الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معاناة المرأة من علاقات زوجها مع فتيات الإنترنت

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

لن أكتب لكم عن حياتي مع زوجي وما عانيت منه طوال 12 عاماً وعلى ما ضحيت به، الغربة والوحدة وصدق نفسي وروحي معه حتى وصلت لقناعة أن لا فائدة من الحياة معه، وفي نفس الوقت لا أريد أن أنسحب من حياته دون شيء، ولست إنسانة استغلالية، وأخاف من تفكيري أن يكون يغضب الله عز وجل، وكل ما بقلبي إرضاء الله بإذنه تعالى، ولكن نفسي تصعب عليّ ومن طبعي لست المرأة التي خلقت لكي تتزوج وتنجب وتموت، ولست دنيوية ـ والحمد لله ـ وما زالت أحلامي تطاردني، وبرغم فشل البعض منها إلا أن البعض الآخر ما زال النور يضيئها.

حلمت أن نمتلك أنا وزوجي بيتاً في الغربة ـ والحمد لله ـ تحقق وفشلت حياتي معه، وأتمنى أن نمتلك بيتاً في بلدي، ونحن إن شاء الله على قرب من هذا ولكنه بعيد بعض الشيء.

ثقتي به معدومة، لقد جرحني كثيراً وخدعني أكثر رغم صدقي معه، لا أحتمل الخيانة، وهل يجب أن نطلق على العلاقة الحميمة خيانة؟ أليس التحدث مع النساء عبر الإنترنت خيانة أم ماذا؟

أنا لا أحتمل منه هذا وهو يخفيه عني تماماً، ولكني أكتشفه، أكلمه ولا يتوقف رغم اقتناعه، لهذا قررت البقاء معه لنتمكن من شراء البيت بإذن الله وفي هذه الفترة إن ـ شاء الله ـ سأتقن صنعة من أجل تحقيق أحلامي الباقية من مالي، وهي مهمة جداً بالنسبة لي وبعدها إن ـ شاء الله ـ سأذهب مع أولادي إلى بلدي ولا يهمني إن كان معنا أم لا.

هل ما أفكر به هو نوع من الاستغلال لزوجي؟ أأكون إنسانة استغلالية لأني لن أكون صادقة نحوه وهو لا يعلم ما أفكر به؟

وشكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله – العلي الأعلى – بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يفرج كربتك، وأن يقضي حاجتك، وأن يصلح ما بينك وبين زوجك، إنه جواد كريم.

بخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة – من أنك عانيت مع زوجك طوال اثني عشر عاماً وضحيت كما تضحي أي امرأة فاضلة محترمة من أجل إسعاد زوجها وأولادها، ولكنك فوجئت بأن زوجك يخدعك ورغم أنك صادقة معه ويتحدث مع النساء عبر الإنترنت وغيره، رغم أنه يخفي ذلك عنك وأنك حاولت - بارك الله فيك – إصلاحه، وتحاولين أن تصبري حتى ينتهي بناء البيت الذي تبنونه في بلدكم ثم تنتقلون مع أولادك إلى بلدك الأصلي وتتركينه وحده، وله الحرية أن يرجع إليكم أم لا.

أقول - بارك الله فيك – هذه الرسالة تحتاج إلى عدة أمور:

الأمر الأول: أن زوجك مريض يحتاج إلى من يساعده على التخلص من مرضه، ويحتاج منك إلى تفكير وإلى النصح المستمر؛ لأنه أحياناً قد يكون هذا الأمر قد تأصل في نفس الإنسان، ويحتاج إلى فترة طويلة حتى يخرج منها، فيحتاج منك إلى الحوار العاطفي، يحتاج منك إلى الحوار العقلي، يحتاج إلى الحوار المنطقي، يحتاج منك إلى الحوار الشرعي، أن تبيني له خطورة ما يفعل وأن هذا الكلام لا يرضي الله تعالى وأنك لست موافقة عليه.

تقولين هو لا يتوقف رغم اقتناعه؟ أقول أيضاً حاولي معه - بارك الله فيك – لأنك تعلمين أن الهداية قد تنزل في وقت من الأوقات وأن الله قد يستجيب للدعاء في لحظة من اللحظات، فعليك بالدعوة والدعاء، عليك بالدعوة بمعنى التذكير ببيان الحلال والحرام، وعليك بالدعاء أن يهديه الله وأن يصلحه، والنبي عليه الصلاة والسلام بيَّن أن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، ولذلك قال أيضاً صلى الله عليه وسلم : (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء)، وأيضاً قال: (لا يرد القضاء إلا الدعاء)، فالدعاء يغيِّر هذه السلوكيات - بإذن الله تعالى – من سلوكيات سلبية إلى سلوكيات إيجابية، فعليك بالدعاء له والاجتهاد في ذلك أن يصلحه الله تعالى.

عليك بالدعوة أيضاً واختيار الأوقات المناسبة للكلام معه، وأن يكون حواراً عقلياً وأن يكون الحوار نفسياً وأن يكون الحوار شرعياً، حتى تستطيعين - بإذن الله تعالى – أن تقيمي عليه الحجة.

أنت تقولين بأنه مقتنع ولكنه رغم ذلك يفعل ذلك، أقول: الضعف الذي هو عليه فهو يحتاج إلى من يتقوى به على مواجهة هذه الشبه وتلك الشهوات، ولذلك قال موسى عليه السلام: (( وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا ))[طه:29-35].

هذا ما أتمناه بداية لأن وجودك مع أودك ومع زوجك قطعاً هو أفضل من أن تعيشي وحدك مع أولادك حتى وإن كنت ستعيشين في مكة بلد الله الحرام؛ لأن الأولاد لهم مشاكلهم وتربيتهم ليست بالأمر الهين، ومهما كنت لن تستطيعي أن تقومي بدور الأب والأم بنفس الكفاءة في وقت واحد، وسيشعر الأولاد بنوع من الضعف فيك، حتى وإن كنت قوية، أو يحدث عندهم نوع من التمرد أو نوع من الانحراف – لا قدر الله تعالى – أما وجود الأب مع الأم فإن وجود الأب صمام أمان الأسرة؛ لأن الأولاد جرت العادة بأن يهابوا أباهم أكثر من هيبتهم وخشيتهم من أمهم.

لذا نقول: دعينا نصلح الوضع القائم ولا نفكر في الاستقلال؛ لأن الاستقلال رغم أنه قد يكون جميلاً لأننا سنتخلص من هذه الرسوبيات الخاطئة إلا أنه أيضاً باهظ الثمن والتكاليف والأولاد خاصة وعليك أنت عامة أيضاً.

لذا أقول حاولي الإصلاح وحاولي الدعوة والدعاء، وحاولي التذكر بما لدى الله تبارك وتعالى من أجر ومثوبة للصالحين المستقيمين، وهذا الكلام كله أتمنى أن تجتهدي فيه قدر الاستطاعة.

أما فيما يتعلق بالبيت وأنه لك نية عندما ينتهي البيت أن تذهبي إلى بلدك لتقيمي به في نفس البيت، هذا لا أرى أنه نوع من الاستغلال؛ لأن هذا البيت لك ولأولادك، فأنتم الآن قد تعاونتم حتى أنشأتم بيتاً في بلاد المهجر وأيضاً تنشئون بيتاً الآن فمن السهل جدّاً أن تقولي له إني سأذهب لأقيم في هذا البيت، وإن شاء الله تعالى عندما تحتاجنا فسوف تأتينا، أو تذهبين بأنك ستمكثين هناك مثلاً فترة في الإجازة أو غيرها، وعندما يطلب منك العودة فمن الممكن في هذه الحال أن تعتذروا له والأمر يكون سهلاً.

كذلك كونك تبحثين عن مهنة أو حرفة تتعلمينها حتى تعتمدين على الله ثم عليها هذا ليس فيه حرج شرعي، فكونك تفكرين بهذه الطريقة هذا ليس فيه خيانة لزوجك ما دمت لا تأخذين شيئاً من ماله من ورائه؛ لأن هذه هي المشكلة، أن الأخت تأخذ شيئاً من مال زوجها دون أن يعلم رغم أنه لا يقصر في الإنفاق عليها، ما دام لا يقصر في الإنفاق فلا يجوز لنا أن نأخذ من ماله شيئاً، أما كونك مستقبلاً أنك تقيمين في البلد بعيداً عن الفتن والمعاصي فهذا شيء عادي وأعتقد أنه من الممكن أن يأتي بسهولة، كونك تفكرين فيه مجرد تفكير في ذلك هذا لا حرج فيه، ولكن - إن شاء الله تعالى – عندما تنزلين في فترة الصيف في الإجازة كحال غالب المهاجرين فمن الممكن أن تعتذري عن الذهاب معه وتبدئين تقيمين مع أولادك وتتفقون على ذلك، وأعتقد أن هذا قد يكون ممكناً، وإن كنت أتمنى ألا تتركيه أصلاً لأن وجودك معه كما ذكرت فيه نفع لك ولأولادك.

أنا حقيقة لا أحبذ الإقامة في بلاد الكفر، خاصة إذا كان الأخ غير ملتزم أو إذا كانوا ليسوا ملتزمين بالعمل الإسلامي كأن يكونوا مرتبطين بأحد المراكز الإسلامية التي تقوي عندهم الإيمان، لأني لاحظت أن الكثير من المهاجرين يفقدون الهوية والانتماء، والجيل الثاني من أبناء المسلمين يفقد انتماءه للدين ولا يحسن الكلام بالعربية وبالتالي يكون عرضة للذوبان في هذه المجتمعات الكافرة، فوجودك مع أولادك قطعاً في بلاد الإسلام أفضل بكثير بشرط أن تكون هذه هي نيتك أن تحافظي على أبنائك من الذوبان حتى وإن كانوا يحملون الجنسية الخليجية فإن بمقدورهم أن يذهبوا هناك مثلاً للعمل أو يذهبوا هناك لبعض الحاجات ثم يأخذون إقامتهم الدائمة في بلاد الإسلام الأصلية.

أسأل الله أن يوفقك في الدعاء لزوجك، وأن يوفقك في دعوته أيضاً، وأن يجعلك عوناً له على طاعته سبحانه وتعالى، كما نسأله تعالى لزوجك أن يرزقه الهدى والتقى والعفاف والغنى، وأن يعينه على غض بصره وتحصين فرجه، وأن يجمع بينكما على خير، ونسأله تعالى أن يوفقك في رسالتك وأن يثبتك على الحق، وأن يزيدك صبراً وصلاحاً واستقامة، وأن يمنَّ عليك بقضاء حاجاتك، إنه جواد كريم.
هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً