الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخاف أن أخرج من مدينتي

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

أنا مصاب بنوع من الخوف الذي يؤثر علي، حيث لا أستطيع أن أسافر إلى أي مكان ولا أن أذهب إلى أي مكان بعيد أو عال، ولم أخرج من مدينتي منذ سنوات، وقد أردت أن أجد حلاً لهذه المشكلة، فقررت الذهاب لطبيب نفسي فأعطاني في البداية دواء سيروكسات، فداومت عليه فترة ثم بدل لي الدواء إلى فافرين، فظللت أستخدمه مدة طويلة جداً، وقد مرت فترات كنت قد قطعت الدواء فيها فبدأت العلاج من الأول.

وكنت أتناول دواء فافرين 200 ملجم، لكن بعد أن تأخرت أسبوعاً أبدل الطبيب الدواء إلى زولفت 50 ملجم، فبدأت بنصف حبة لمدة أربعة أيام، وأتناول الآن حبة، وبعد ستة أيام حبتين، وبعد ستة أيام أخرى ثلاث حبات حتى الموعد القادم مع الطبيب، وقد أعطاني أيضاً دواء (Fluanxol) بجرعة نصف حبة لأسبوع ومن ثم حبة، وقد سألته عن إمكانية تناول دواء واحد فقط، فأخبرني أنه لابد من تناولهما معاً.

وقد أصبحت فاقداً للأمل بأن هذه الأدوية سوف تشفيني، وأعلم أن الشفاء بقدرة الله ليس بالدواء نفسه، وأعلم أننا أُمرنا أن نأخذ بالأسباب ونتعالج، لكني أفكر كثيراً بترك الدواء بسبب عدم جدواه، وقد أثر ذلك على دراستي الجامعية، وكذلك فإن الأدوية مع جلسة المراجعة مع الطبيب تأخذ أكثر من ثلث راتبي الذي آخذه من أبي، علماً بأنه لا يعلم أنني أتعالج ولا يعلم بالمرض أصلاً.

وأعاني كثيراً بسبب ما يصيبني، خاصة عندما أرى الناس يذهبون للعمرة والحج، وأرى أصحابي في الجامعة يسافرون إلى أهلهم وأنا لا أستطيع أن أغادر مدينتي، علماً بأن أهلي في نفس مدينتي لكن لدي خوف كبير، وأخاف أن ينتقل ذلك إلى ميادين وأشياء أخرى، علماً بأني خارجياً إنسان طبيعي وليست لدي مشاكل مع المجتمع ولا رهبة، لكن لدي خوف داخلي فقط، فأرشدوني.

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمن الواضح أنك تعاني من قلق المخاوف، والمخاوف التي لديك متعددة، منها ما نسميه برهاب الساحة، أي: أنك لا تستطيع أن تخرج إلى الأماكن خارج المنزل، وربما الأماكن المزدحمة يكون لديك خوف خاص فيها، وكذلك تصاب بالقلق إذا فقدت أمان البيت.

والذي أود أن أوضحه لك قبل أن نتحدث عن الأدوية أن هناك جوانب سلوكية مهمة جدّاً في العلاج، ولابد للإنسان أن يلتزم بتطبيقها وهي مفيدة جدّاً، وأول هذه الخطوات هو أن تفهم أن هذا مجرد نوع من القلق، وهذا لا يدل أبداً أن شخصيتك أضعف من الآخرين أو أن إيمانك أقل من الآخرين.

ثانياً: يجب أن تفهم أن القلق هو أمر مكتسب، بمعنى أن هذا الوضع الصحي لم تُولد به وليس هو أمر من الفطرة، إنما هو أمر قد اكتسبته، أي أنك قد تعلمته، والأشياء التي يتعلمها الإنسان يمكن أن يفتقدها بواسطة التعلم المعاكس.

ثالثاً: أعرف أنه لديك خواطر وأفكار تقول لك أنك سوف تفشل أمام الآخرين وأنك سوف تنهار وأنك سوف تفقد السيطرة إذا خرجت، وأنك قد تقع عليك مصيبة، وهناك من يأتيه الشعور بحتمية الموت في نفس اللحظة إذا عرض نفسه للأماكن التي يخاف منها... كل هذا ليس بحقائق ولا بحقيقة، فأرجو أن تتفهم ذلك أن المشاعر التي تأتيك - مشاعر الخوف عند المواجهة - هي مشاعر مبالغ فيها، وإدراك لهذه الأمور الثلاثة التي وضحتها لك سوف يساعدك كثيراً على العلاج.

والخطوة الثانية في العلاج السلوكي هو تطبيق المبدأ السلوكي الذي يقول: (على الإنسان أن يعرض نفسه ويمنع الاستجابة السلبية)، والتعريض هو أن تعرض نفسك لمصدر خوفك، ويكون ذلك بالتدرج وبالإصرار، فعلى سبيل المثال: إذا أردت أن تذهب إلى السوق سوف تأتيك بعض الأمور وبعض القلق، ولكن إذا قلت لنفسك: (لماذا لا أذهب مثل الآخرين، فأنا لا ينقصني عنهم أي شيء، وهم ليسوا بأفضل مني) وشرعت في الذهاب، سوف تصاب بقلق وترتفع ضربات القلب لديك وربما التوتر وتحدثك نفسك بالرجوع، إذا رجعت سوف ترتاح، وإذا أصررت على الاستمرار في الذهاب سوف يرتفع لديك القلق ويرتفع قليلاً، وبمزيد من الإصرار وتكملة المشوار سوف تجد أن مستوى القلق قد بدأ يقل لدرجة أنه قد تلاشى وسوف تفرح في نهاية الأمر لأنك أنجزت وسوف تحس بالرضا.

إذن أنت عرضت نفسك لموقف الخوف ولم تستجب الاستجابة السلبية وهي الهروب من الموقف.. علماء النفس يقولون أن التطبيق السلوكي لمدة واحد وعشرين يوماً متواصلة يزيل المخاوف أيّاً كان نوعها.

إذن أطالبك أن تضع هذا البرنامج اليومي وتطبقه بحذافيره، وقبل أن تشرع في التطبيق الفعلي أرجو أن تبدأ في الخيال: اجلس في مكان هادئ في المنزل، وعش الرحلة التي سوف تذهب إليها في خيالك، وابدأ من البدايات: كيف سوف تخرج، من الذي سوف يقابلك، أي طريق سوف تسلك وهكذا، عش هذه الرحلة في خيالك بكل قوة، ويجب أن يكون التعريض في الخيال بتركيز وجدية، ويجب ألا تقل مدته عن عشرة دقائق على الأقل، هذا أيضاً جزء من العلاج السلوكي، طبق هذه التمارين بجدية وسوف تستفيد منها كثيراً.

تقول أنك لم تطلع أحداً على ما تعاني منه، ولكن حقيقة أنا أفضل أنه إذا عرف أحد أصدقائك وإخوانك المؤتمنين على أسرارك وما تعاني منه فهذا سوف يكون أفضل؛ لأنه سوف يساعدك في العلاج، سوف يخرج معك في الوهلة الأولى مرة أو مرتين، وبعد ذلك لا داعي أن يذهب معك، فهذا أيضاً وجد أنه من الطرق الجيدة؛ لأن الإنسان كثيراً ما يحتاج لمن يقتدي به، وفي بعض الدول الأوروبية يذهب المعالج مع المريض ويعرضه إلى مصادر خوفه، وهذا بكل أسف ليس متوفراً لدينا في بلداننا ولكنه ليس مستحيل التطبيق، فأنت يمكن أن تجعل صديقك أو أحد إخوانك بديلاً للمعالج، وهذا نسميه بالمعالج المساعد.

هنالك تمارين نسميها بتمارين الاسترخاء هي أيضاً من صميم العلاج السلوكي وهي جيدة وفعالة جدّاً، توجد عدة كتيبات وأشرطة توضح كيفية القيام بتمارين السلوك، وحتى على الإنترنت توجد عدة مواقع توضح كيفية إجراء تمارين الاسترخاء، فأرجو الحصول على أي واحد من هذه المصادر وتطبيق هذه التمارين بكل دقة وبصورة يومية وسوف تجد أنها قد ساعدتك كثيراً في زوال القلق والتوتر.

لا تنس أنك لديك رسالة وهي الدراسة الجامعية، والحمد لله لك الفرصة أن تتواصل وتتفاعل مع زملائك، فهذا يجب أن يعطيك أيضاً الشعور بالاسترخاء وأن يقلل من هذا القلق والتوتر والمخاوف التي تعاني منها، ويجب أن تحقر فكرة المخاوف ويجب أن تثق في نفسك، ويجب أن تقتحم هذا القلق وهذه المخاوف.

يأتي بعد ذلك العلاج الدوائي.. الدراسات تقول أن الأدوية تساعد ولكنها لا تعالج وحدها، ولذا أنا ركز كثيراً على العلاج السلوكي. الأدوية تساعد، أنا لا أقول أن الدواء لن يساعدك، الدواء سوف يساعدك كثيراً، ولكن يجب أن تصحبه بالعلاج والتطبيقات السلوكية.

هنالك عدة أدوية مفيدة، الزيروكسات Seroxat من الأدوية المفيدة، والفافرين Faverin من الأدوية المفيدة، والسبرالكس Cipralex من الأدوية المفيدة، والزولفت Zoloft من الأدوية المفيدة، والأوروكس Aurorix من الأدوية المفيدة. كل هذه تفيد، فأرجو أن تتناول الدواء وتطبق التمارين السلوكية.

بالنسبة للدواء فأؤيد الزولفت، وهو من الأدوية الطيبة والجيدة جدّاً لعلاج مثل هذه الحالات، والجرعة التي وصفها لك الطبيب هي جرعة صحيحة، وأنا أقدر أمر التكلفة المالية، ولذا أنصحك أن تسأل عن المستحضر التجاري لهذا الدواء، فليس من الضروري أن تأخذ الدواء الأصلي؛ لأن المستحضر التجاري أيضاً ممتاز، والاسم العلمي للزولفت هو (سيرترالين Sertraline).

إذن يمكن أن تتحصل على أي مستحضر تجاري من هذا الدواء وتتناوله بجرعة مائة وخمسين مليجراماً في اليوم، أي ثلاث حبات كما وصفها لك الطبيب.

أما بالنسبة للفلوناكسول Flunaxol فهو علاج مساعد وليس علاجاً ضرورياً، وأنا أفضل أن تتناوله لفترة شهرين – الأول والثاني – لأنه وجد أنه أيضاً يقلل القلق ويبعث على الطمأنينة، وهنالك دراسات تشير أنه ربما ينشط من فعالية الأدوية الأخرى مثل الزولفت، فهذا هو الذي أرى أنك إن طبقته سوف تستفيد كثيراً.

هناك أمور أخرى كثيرة أيضاً تأتي تحت النطاق العلاج النفسي السلوكي: ممارسة الرياضة الجماعية، أن تمارس الكرة مع أصدقائك وتختلط معهم، فهذا فيه نوع من الخروج واقتحام سياج الخوف. والمشاركة في حلقات التلاوة أيضاً تبعث على الطمأنينة وفيها أجر الدنيا والآخرة، والانضمام إلى التجمعات الشبابية والجمعيات الخيرية – جمعيات البر والإحسان – أيضاً هذا وجد أنه من السبل السلوكية الممتازة جدّاً لتطوير المهارات الاجتماعية، وحين تتطور المهارات الاجتماعية يقل القلق ويشعر الإنسان بالاسترخاء ويشعر بالرضا عن ذاته، وهذا في رأيي يعتبر أمراً مفيداً، ونشكرك كثيراً على تواصلك مع موقعك إسلام ويب، وأرجو أن تطبق ما ذكرناه لك، وإن شاء الله سوف تجني الفائدة.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً