الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العنوسة وألم الوحدة تساؤولات وحلول

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة أخاف الله سبحانه وأتقيه ولله الحمد، ولكنني حصلت معي في الآونة الأخيرة مشاكل شتى بسبب بُعدي عن كتاب الله وحاجتي الشديدة لملء حياتي بنصفي الآخر الذي قد يساعدني على تحمل الحياة، وقد انتظرت فارس أحلامي سنين طوال ولم يأت أي شخص ليتقدم لخطبتي، فلعب الشيطان الرجيم بعقلي وتبعت طرق الهوى الوهمية، وتعرفت على شخصين كل منهما لفترة، واعتقدت أننا تبادلنا الحب وأنني سأتزوج قريباً، ولقد كان هذا من غباء النساء، بل إنه من الحاجة النفسية والأنثوية بداخلي لشخص يشعرني بوجودي.

ويعلم الله أنني تبت لوجهه الكريم توبة نصوحاً، وأقلعت عن طريق الشر والعصيان، ولم يحدث شيء أخسره أو أنني أندم عليه طيلة حياتي سوى مكالمات عابرة تخللها ضرس الشيطان اللعين، والآن ما زلت أشعر بالتعب الشديد وأريد الحلال الذي ارتضاه لي الله.

وحاجتي كل يوم تزداد عن اليوم الذي سبقه، ولا أحد يطرق بابي، وأخاف على نفسي كثيراً، وقد حاولت أن أشغل نفسي بتدارس القرآن الكريم وحفظه ولكنني ما زلت أرغب بالحلال، فشعوري بعنوستي يقتلني، ولقد تعلقت بشخص قريب لي ولم أره ولكنني تعلقت بسيرته وأخلاقه وطموحه ولكنني لا أعلم كيف لي أن أوصل له بأنني أرغب به في الحلال، فهل يصح لي أن أبحث عن زوج بهذه الطريقة؟ وهل يصح لي أن أخبر هذا الشخص بأنني تمنيته منذ سنين؟

وإذا كان الأمر جائزا فكيف أفعل ذلك؟ لأنه قد يفهمني خطأ ويعتقد بأنني فاسدة أو أنني فتاة لعوب، وأنا لا أريد إلا الحلال وأريد التوبة للأبد وأريد حماية نفسي، فالشيطان لن يدعني أجاهده أكثر مما أفعل، فالفراغ والوحدة عاملان يساعدان على تلاعبه بعقلي.

وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يفرج كربتك وأن يقضي حاجتك وأن يغفر لك، وأن يسترك في الدنيا والآخرة وأن يثبتك على الحق، وأن يمنَّ عليك بزوج صالح يكون عوناً لك على طاعته ورضاه.

وبخصوص ما ورد برسالتك، فإنني أحمد الله تبارك وتعالى أن منَّ عليك بهذه النعم العظيمة، فالخوف من الله تبارك وتعالى وتقواه من النعم العظيمة التي لا تقدر بثمن، فإن نعمة المال قد تعوض ونعمة الجمال قد تعوض، وأما نعمة الإيمان فإنها نعمة عزيزة، ولقد منَّ الله عز وجل عليك بهذه النعم العظيمة الرائعة، وقد بشرك الله تبارك وتعالى بقوله: (( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ))[الرحمن:46]، وأخبرنا بقوله: (( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ))[القمر:54-55]، فهنيئاً لك هذه النعمة العظيمة.

حتى وإن كنت قد ضعفت في بعض الأحايين وتكلمت مع هذين الشابين محاولة للخروج من الواقع الذي أنت فيه إلا أنه لم يحدث بينكما شيء مما يحدث عادة بين الناس وبين الشباب خاصة الراغبات في ذلك، فالحمد لله أن الله قد لطف بك ولم يحدث هناك تجاوزات تجعلك تندمين الندم القاتل أو تضحي بشيء لا يمكن تعويضه، فاحمدي الله تبارك وتعالى أيضاً أن سترك وجعل التوبة سهلة ميسورة، ولكن مهما كان الذنب فإننا لا ننظر إلى حجم الذنب ولكن ننظر إلى عظم من عصينا، إلا أنه تبارك وتعالى قال: (( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ))[طه:82].

ونسأل الله جل وعلا أن يتقبل منك توبتك وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وأن يسترك وأن يحفظك فيما بقي من عمرك من أن تقعي في زلة أخرى؛ لأن الشيطان الرجيم لعنه الله حريص على إفساد حياتك وحريص على تزيين الباطل لك لأن هذا عمله، فهو يقود الناس إلى الفواحش ثم يقودهم بعد ذلك إلى قعر جهنم لأنه لا يريد أن يكون في النار وحده، وأسأل الله عز وجل أن يبصرك بخطواته وأن يبصرك بكيده حتى لا تستسلمي له، ولا تغتري بكلامه بعد ذلك.

وأما قضية الزواج التي تشغلك فهي ليست قضيتك وحدك وإنما هي قضية كل فتاة تمر بمثل ظروفك، خاصة وأن سن الزواج بالنسبة لك قد تأخر قليلاً، وهذا الأمر هو الذي يدعوك إلى الانزعاج، ولكن - كما تعلمين - الله الجليل جل جلاله قدر المقادير وقسم الأرزاق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، والزواج من هذه المقادير والأرزاق، فإن الأرزاق تتنزل في ظروف معينة وفي أوقات معينة بمواصفات معينة، ولذلك فإن رزق الغد لن يأتيك في هذا اليوم مطلقاً؛ لأن هناك جدول لنزول الأرزاق والمقادير من السماء إلى الأرض، وهذا لا يتقدم ولا يتأخر أبداً، كما قال تعالى: (( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ))[الأعراف:34]، يستحيل أن يحدث هناك تغيير في هذا الأمر؛ لأن الكون كله قام على هذه المنظومة أن الأرزاق تتنزل في أوقات معينة بطرق معينة بأحوال معينة.

فهذه القضية لا دخل لأحد من البشر فيها أبداً، فقبل أن يخلق الله السموات والأرض خلق القلم وخلق اللوح، وقال للقلم: اكتب. قال: وما أكتب؟ قال: أكتب كل ما هو كائن إلى يوم القيامة، فثقي وتأكدي أنه لا يمكن أبداً أن يقع في ملك الله شيء ما أراده الله، فلا يقع في ملك الله إلا ما أراده الله، وقد قدر لكل امرأة حظها من الرجال، وقدر لكل رجل حظه من النساء، ولا يمكن أن يتغير هذا الأمر أبداً، ولذلك فإن لك زوجاً في علم الله تعالى، وهذا الزوج سوف يأتيك، ولكن في الوقت الذي حدده الله عز وجل.

وينبغي أن تعلمي أولاً أن الله رحمن رحيم، يعني طول هذه الفترة في صالحك، وحسب الظاهر أنها ليست في صالحك، ولكن من أدارك أنك إن تزوجت مبكراً أنك ستسعدين بزواجك؟! قد يكون فعلاً زوجة عمرها سبعة عشر عاماً أو تسعة عشر عاماً ولكنها تتمنى الموت فلا تجده من شدة المشاكل التي تعاني منها، ولكن لو نظرت إلى نفسك فأنت بفضل الله ورحمته أقل مشاكل من غيرك، ومشكلتك إنما هي الرغبة الداخلية لأنك تقومين بدورك الطبيعي، وحاجتك إلى تكميل النصف الآخر هو أمر عظيم وخطير، ولكن بالمقابل ليست هناك حاجات غير هذا الأمر تزعجك.

وأما كونك تخافين أن تضعفي والشيطان يستحوذ عليك بعد ذلك فهذا أيضاً لن يكون ما دمت ملتزمة بشرع الله تبارك وتعالى وحريصة على عدم الوقوع في الحرام، فإن الله لا يضيع أهله ولا يتخلى عن أوليائه أبداً، فالله عز وجل يقول في الحديث القدسي: (من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب)، فلا تظني أن الله يُسلمك بسهولة إلى الشيطان ليعبث بك ما دمت على هذا القدر من الخوف والخشية والتقوى بإذن الله عز وجل، ولكن الأمر يحتاج منا إلى دعاء وتضرع إلى الله تعالى أن يفرج كربتك، ولا يرد القضاء إلا الدعاء، فقد يكون سبق في علم الله أنك لن تتزوجي إلا بعد فترة من الزمن أيضاً ولكن مع الدعاء والإلحاح على الله يغير الله قدره ببركة الدعاء فيجعل الأمر يأتي عاجلاً، ولذلك فإن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء، فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد)، ويقول أيضا: (ولا يرد القضاء إلا الدعاء)، ويقول صلوات الله وسلامه عليه: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء)، إذن فاجتهدي في الدعاء غاية الاجتهاد.

وأما بخصوص قريبكم الذي قد رغبت فيه وتمنيته عبر السنين فلا يليق بامرأة صالحة مثلك أن تتصل به لتخبره بذلك؛ لأن الوضع الآن ليس كسابق العهد، فقد يفهمك خطأ ويظن أنك فاسدة ونحو ذلك، فهذا كله وارد لأن الأمور تغيرت عن السابق عندما كانت المرأة تخطب لنفسها لأنها كانت صحابية مع صحابي، أو صالحة مع صالح، وما كان الناس يظنون بالناس ظن السوء، وأما الآن فإن هذا منقصة وقد يشوه صورتك، بل إنه قد يغيرك مستقبلاً، ولو حدث بينك وبينه أي خلاف سيقول أنت التي كنت تجرين ورائي وأنت التي كنت تبحثين عني وأنت التي طلبتني وأنت التي عرضت نفسك عليَّ.

فعليك بسلاح الدعاء المستمر أن يغير الله حالك إلى أحسن حال وأن يكرمك الله عز وجل بالزوج الصالح، ولا تتصلي بهذا الأخ مطلقاً وإنما دعيه لله تعالى فإن الله سيسوق لك الخير إلى باب بيتك لأنه على كل شيء قدير، وأتمنى أن تجتهدي في البحث عن وسيلة تستنفذين معها هذا الفراغ القاتل الذي تعانين منه الآن، وما المانع أن تخرجين إلى مراكز التحفيظ إذا كان عندكم تحفيظ منضبط وملتزم، وما المانع أن تشتركي في أي عمل اجتماعي وإن كان بدون مقابل، وأيضاً عندكم حلقات تعليم وعندكم محاضرات وعندكم ندوات.

ومن الممكن أن تشغلي نفسك بالقراءة، وتجعلي لنفسك برنامجاً لحفظ القرآن ولو كل يوم صفحة من القرآن إن كان هناك فراغ، ولماذا لا تطلبين العلم الشرعي ولو عن طريق الإنترنت ولو عن طريق الكتب الموجودة، فضعي لنفسك برنامجاً، يعني مثلاً قد لا تكوني قرأت كتابا في الفقه فلماذا لا تقرئين الفقه من أوله إلى آخره وتستمعين إلى شرحه، ولماذا لا تقرئين العقيدة من أولها لآخرها، لماذا لا تقرئين السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي وهي شيء رائع، سيرة النبي عليه الصلاة والسلام وسير أمهات المؤمنين والصحابة والصحابيات، والدولة الأموية، والدولة العباسية، الدولة العثمانية، ومن الممكن أن تجدي وقت فراغ تستغلينه في هذا الأمر.

وأوصيك بكثرة الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام لأن النبي صلى الله عليه وسلم بشَّر من صلَّى عليه ببشارتين، قال: (إذن تُكفى همَّك ويُغفر لك ذنبك) أي يكفيك الله شر ما أهمك.

نسأل الله تعالى أن يثبتك على الحق وأن يبارك فيك وأن يسترك في الدنيا والآخرة وأن يمنَّ عليك بزوجٍ صالح يكون عوناً لك على طاعته ورضاه، وأن يقدر لك الخير حيث ما كان وأن يرزقكِ الرضا به، إنه جود كريم.

والله ولي التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً