الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الدواء الكيميائي والعلاج السلوكي للأمراض النفسية

السؤال

السلام عليكم.

أعاني من خوف ووساوس قهرية، وأفكار سلبية، وقد وصف لي الطبيب دواء الباروكستين حبة يومياً، وقد شعرت بتحسن بنسبة كبيرة - والحمد لله - كما أنني أخضع للعلاج السلوكي عند طبيب آخر أيضاً، الطبيب لم يحدد لي مدة تناول الدواء، وقد طلب مني الطبيب الذي يعالجني سلوكياً أن لا أتناول الدواء لأنه يعتقد أنني لست بحاجة له، وعندما حاولت أن لا أتناوله تعبت كثيراً، حتى تخفيفه أتعبني وأرجع لي التوتر والخوف، وأنا محتارة بين الطبيبين، ولكنني مرتاحة للدواء، وأصبحت لا أعرف إن كنت بحاجة له أم لا؟

وسؤالي هو: ما رأيكم فيما ذكرت، وكم من الوقت يجب تناوله؟ وهل هو مفيد في حالتي؟ وما آثاره الجانبية؟ وهل يزيد من وزني؟ فأنا أتناوله منذ ثلاثة أشهر فقط.

بارك الله فيكم، وقواكم على طاعته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سوزان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فجزاك الله خيراً وبارك الله فيك، وكل عام وأنتم بخير، وتقبل الله طاعتكم وجعلنا وإياكم من عتقائه من النار ومن المقبولين، والحمد لله تعالى الذي أنعم عليك بنعمة التحسن.

حقيقةً النقطة التي ذكرتها تعتبر نقطة هامة جدّاً، وهو أنه في كثير من الحالات يجد المريض -أو الشخص الذي يطلب المساعدة من الأطباء- أنه محتار بين أفكار ومناهج وأساليب متناقضة ورسائل متناقضة جدّاً قد تصله من الأطباء المختلفين.

والذي أود أن أقوله لك أن الطب النفسي مدارس، فهنالك مدرسة بيولوجية، أي مدرسة تعتمد دائماً على وصف العلاج الدوائي أو الأساليب العلاجية العضوية الأخرى كالعلاج الكهربائي وغيره، وهنالك مدارس تعتبر مدارس نفسية بحتة تقوم إما على المدرسة التحليلية الفرودية أو على المدرسة السلوكية، وهنالك مدرسة وسطية تؤمن بأن الحالات النفسية تسببها العوامل النفسية والبيولوجية والاجتماعية؛ ولذا يكون العلاج أيضاً من كل نبع قطرة، بمعنى أن الدواء له وظيفته، والعلاج النفسي والسلوكي له وظيفته، والعلاج الاجتماعي له أيضاً وظيفته، وهذه الثلاثة حين تجتمع مع بعضها البعض تعطينا أفضل النتائج.

هذه هي الحقيقة الأولى والمهمة جدّاً، وأنا بالطبع من أنصار هذه المدرسة الوسطية، وهي المدرسة التي يتبعها الآن الكثير من الأطباء المعقولين في تفكيرهم.

الطبيب الذي لجأت إليه وأصر على أن تنتهجي أو تتبعي فقط العلاج السلوكي ربما يكون هو ليس طبيباً في الأصل، فهنالك أخصائيون نفسيون وهم ليسوا بخريجي كليات الطب، وهؤلاء دائماً منهجهم هو المنهج النفسي البحت مع الابتعاد عن الأدوية.

يأتي بعد ذلك حقيقة أمر ضروري وهام جدّاً وهو أن كل الاكتشافات البيولوجية الحديثة تدل بما لا يدع مجالاً للشك -على أن الحالات النفسية من اكتئاب ووساوس ومخاوف وغيرها لها منشأ بيولوجي، بمعنى أنه توجد مسارات كيميائية بيولوجية معينة في المخ يحدث فيها نوع من الاضطراب أو عدم انتظام لهذه المواد، وهذا يؤدي إلى الحالة النفسية خاصة بالنسبة للأشخاص الذين لديهم الاستعداد الفطري، وحين تتأتى ظروف حياتية معينة تلعب الدور الأساسي في إثارة هذه الأعراض، ولكن الأمر الآخر -وهو أيضاً يعتبر أمراً أساسياً- أن الشخص في الأصل يكون لديه الاستعداد للمرض.

إذن العوامل المرسبة تتفاعل مع العوامل المهيأة وتؤدي إلى الحالة النفسية.

لا أود أن أطيل والذي أنصحك به هو أن تتناولي الدواء، وفي نفس الوقت تطبقي العلاج السلوكي، فلا يوجد أي تناقض، وكل الأبحاث تشير أن الذين يتناولون الدواء مع العلاج السلوكي هم الذين يتحصلون على أفضل النتائج العلاجية، والعقار الذي يعرف باسم (زيروكسات Seroxat) أو ما يعرف علمياً باسم (باروكستين Paroxetine) هو من الأدوية السليمة، ومن الأدوية الفعالة، ومن الأدوية التي اتضح أنها مفيدة جدّاً لعلاج عدة أنواع من الحالات النفسية خاصة الوساوس والقلق والاكتئاب والمخاوف.

جرعة هذا الدواء تتفاوت من إنسان إلى آخر، والجرعة العلاجية هي ما بين حبة واحدة إلى أربع حبات في اليوم -أي عشرين إلى ثمانين مليجراماً في اليوم- وأنت - بفضل الله تعالى - استجبت على جرعة صغيرة جدّاً وهي حبة واحدة في اليوم، والذي أقوله لك هو أن تستمري على هذه الجرعة لمدة تسعة أشهر، وهذه ليست مدة طويلة أبداً، هذه مدة معقولة جدّاً، خاصة وأن الجرعة التي تتناولينها هي جرعة صغيرة، وبعد انقضاء تسعة أشهر خفضي الجرعة إلى نصف حبة يومياً لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك خفضي الجرعة إلى نصف حبة يوماً بعد يوم لمدة شهر، ثم توقفي عن العلاج.

هذا الدواء – كما ذكرت لك – دواء سليم ودواء فعال، ليست له آثار جانبية حقيقية غير أنه ربما يسبب سوءاً بسيطاً في الهضم في بداية العلاج، وهذا يتم التخلص منه عن طريق تناول الدواء بعد تناول الأكل.

وبالنسبة لزيادة الوزن فإن هذا قد يحدث في عشرة بالمائة من الناس، في الأربعة الأشهر الأولى لتناول الدواء، وأنت الآن تتناولين الدواء - الحمد لله - منذ ثلاثة أشهر، والذي فهمته من رسالتك أنه ربما لم تحدث لك زيادة حقيقية في الوزن، وعموماً إذا حدثت زيادة في الوزن فأرجو ألا يكون ذلك دافعاً لك لاتخاذ موقف سلبي من العلاج، لا، بل كوني إيجابية حيال هذا الدواء لأنه قد أفادك، ويُعرف أن الإنسان الذي لديه إرادة تحسن جيدة فهذا يساعده -إن شاء الله تعالى- للتخلص من كل الأعراض النفسية.

إذا حدثت لك زيادة في الوزن فهذا بالطبع يمكن علاجه عن طريق التحكم في الطعام، والتقليل من الأطعمة التي تؤدي إلى زيادة الوزن، وممارسة الرياضة، فأرجو أن تطمئني تماماً، وتناولي الدواء، وفي نفس الوقت عليك بالعلاج السلوكي، فهو علاج جيد وممتاز، ويُعرف عن العلاج السلوكي أنه يمنع الانتكاسات، وهذا أمر ضروري جدّاً، فعليك أن تأخذي بكل التعليمات السلوكية الإرشادية وتطبقيها في حياتك اليومية، وهذا - إن شاء الله تعالى – يكون مانعاً لأي انتكاسات مستقبلية.

ويمكنك الاطلاع على هذه الاستشارات حول العلاج السلوكي للمخاوف: (262026 - 262698 - 263579 - 265121).

والعلاج السلوكي للقلق: (261371 - 263666 - 264992 - 265121).

أسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد، وكل عام وأنتم بخير، وتقبل الله طاعتكم.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً