الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علاج القلق والشكوك وسوء التأويل عند الزوجة

السؤال

زوجتي مريضة مرضاً نفسياً (اكتئاب) وأصبحت الأيام كلها مثل بعضها بالنسبة لها، ولا أرى في وجهها أي أمل، وهي تقول لي أنها لن تشفى أبداً، وهذا الشعور لديها ينبع من ضعف إرادتها على الرغم أنها تعالج عند طبيب نفسي منذ 3 سنوات، وأخيراً منذ 3 شهور فكرت في الذهاب إلى أحد الشيوخ الأفاضل -وأحسبه كذلك-.

وأعطانا أذكاراً يومية وأعشاباً ولكن هي رفضت اتباع نصائحه بحجة أنها لم ترتح له.

ويا شيخنا الفاضل لا أقول لك ما في المنزل من توتر شديد منها تجاهي وتجاه الأولاد، وبدأنا نشعر بضيق شديد للغاية، وهي تنظر لي بعين الشك فقد تزوجت من قبل صديقة لها مطلقة نظراً لحبها الشديد لها نصحتني بالزواج منها حتى لا يتزوجها رجل آخر وربما يحرمهما من بعض، بالإضافة إلى أنها كانت ترى في عيني حسب كلامها إعجابي بها على الرغم من أن هذا لم يحدث ولم أعجب بها يوماً؛ لكني نظرت إلى الأمر من الناحية الدينية فلماذا لا؟

وبعد 6 شهور قمت بطلاقها بناء على طلب زوجتي، وأيضاً لأني لم أرتح للتعامل معها حيث كانت متعجلة في كل شيء (أقصد الزوجة الثانية)، وعلى الرغم من وقوع الطلاق بيني وبين الزوجة الثانية إلا أن زوجتي الأولى ما زالت تشك في أن أكون قد رجعت للزوجة الثانية دون علمها.

وهذا لم يحدث، وحاولت مراراً أن أقول لها ذلك دون جدوى، ويطاردني الآن شعوري بأنها تشك في، وإنها تبحث في كلامي عن أي حاجة تكون مدخلاً للمشاكل، فهي تسمع مني كلاماً حلواً كثيراً ولكنها لا تكترث له، أما إذا سمعت غير ذلك تقوم القيامة.

وأيضاً أعاني حالة التوتر الدائم بينها وبيني وبينها وبين الأولاد، وفكرت في الطلاق ولكن أخشى عليها من الدنيا، فهي قليلة الخبرة في الحياة؛ فبالله عليكم ماذا أفعل؟ أنا أحيا حياة صعبة جداً، وأنا أعمل في مكان حساس من الممكن أن يترتب على هذه المشاكل مشاكل أكبر، والله ولي التوفيق، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ على حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:

فقد ذكرت أن زوجتك – شفاها الله تعالى وعافاها – أنها تعاني من الاكتئاب النفسي، كما أنها تعاني من درجة من الشكوك وربما شيء من سوء التأويل، خاصة في اعتقادها أنك لازلت على علاقة مع زوجتك السابقة.

عموماً الاكتئاب يعرف عنه أنه يقلل من الطاقات النفسية خاصة لدى النساء، والاكتئاب النفسي بجانب العلاج الدوائي يتطلب الدعم الاجتماعي ويتطلب المساندة من الأطراف المهمة في حياة الإنسان، ولا شك أنك أنت أهم إنسان في حياة زوجتك.

بالنسبة لتفكيرك في الطلاق منها فبالطبع بالرغم من أن هذا الأمر هو أمر شخصي، ولكن حقيقة أدعوك ألا تقدم على ذلك لأنك قد ذكرت أنك تخشى عليها من الدنيا، وفي ذات الوقت يأتيني الاعتقاد أنك ما قمت على مثل هذه الخطوة سوف تشعر بالذنب، لأنك تركتها في وقت وهي ضعيفة وفي حاجة لك. فأرجو أن تقف معها وأرجو أن تساندها.

بالنسبة لعلاج الاكتئاب النفسي فإنه توجد الآن أدوية فعالة جدّاً ومتميزة جدّاً، وهي كما ذكرت الآن تحت إشراف الطبيب النفسي.

ولم تذكر الأدوية التي تتناولها الآن، ولكن بصفة عامة أياً كانت هذه الأدوية لابد أن يكون لديها الحرص والمواظبة التامة على العلاج.
مرضى الاكتئاب يتحسنون أو يشفون بنسبة سبعين إلى ثمانين بالمائة، وهذه نسبة عالية جدّاً، ولكن من أكبر أسباب الإخفاق وعدم التحسن أو عدم الشفاء من الاكتئاب، هو عدم صبر الناس على العلاج، أو أنهم لا يأخذون الجرعة الصحيحة، فهذا هو أول الأمور التي يجب أن تتأكد أن زوجتك تتبع المنهج الصحيح فيما يخص العلاج.

ثانياً: علينا أن نلجأ إلى الحوار، فإن الحوار أمر طيب جدّاً وأنت قد ذكرت أنك تُسمعها أطيب الكلام، وجزاك الله خيراً على ذلك، وأنا حقيقة أدعوك أيضاً لمزيد من التشجيع، ولمزيد من التحفيز، ولمزيد من المكافئة بالنسبة لها، المكافئة بالكلمة الطيبة والكلمة الحسنة وبالابتسامة، وبإشعارها أنها لازالت مهمة وأنها مرغوب فيها، وأنها هي ربة المنزل، وأنكم في حاجة إليها.
هذا يعتبر أمراً هاماً وضرورياً جدّاً كنوع من المساندة.
أيضاً: إذا كان لديك قريبات من أهلك أو من أهلها فليكثروا من زيارتها والجلوس معها والتواصل معها، فهذا أيضاً سوف يكون بالطبع معينا بالنسبة لها.
أرجو أيضاً أن تتجاهل تصرفاتها السلبية بقدر المستطاع، فإن هذا التجاهل إن شاء الله يجعلها تحس بالمسئولية ويجعلها تقلل من شكواها الكثيرة، وهذا أيضاً يساعد في العلاج.

أما بالنسبة لذهابها إلى الشيخ وعدم اقتناعها بتطبيق ما أرشدها إليها، فالأمر واضح جدّاً، فأنت يمكنك أن تساعدها في هذه الأذكار، ويا حبذا لو أقنعتها وكانت لكم جلسة قرآنية مع بعضكم البعض بعد صلاة العصر أو بعد صلاة الفجر، فيا حبذا لو جلست معها وقمتم بتلاوة شيء من القرآن أو الاستماع لشيء من القرآن أو المحاضرات أو قراءة أحاديث وبعض الأذكار، فإن هذا في نظري أفضل من الذهاب إلى الشيوخ – مع احترامي الشديد لهم - لأنه بإمكانك القيام بالرقية الشرعية وقراءتها على زوجتك بدون الذهاب إلى أحد.
فأرجو أن تنتهج هذا المنهج، وهذا هو التعاضد الحقيقي، وهذه هي المساندة التي تشعرها بأهميتها.

وعليك أيضاً ألا تنسى الجانب الترفيهي، فاخرج بها مع الأولاد متى ما أتيحت لك الفرصة لذلك في إجازات نهاية الأسبوع، فإن هذا كله يجعلها - إن شاء الله – تتغير كثيراً وتشعر بطعم الحياة، وحاول دائماً أن تذكرها بإيجابياتها في الحياة، ذكِّرها بالأيام الطيبة في حياتها، وذكِّرها أنها بفضل الله هي في كنف الزوجية، وأن الله تعالى قد رزقكم الذرية، ونسأل الله تعالى أن يصلح لكم هذه الذرية وأن يجعلها قرة عين لكما، ذكِّرها بكل هذه الإيجابيات؛ لأن من أسوأ الأشياء التي يسببها الاكتئاب النفسي للإنسان هو سيطرة الفكر السلبي على الإنسان، مما يجعله ينسى أو يتناسى أو لا يستشعر أي شيء إيجابي في حياته، وهذا في حد ذاته أيضاً يزيد من الاكتئاب، فأرجو أن تساعدها دائماً في استبدال الأفكار والمواقف السلبية بأفكار ومواقف إيجابية، وأنا أثق تماماً أنه لديها إيجابيات كثيرة في حياتها.

عليك أيضاً أن تركز فيما هو جيد في تصرفاتها وحاول أن تثني عليها، وحاول أن تجسم وتضخم هذه التصرفات الإيجابية من جانبها مهما كانت بسيطة، فهذا إن شاء الله – يعتبر محفزاً جيداً بالنسبة لها.

أما بالنسبة لصديقتها والتي اتخذتها زوجة ثانية بالنسبة لك ثم حدث بعد ذلك الطلاق، فأعتقد سوف تظل هي بالطبع تتذكر هذا الموضوع، وربما ينتابها أنواع من الشكوك، والذي أنصحك به هو ألا تتدخل في نقاش مستفيض حيال هذا الأمر، وقل لها: (الأمر قد انتهى وهذا يكفي، وليس لدي أكثر ما أقوله في هذا السياق)؛ لأن محاولتك النقاش والاستفاضة في ذلك وأن تحاول أن تبرر موقفك أو تحاول أن تبرئ نفسك إذا لجأت لذلك باستفاضة وأكثر من اللزوم؛ فإن هذا ربما يبني لديها شكوكاً، وأنا لا أقول لك تجاهل الأمر تماماً تجاهلاً كاملاً، ولكن لابد أن تكون على دراية أن الاستفاضة والنقاش والحوار في هذه الأمور لا يجدي كثيراً. أعطها رسالة واضحة وقوية، وهذا يكفي في رأيي.

أسأل الله لها الشفاء والعافية وجزاك الله خيراً على مساندتك لها، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنك صالح الأعمال، وكل عام نحن وأنتم وجميع المسلمين بخير.
وبالله التوفيق.
انظر أيضاً العلاج السلوكي للاكتئاب: (237889 - 241190 - 257425 - 262031 - 265121 ) السنة النبوية لعلاج الأمراض النفسية: ( 272641 - 265121 - 267206 - 265003 ).

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً