وتزيد الوزن وتؤدي إلى الشلل العقلي؟ لأني بدأت أشعر أن الأدوية النفسية وهمٌ، وأن الموضوع لا يتعدى المخدر، فما الذي علي فعله بالضبط؟ وهل أذهب إلى طبيب نفسي أم أصرف الدواء من الصيدلية مباشرة أم ماذا؟

وحقيقة فإن جميع الأطباء يعطون نفس الدواء، فما هي فرصي في العلاج وعودتي إلى حياتي الطبيعة؟ مع العلم أني طالب في كلية الهندسة قسم الكمبيوتر، يعني أحتاج إلى كل ذرة عقل عندي.

وفي النهاية: أكاد أجزم بأن مرضي قائم على الوهم، أي أن عقلي يشعرني بهذه الأعراض ولكني غير قادر على تجاوز هذا الوهم والإيحاء العقلي، ولا أعرف لماذا! ولا أظنها ضعف إرادة؛ فلقد خضت أهوالاً كثيرة ومحاولات عدة من أجل العلاج، فأين الطريق لاستعادة سيطرتي على حياتي؟

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Khaled حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فقد سردت ما واجهك من صعوبات وأعراض نفسية وهي واضحة جداً بالنسبة لي، وأود أن أبدأ بأن أؤكد لك أنني أتفق معك أن أخطاء الماضي لابد من تجاوزها، وأنت سميتها أخطاء، وأنا ربما أقر بذلك ولكن أؤمن إيماناً قاطعاً أن صعوبات الطفولة يجب أن تكون وسيلة لتطوير الحاضر والمستقبل، فهي تجارب لابد للإنسان أن يستفيد منها ويجب أن لا يعيشها في حاضره أو يتعايشها، وهذا يعتبر ضرورياً جداً.

والكثير من علماء النفس يرى أن هذه التجارب لا تمثل فشلاً، إنما هي تجارب وهي ليست أكثر من ذلك، والتجربة تختلف من إنسان إلى إنسان في طريقة استقبالها وتفهمها وتحليلها، ويستطيع الإنسان أن يستنبط من تجاربه أشياء كثيرة، ففيها ما هو إيجابي وفيها ما هو سلبي، ومن المهم جداً أن نركز على ما هو إيجابي، وأنت الحمد لله الآن تحاول أن تتجاوز هذه المرحلة التي مرت من تاريخ حياتك، ولكن لا شك أن تكرار ومعاودة هذه الأفكار والتجارب السالبة السابقة انعكس سلباً على حياتك النفسية الحاضرة، فعليك بالمزيد من الجهد في أن تنظر لها بإيجابية، وأن تنظر لها كوسيلة تساعدك لتقوية حاضرك ومستقبلك.

وبالنسبة للأدوية التي وصفت لك وهي البروزاك والأنفرانيل والتفرانيل فأنا أتفق معك أن الناس تختلف في تفاعلها كثيراً مع هذه الأدويةِ، والأنفرانيل يمكن أن يكون أكثر الأدوية التي أدت إلى هذا الشعور بالتخدير والنوم الزائد، وعموماً هذه أيضاً مرحلة قد تجاوزتها والحمد لله، ولا أريدك أن تبني أفكاراً سلبية حول كل الأدوية، فهناك أدوية جيدة وطيبة جداً، ويمكن للإنسان أن يستفيد منها كثيراً، فقط تتطلب الالتزام القاطع ولابد للإنسان أن يساعد نفسه أيضاً بوسائل العلاج غير الدوائية.

وفي رأيي أن أهم ما ورد في رسالتك أيضاً هو أنك تعتقد أن الأعراض التي تعاني منها قائمة على الوهم، وأنا لا أعتقد ذلك، فأنت تعاني من أعراض جادة وأنت لا تتصنع ولا تتوهم، وأنا لا أراك ضعيف الإرادة مطلقاً، فهذه الأعراض بالطبع واضحة جداً تدل على أنك تعاني من اكتئاب نفسي، وهذا الاكتئاب قائم في الأصل على التفكير السلبي والقلق التوقعي، والإكثار والاسترسال في الأفكار السلبية والتوقعات غير الطيبة والمتشائمة هي التي أدت إلى تولد المزاج الاكتئابي، والمزاج الاكتئاب بعد ذلك أدى إلى مزيد من التفكير السلبي، وهكذا دخلت في هذه الحلقة والإطار المفرغ.

إذن أنت لا تتوهم، أرجو أن لا تتهم نفسك بالتوهم مطلقاً، ولا أعتقد أنه ضعف في الإرادة، ولكن بالطبع تقوية الإرادة تساعد في التخلص من هذه الأعراض بدرجة كبيرة، فالإصرار على التحسن في حد ذاته وسيلة علاجية طيبة جداً وفعالة، فأنا أريدك أن تنتهجها وأنت لديك مقومات التحسن؛ فأنت في مقتبل الشباب، وكل محتويات رسالتك تدل على مقدراتك المعرفية العالية، فلماذا لا يتم استثمارها في التحصيل من أجل التفوق والتميز؟!

والآن أود أن أجيب على ما ورد في رسالتك بخصوص الأدوية النفسية، فالأدوية النفسية لا تؤدي كلها إلى التخدير أو التهدئة ولا تؤدي إلى زيادة الوزن، وهناك تفاوت كبير بين هذه الأدوية، فيها ما يؤدي إلى زيادة الوزن، وفيها ما يؤدي إلى نقصان الوزن حتى، ولذا المبدأ الطبي النفس السليم هو أن يعطى للإنسان العلاج المناسب والصحيح بعد التشخيص الصحيح وعن طريق الطبيب الصحيح وللمدة الصحيحة، فأرجو أن تطمئن من هذه الناحية.

وأنا لا أتفق معك أن الأدوية النفسية دورها تخديري فقط، فهذه ليست حقيقة، وهناك من الناس من يعاني من القلق والتوتر للدرجة التي لا يستطيع أن يجلس في مكان واحد، وهذا بالطبع يتطلب نوعا من الأدوية التي تحمل بعض سمات التهدئة، فهي ليست مخدرة والأطباء الآن على وعي كامل ويضعون الآثار الجانبية وسلامة الأدوية في جدول أسبقياتهم.

وسوف يكون بالطبع من الأفيد أن تذهب إلى طبيب نفسي، ومصر الحمد لله تزخر بكثيرٍ من الأطباء المتميزين والمتفوقين، وإذا أردت أن نصف لك علاجاً لا مانع في ذلك أبداً، وأنا أرى أن البروزاك سوف يكون دواءً مناسباً، فالبروزاك من الأدوية المضادة للاكتئاب والوساوس والقلق والتوتر، وهو في الأسواق منذ عام 1988م، وقد أثبت فعاليته وجدارته، ويتميز بأنه لا يؤدي إلى أي نوع من التخدير، كما أنه لا يؤدي إلى زيادة في الوزن مطلقاً، بل على العكس تماماً ربما يقلل الوزن.

وكل الآثار الجانبية التي تنتج منه هو أنه ربما يؤدي إلى عسر في الهضم وزيادة في الأحماض في الأيام الأولى للعلاج، وهذه يمكن التخلص منها بأن يتناول الإنسان الجرعة بعد أن يتناول الطعام، كما أنه ربما يؤدي إلى تأخير بسيط في القذف لدى بعض الرجال، وهو لا يؤدي إلى آثار سلبية أخرى.

وجرعة البروزاك بالنسبة لك هي 20 مليجرام ليلاً أي كبسولة واحدة لمدة شهر، ثم بعد ذلك ترفع الجرعة إلى كبسولتين وتستمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم تخفضها إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ثلاثة أشهرٍ أخرى، ثم تتوقف عن تناول البروزاك.

وبالطبع لابد أن تدعم الدواء بالبرامج السلوكية الأخرى، فالتفكير الإيجابي والإصرار على التحسن وتنظيم الوقت والتواصل والرياضة، هذه كلها إن شاء الله أشياء مفيدة جداً وتعتبر علاجاتٍ نفسية متميزة لمن يأخذ الأمور بجد ويجتهد في تطبيق هذه الإرشادات، وأنا أرى أنك سوف تكون طبيعياً جداً، بل سوف تكون متميزاً بإذن الله تعالى، فأنت صاحب مقدراتٍ واضحة .

وأخيراً: أود أن أنبهك لشيء مهم وبسيط في نهاية هذه الرسالة وهو ضرورة التوقف عن ممارسة العادة السرية، فهي تهزم الذات ويشعر الإنسان في لحظةٍ ما أنه يحقر نفسه وذلك بجانب ما تسببه من مشاكل جنسية مستقبلية، وفوق ذلك لم يقرها ديننا الحنيف.

أسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً