الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الخوف بعد عقد القران من عدم التزام الزوج الكامل، ما رأيكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بداية أشكركم على موقعكم هذا الرائع، والذي أستفيد الكثير منه، وعلى جهودكم الطيبة، جعلها الله في ميزان حسناتكم.

أنا فتاة مولودة وأعيش في فرنسا، وأنا متدينة وأتقي الله في أعمالي، وأحاول أن لا أغضب ربي أبداً، وأنا أسأل الله أن أكون ملتزمة بفعل ما يرضيه واجتناب ما يكرهه، أنا ألبس اللباس الشرعي ولا أسمع الأغاني، أنا أصلاً لا أقول ذلك عن نفسي، ولكنكم لا تعرفوني، وأنا أريد أن أبين لكم شخصيتي كي تستطيعوا أن تحكموا على الوضع.

مشكلتي هي: أنني وكأي فتاة كنت أريد الزواج وقد كنت أحلم بالرجل الصالح المتدين الذي يتقي الله ويعينني على طاعة الله، ولكنه لم يأت وأصبح عمري 24 عاماً، ولم يأت المناسب، وقبل ثلاثة أشهر أتى رجل خلوق لخطبتي وهو يصلي، ولكنه لم يكن الشخص الذي كنت أتمناه لكي يكون زوجي، ولأنه ليس متديناً كما كنت أريده ولكنني وافقت بعد أن استخرت الله تعالى، وقد وافقت أيضاً لأنني كنت خائفة من العنوسة والعمر والوقت يجريان بسرعة.

وتم عقد القران وبعد شهر سوف يتم الزواج -إن شاء الله- ولكنني الآن لدي شكوك وخائفة من الندم؛ لأنني وافقت عليه؛ لأنني رأيت عليه بعض المخالفات التي لم أكن أعلمها من قبل، فمثلا اكتشفت أنه يسمع الأغاني، وأنه يؤخر أحياناً الصلاة، ويأكل اللحم غير المذبوح على الشريعة الإسلامية.

وهذا ما يجعلني خائفة جداً، مع أنه يعاملني جيداً ويحبني، ولكنه غير متدين، أنا أخشى أن أعيش في تعاسة عندما أراه يعصي الله.

هل لديكم نصيحة لي، هل أصبر عليه وأكمل حياتي معه أم أتركه في سبيل الله؟

وجزاكم الله خيراً على أتعابكم وجعلها في ميزان حسناتكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله -تبارك وتعالى- أن يفرج كربتك وأن يقضي حاجتك، وأن يصلح لك زوجك، وأن يجمع بينكما على خير، وأن يرزقكما الذرية الصالحة الطيبة المباركة، ونحن يسعدنا -أختي الكريمة الفاضلة- أن نستقبل استشارتك في أي وقت وفي أي موضوع، فنحن نسعد كثيراً بذلك ولا يزيدنا ذلك إلا غبطة وسروراً.

أما عن سؤالك عن هذا الأخ الذي تقدم إليك وظننت فيه خيراً على أنه يصلي ولم يكن هو الشخص المناسب بالنسبة لك مائة بالمائة، ولكنك استخرت الله تعالى عليه حيث إن الله قد منَّ عليك -بفضل الله تعالى- بالتدين وتقوى الله والحرص على طاعة الله تعالى وعدم معصيته، واجتناب ما يكره، كونك تلبسين الحجاب ولا تسمعين الأغاني، فهذا كله من فضل الله تعالى أمور عظيمة، وكان الأولى فعلاً والأجدر أن الأخت تتزوج برجل بهذا المستوى، ولكن الأخ الذي جاءك حيث إن السن قد تقدم بك نوعاً ما -كما ذكرت- وخوفك من العنوسة جعلك تقبلين هذا الأخ الذي فيما يبدو في ظاهره أنه صالح، إذ أنه حريص على الصلاة.

ثم تبين لك بعد ذلك أن به بعض المخالفات أو التجاوزات، وأقول لك:

ما دمت استخرت الله تعالى فاعلمي أن الله -تبارك وتعالى- لن يتخلى عنك؛ لأن العبد الذي يستخير الله تعالى يعني يترك الأمر لله ويطلب من الله أن يرزقه الخير، فهذا الإنسان قد يكون بالنسبة لك فرصة العمر، حيث إن لديك -الحمد لله- وبفضل الهم من الالتزام ما قد يعينك على تحويل هذا الأخ أيضاً إلى مسلم ملتزم صادق الالتزام فيأتي في ميزان حسناتك يوم القيامة، فهو فرصة دعوية لك أن تجتهدي عليه، وأن تحاولي أن تكوني عوناً له على طاعة الله تعالى، والمرأة تستطيع أن تلعب دوراً كبيراً حقيقة في هداية زوجها واستقامته، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: (رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت فأيقظت زوجها فقام من الليل يصلي، فإن أبى نضحت في وجهه الماء).

فالمرأة الصالحة المباركة هي التي تذكر زوجها بطاعة الله دائماً، وتحثه بطريقة ليست منفرة ولا مكررة ولا مملة، وإنما تتخير المكان المناسب والزمان المناسب والظرف المناسب ثم تتكلم معه.

فأنا أعتبر هذا فرصة بالنسبة لك أن تجتهدي في هدايته وفي استقامته، خاصة وأنه يحبك وحريص عليك، فهذه فرصة، ولكن أوصيك بأن يكون كلامك كملح الطعام، لأننا نعلم أن ملح الطعام لو زاد لفسد الطعام، كذلك أيضاً أحياناً قد تضطر الأخت وتلجأ إلى الإلحاح المستمر حتى ينفر زوجها منها ولا يقبل منها شيئاً، والمرأة بطبيعتها ضعيفة لأنها تحت الرجل، والرجل بطبيعته قوي وليس من السهل أن يقبل من امرأته إلا ما اقتنع به هو أو إذا كان لها منزلة في نفسه كبيرة فإنه يقبل منها ما يأتي منها في أي مجال من المجالات في أي رأي من الآراء.

فأنصحك -بارك الله فيك- أن تواصلي الرحلة -بإذن الله تعالى- ولا داعي للخوف والقلق، لأنك ما دمت استخرت الله تعالى وتزوجت الرجل لأنه يحافظ على الصلاة فإن الله لن يضيعك بإذنه تعالى، فتوكلي على الله، واعتبري هذه فرصة بالنسبة لك أن الله يجعله في ميزان حسناتك، ولكن أتمنى أن تكوني حكيمة ولبيبة وفطنة، لا تكثري من الكلام والتوجيه خاصة في الأيام الأولى، وإنما قد تتكشف لك أمور أهم من هذه الأمور تحتاج إلى علاج، وقد لا يكون عند الرجل من المخالفات إلا هذه الأمور التي ذكرتها، فتبدئين بها خطوة خطوة، خاصة قضية الصلاة؛ لأن الصلاة كما تعلمين هي أعظم ركن عملي في الإسلام، وهي الركن الأعظم بعد الشهادتين، فتبدئين المحافظة عليها والتذكير بها برفق ولين، وعليك مع الدعوة بالدعاء؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يرد القضاء إلا الدعاء)، وقال: (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء).

فاجتهدي في الدعاء له بظهر الغيب سواء أكان هو معك أو بعيداً عنك، سواء كان ذلك في الليل أو في النهار، اجتهدي في الدعاء له أن يصلحه الله، واعلمي أن دعاءك سيؤثر -بإذن الله تعالى- تأثيراً قوياً على قدر إخلاصك وصدق توجهك إلى الله تعالى.

ومع الدعاء الأخذ بالأسباب، وضرورة أن تكوني فطنة واعية حتى لا تكثري من الكلام فيصاب الرجل بنوع من الملل ولا يقبل منك بعد ذلك شيئاً، وإنما خذي الأمور بالتدريج وابدئي بالأشياء المهمة، وتكلمي عند الحاجة، ولا تكثري من ذلك، حتى لا يحدث هناك نوع من النفور والإعراض عن قبول أي نصيحة.

أسأل الله -تبارك وتعالى- أن يمنَّ عليك بالزواج العاجل القريب، وأن يبارك لك في هذا الرجل، وأن يهديه صراطه المستقيم، وأن يجمع بينكما على خير.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً