الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بعد ترك الحشيش انعزلت وأصبت بخوف هل هذه أعراض الانسحاب؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أولاً: أهنئكم بقدوم الشهر الفضيل جعلنا الله من صوامه وقوامه، وأشكركم على ما تقدمونه من خدمة وما تبذلونه من مجهود جعله الله في موازين أعمالكم وجزاكم خير الجزاء، اللهم آمين.

أود أن أعرض لكم مشكلتي وأود الإجابة، وهي تتلخص في أني قد استخدمت الحشيش لمدة أربع سنوات وتركتها، وبعد تركي لها أتتني أعراض خوف وقلق ووساوس، وذهبت لطبيب وصرف لي علاج (زيبركسا) واستخدمته لمدة شهرين وتحسنت ورجعت لوضعي الطبيعي، وبعد سنة من تركي للحشيش رجعت أستخدمها لمدة ستة أشهر، وبعد ذلك تركتها، وبعد تركي أتتني أعراض خوف وقلق ووساوس وعدم تركيز، وذهبت للطبيب فقال: الذي فيك قلق ووساوس، وإنها أعراض الانسحاب من المخدر، وصرف لي علاج الفافرين، واستخدمت العلاج لمدة (3) ثلاثة أشهر وتركته بعدها والحمد لله تحسن وضعي.

أنا الآن لي خمسة أشهر متوقف عن التعاطي، ولكن أود أن أستفسر: هل هذه أعراض الانسحاب من المخدر؟ هل القلق يأتي بالوساوس؟ لأني في أوقات أفكر في الذي جاءني وأحس أني لست كما كنت، وعندي عدم ثقة كبيرة بنفسي، وأي كلمة تؤثر في، وعندي إحساس أني ناقص عن الناس، وتأتيني أفكار تقول: أنت لا تقدر على أن تخرج وتروح إلى أصدقائك، أنت لا تعرف تتحدث، فكيف أقنع نفسي وأعيد الثقة فيها؟ لأني الآن لا أخرج كما كنت من قبل، وأتجنب اللقاءات لعدم ثقتي بنفسي، أرجو التكرم والرد من قبل الشيخ أحمد، ود. محمد عبد العليم، وجزاكم الله خير الجزاء، أرجو الرد للأهمية.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ بندر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن هذه الأعراض أعراض القلق الوسواسي، وكذلك الإحساس بأنك ناقص عن الناس، وأصبحت تأتيك أفكار مختلفة، وأصبحت أكثر انعزالاً، وربما فقدت الثقة بنفسك وبالآخرين؛ هذه ربما تكون مقدمة لأعراض ذهانية، أي: اضطراب عقلي، فإنه يعرف تماماً أن الحشيش أيضاً يؤدي إلى اضطرابات عقلية تشبه مرض الفصام لدرجة كبيرة، كما أن الحشيش يؤدي إلى مرض معين يعرف بمرض (فقدان الطموح)، بمعنى أن الإنسان يفتقد الدافعية نحو عمل الأشياء الإيجابية ويكون منعزلاً ولا يكون فعّالاً، وتبدأ شخصيته في التفتت إلى أن يصل إلى مرحلة سيئة معروفة للجميع.

وكنوع من المعلومة العلمية المفيدة يعرف أن تركيز المادة النشطة في الحشيش يختلف من مركب أو نوع إلى آخر، فعلى سبيل المثال: تعتبر المرجونا هي الأضعف؛ حيث إن نسبة المادة المخدرة هي اثنين بالمائة، وبالنسبة للبانجو فإن نسبة التركيز عالية جدّاً وهي ثمانية بالمائة.

أخي الكريم: الأعراض التي حدثت لك فيها جزء يمثل أعراضاً انسحابية، ولكن الجزء الأكبر منها هو ما يعرف بردة الفعل النفسية الناتجة من تناول الحشيش، بمعنى أن متعاطي الحشيش يمكن أن تحدث له تغيرات نفسية كثيرة قد تصل إلى مرض الذهان، وذلك بعد توقفه من تناول الحشيش خلال الستة أشهر الأولى، أي أن الخلايا الدماغية والعصبية لا تطهر من آثار الحشيش إلا بعد ستة أشهر تقريباً، والأعراض التي حدثت لك من الانعزال والشعور بأنك ناقص عن الآخرين تعطيني انطباعاً ودرجة عالية من اليقين أنك كنت على حافة الإصابة بمرض ذهاني رئيسي، وذلك بجانب الوساوس القهرية.

إذن الأمر كله مرتبط بهذه المادة المخدرة الشريرة، وعليه لابد أن يكون قرارك عن التوقف عن تعاطي الحشيش قراراً أبدياً وليس قراراً مؤقتاً، ويجب ألا تحدثك نفسك مطلقاً بالرجوع لهذه المادة المدمرة، ونحن الآن في موسم الخير وفي موسم البركات، فاسأل الله تعالى أن يثبتك على هذه التوبة، وأن يغفر لك ولنا ما سبق، وأن يهدينا إلى طريق الرشد والصلاح.

وعليك -يا أخي- أن تكون حازماً وجازماً حيال ضعف النفس، ولا ترجع مطلقاً لتناول الحشيش، وعليك الابتعاد تماماً عما يُعرف بالروابط المثيرة مثل أصدقاء السوء واللجوء للنكران كدفاع نفسي، ومحاولة التمسك بالحلول البسيطة والسهلة لصعوبات الحياة.

أخي الكريم! أنت -والحمد لله- الآن بخير ما دمت قد توقفت عن تناول هذه المادة المخدرة، وعليك باستثمار وقتك بصورة إيجابية، وذلك على النطاق الوظيفي والنطاق الاجتماعي والنطاق التعبدي، وستكون ممارسة الرياضة أيضاً مفيدة جدّاً لك.

الأفكار الوسواسية تعالج بتحقيرها وإسقاطها بصفة تامة من داخل الكيان النفسي، وإدخال أفكار وأفعال مضادة لها، وحتى تكتمل الوصفة العلاجية - بإذن الله - أود منك أن تتناول أحد الأدوية المضادة للوساوس، والعقار الذي أود منك أن تتناوله يعرف تجارياً باسم (بروزاك Prozac)، ويسمى علمياً باسم (فلوكستين Fluoxetine)، والجرعة المطلوبة هي عشرون مليجراماً ليلاً بعد الأكل لمدة شهر، ثم ترفع الجرعة إلى كبسولتين في اليوم –أربعون مليجراماً– لمدة خمسة أشهر، ثم تخفضها إلى كبسولة واحدة يومياً لمدة ستة أشهر أخرى.

وسيكون من المفيد أيضاً أن تتناول جرعة صغيرة من العقار الذي يعرف تجارياً باسم (زبركسا Zyprexa)، ويعرف علمياً باسم (أولانزبين Olanzapine)، والجرعة المطلوبة هي خمسة مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر.

بتناول البروزاك - إن شاء الله تعالى – سوف تختفي الوساوس القهرية وحالة الإحباط والقلق، أما الزبركسا فسوف يضمن لنا - إن شاء الله تعالى – أن المسارات العصبية الداخلية في المخ قد رجعت لوضعها الطبيعي، وذلك بعد ما تركه تناول الحشيش من آثار سلبية على هذه الموصلات والخلايا العصبية.

أما بالنسبة لكون القلق يأتي بالوساوس؛ فإن الوساوس القهرية في حد ذاتها هي نوع من القلق النفسي في الأصل، فإذن العلاقة وطيدة وثابتة تماماً.

أما بالنسبة لسؤالك الأول وهو: هل هذه أعراض من انسحاب المخدر؟ فقد أجبنا على ذلك، وأحتم لك أن أعراض الانسحاب هي أعراض جزئية وليست كاملة، ولكن ردة الفعل من تعاطي الحشيش هي التي جعلت الأعراض -خاصة الوساوس وفقدان الثقة بالنفس- تظهر بصورة واضحة وجلية، وإن شاء الله بتناولك للعلاج الموصوف وابتعادك التام عن تناول الحشيش سوف تجد أنك قد أصبحت معافى وفي صحة نفسية ممتازة بإذن الله تعالى.

بارك الله فيك وجزاك الله خيراً، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً