الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الزواج من امرأة تحادث الرجال وتصادقهم، ما رأيكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في البداية أود أن أشكركم على جميل صنعكم في هذا الموقع الذي ينفع الله به -جل وعلا- به عامة المسلمين.

أنا شاب عمري 25 عاماً، أعمل محاسبا في إحدى الشركات الخاصة، مشكلتي أنني التقيت بفتاه زميلة لي في العمل على قدر من الجمال والأخلاق تحمل الكثير من المعاني الجميلة، أحببتها ولكني من تعاملي معها وجدت أنها تعرف الكثير من الشباب على سبيل الصداقة البريئة، بل هناك من هم على غير ديننا، نصحتها بأنه لا توجد علاقة صداقة بين شاب وفتاة؛ لأن ذلك لا يصح، ولكنها تصر أن ذلك من عوامل التحضر؛ لأنها تجد من يهتم بها ويستمع إلى مشكلاتها ويساعدها في حلها وهو لا يريد منها مقابلا.

رأيتها تتحدث مدة طويلة إليهم من خلال الهاتف بهدف الاستماع إلى مشكلاتهم والمساعدة في حلها.

أنا أخاف عليها لأنني أحبها بصدق، وأرى فيها الكثير من الخير، وضحت لها أن عبارة (أنني أجد من يستمع إلى مشاكلي) ما هي إلا الباب الواسع للشيطان الذي يكون له مسالك ودروب لا يعلم مداها إلا الله، أخاف عليها أن تستمر حتى تصدم، وفي هذه الحالة سوف تسمى المسميات بأسمائها الطبيعية، وتعرف أنه لا توجد صداقة بين شاب وفتاة.

أريد أن أنقذها من ذلك المستنقع التي هي فيه، وخصوصاً أنه لا توجد لديها سابق خبرة؛ لأنها خريجة كلية البنات، وطوال دراستها لم تخالط شباباً مثل باقي الكليات؛ لذا أخاف أنها تريد التجربة، ولكن مع إقناع نفسها أن تلك صداقة، ولا أفوت هذه الفرصة، وأناجي كل أمِّ أن تتقي الله في تربية بناتها، ولا تترك لها فراغا حتى تبحث عمن يملؤه؛ لأنها أمّ الغد.

دلوني بالله عليكم ماذا أفعل كي أنقذ من أحببت.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله -تبارك وتعالى- أن يبارك فيك وأن يثبتك على الحق وأن يرزقك الهدى والتقى والعفاف والغنى وأن يُكرمك بزوجة صالحة عفيفة فاضلة تسرك إذا نظرت إليها وتطيعك إذا أمرتها وتُرزق معها بالذرية الصالحة الطيبة المباركة.

بخصوص ما ورد برسالتك: فإن الاختلاط المقيت الممقوت الذي أصبح سمة غالبة للمجتمع المسلم ما ترك خيراً إلا وحاول أن يُفسده، فهذه الفتاة المسكينة التي جاءت من كلية غير مختلطة والأصل فيها أنها درست قدراً من العلم الشرعي إذا كانت في كليات البنات الإسلامية إلا أنها درست دراسة نظرية وخرجت إلى الواقع العملي ورأت هذا الانفتاح المبهر وهذه العلاقات الحميمة ما بين الرجال والنساء فظنت أن هذا الأمر هو الصواب وأنه هو الخير وأنه لا فرق بين رجل وامرأة، كما يغذي الإعلام الفاسد عقول الفتيات والشباب والشابات، بل وعقول الناس جميعاً، بل إن بعض النساء تقول أنا أفضل من ألف رجل، وأنا أستطيع أن أدافع عن نفسي وأنا وأنا، كل هذا الكلام الباطل الذي لا أساس له من الصحة؛ لأن الله -تبارك وتعالى- هو الذي خلق الإنسان ويعلم ما يصلحه مما يفسده، (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير)، [الملك:14].

فالله -جل جلاله- ما وضع هذه الضوابط سدىً ولا وضع هذه الأحكام هباءً أو عبثاً، وإنما وضعها لحكمة يعلمها لأن الرجل بطبيعته يميل إلى المرأة والمرأة بطبيعتها تميل إلى الرجل؛ ولذلك نهى عن المصافحة ونهى عن الخلوة ونهى عن الاختلاط ونهى عن الدخول على المرأة التي غاب عنها زوجها، كل ذلك بقصد الحفاظ على المرأة وعلى عفتها وشرفها وحيائها؛ لأنها قد تضعف خاصة وأن إغواء المرأة الجاهلة أمرٌ وارد جدّاً، امرأة ليس لها تجارب ولا تعرف كثيراً من حيل الشيطان فما أسهل أن تقع مع أي شِراك يُنصب لها، ولذلك أقول:

إن هذه الفتاة التي تتحدث عنها عليك أولاً أن تنصحها نصيحة واضحة، ولكن هذه النصيحة تكون لله -تبارك وتعالى- لا تكون بقصد أنك تحبها حتى لا تفسد نيتك؛ لأن العمل إذا كان خالصاً لله كان موفقاً وكان مؤثراً وكان نافعاً، أما إذا كان العمل ليس لله تعالى أو هناك شيء من حظ النفس فسيجانبه التوفيق. ولكن كلمها على أنها أخت مسلمة عادية وبيِّن لها بياناً واضحاً، ومن الممكن أن تستعين ببعض المطبوعات -الكتب أو الكتيبات- التي تتكلم عن محاذير الاختلاط أو بعض الأشرطة التي فيها كلام علمي للعلماء الثقات لتبين لها حكم هذا الاختلاط، وحكم إقامة علاقات مع شباب أغراب بالنسبة لها؛ لأن هؤلاء كلهم أغراب، حتى وإن كانوا يتكلمون معها بصيغة الأخوة أو المودة أو الصداقة، فهم في جميع الأحوال لا يحل لهم أن يتحدثوا إليها ولا يحل لها أن تتكلم معهم، لا لساعات طوال ولا قصار، وإنما أقصى ما فيه إنما هي علاقة العمل ولا أكثر من ذلك، هذه طبعاً باعتبار أنها على قدر من الجمال فهي ترى نفسها مرغوبة، وأشعر بأن لديها عقدة نقص، فإن لديها نقصاً مركباً في داخلها وهي أنها تريد أن تستثمر هذا الجمال في تكوين علاقات مع أكبر عدد ممكن من الرجال.

نعم قد تكون علاقات بريئة ولا تتعدى حدود الكلام، ولكن المهم أنها تشعر بأنها مهمة وسط قطيع الشباب الجائع فهذا ينظر إليها وهذا يتكلم معها، وإن لم يحدث بينهم شيء مما حرم الله، إلا أنه نوع من الإشباع النفسي، وهذا دلالة على وجود نقص في نفسيتها، شعور داخلي بالنقص فهي تريد أن تستثمر هذا القدر من الجمال في الحصول على أكبر قدر من المعجبين وأن تشعر أنها وسط دائرة الضوء، وأنها مرجع وملاذ، فمن عنده مشكلة يرجع إليها، ومن عنده مصيبة يتحدث إليها، ومن أراد مشورة فليتكلم معها، تريد أن تمارس دور العمدة أو دور شيخ البلد أو دور رئيس العمل، تريد أن تكون كذلك لعلها كانت تشعر بنوع من النقص في تربيتها أو لعلها شعرت بالدونية في حياتها الأولى، فتريد أن تعوضها الآن بعيداً عن الضوابط الشرعية.

مثل هذه الفتاة لا تصلح أن تكون زوجة بمعنى الكلمة؛ ولذلك أقول لك -أخي محمد-: انصحها لله تعالى، نصيحة بيِّنة واضحة، وبيِّن لها حكم الشرع، إذا لم تكن قادرا على إيصال رسالة بيِّنة واضحة لها فيمكنك أن تستعين -كما ذكرت- ببعض المواد التي تعينك في أداء هذه المهمة أو أن تقول لها اسألي أهل العلم من الثقات، لأنها قد تسأل بعض الناس فيقول لها بأنه ليس فيه شيء مادامت نيتك سليمة وليس هناك خلوة فإن الأمر عادي، وهذا زميلك في العمل واعتبريه مثل أخيك، فقد تجد من يفتيها مثل هذا الكلام الذي لا يُعجبك وليس بشرعي.

ولكن أقول: ممكن أن تسأل إذا كنت جاداً في الارتباط بها، فإن استجابت ووجدت أنها بدأت تنضبط وتضع النقاط على الحروف، فلك أن تتقدم إليها، وإذا لم تستجب فأنصحك أن تتركها، لأنها لا تصلح لك، مثلها سيتعبك جدّاً، لأنك لا تأمن أن تتكلم مع أي واحد، حتى وإن منعتها لأنها كما ذكرت لك تشعر بنقص داخلي، تريد أن تكون وسط دائرة الأضواء، وأنت إن عقدت عليها أو خطبتها قد لا تستطيع أن تتخلص من هذا الأمر بسهولة مما يسبب لك مشاكل معها، لأنها ستتهمك بأنك تشك فيها وأنك لا تثق فيها، وأن غيرتك زائدة، وأنك رجل مريض وتفتح أمامك ملفات لا نهاية لها.

فأنا أقول: ابدأ بداية صحيحة من أول الأمر، فإذا كانت لديك نية الارتباط بها شرعاً فابدأ معها أولاً ببيان الحكم الشرعي لتصرفاتها، فإن كان فيها خير وإن كانت صادقة وإن كانت فعلاً رُبيت تربية طيبة فثق وتأكد بأنها سوف تُقلع وسوف تستجيب لداعي الله تعالى.

أما إذا كانت -كما ذكرت لك- فإنها لن تقبل منك شيئاً، وفي تلك الحال إياك أن تفكر في الارتباط بها لأنك وحدك الذي ستدفع الثمن غالياً، فكثير من الرجال تنازلوا ويجد زوجته تتكلم مع مديرها في العمل أو زميلها بالساعات حتى أمام عينيه في داخل البيت وتقول له: أنت تعلم أني كنت أتكلم مع هؤلاء قبل الزواج فلماذا تعترض الآن؟

أتمنى لك التوفيق، وأسأل الله أن يوفقك للخير وأن يعينك على اتخاذ القرار المناسب الذي يخدم دينك ولا يتعارض مع فطرتك، وإذا كان فيها من خير فأسأل الله أن يوفقك لها وألا يحرمك إياها، وأن يعينها على طاعته ورضاه، وإن لم يكن فيها من خير فأسأل الله أن يصرفها عنك وأن يصرفك عنها، وأن يرزقك خيراً منها إيماناً وجمالاً وتقىً وعفةً وحياءً، والنساء غيرها كثير.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً