الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مدى علاقة الاطمئنان في المسجد وإطالة الصلاة بالمخاوف والاكتئاب

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لا أدري إذا كان ما أعانيه هو بداية مرض نفسي أم هو استقرار نفسي، حيث أنني - ولله الحمد - على قدر من الالتزام وأحاول أن أكون مجتهدا في مرضاة الله تعالى، وعلاقتي مع رب العالمين قد تكون على وتيرة واحدة منذ فترة طويلة وهي أنني أحصل على ما أتمناه من الله سبحانه وعلى أفضل مما أريد كالعمل والدراسة والزواج ولكن بعد صبر ومشاق للحصول عليه، وكان ديدني لذلك الصلاة والدعاء والصدقة والصبر.

ولا أخفيكم أن والدتي تعاني من مرض السرطان المنتشر في جسمها، ووالدي لديه مشكلة في عمله قد تؤدي به إلى الإبعاد، وأنا الأكبر من بين إخوتي ودائم التفكير فيما بعد هذا كله، وأنا متزوج منذ شهرين، وقد أثرت هذه المشاكل علي نفسياً لدرجة أن هناك ضعفاً في القدرة الجنسية، وكثيراً ما يراودني أني ظلمت زوجتي معي بهذا الزواج، ولكن صراحة لا أجد راحتي إلا بالصلاة في جماعة المسلمين في الصف الأول؛ حيث أنني لا أريد للصلاة أن تنتهي لأني أشعر بالأمان والراحة من كل الضغوط، وإذا انتهت أطيل بالسنة لكي لا أخرج من المسجد لأني أعلم أني خارج للدنيا وضغوطها ومشاكلها، فهل هذا بداية خوف واكتئاب؟

جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك، ونشكرك على تواصلك مع استشارات إسلام ويب.
فإن ظاهرة أن يلجأ الإنسان إلى ربه في كل شيء مع الأخذ بالأسباب هو المبدأ الإسلامي المطلوب، والذي يجب أن يسير عليه كل مسلم وكل مؤمن يؤمن بأن الأمر كله بيد الله، وعليه أن يسعى وعليه أن يجاهد وعليه أن يكابد، وعليه أن يغير ما بنفسه نحو الأفضل.

التزامك - أخي الكريم الفاضل – واجتهادك من أجل مرضاة الله تعالى لا شك أنه أمر يُحمد لك، ونسأل الله تعالى أن يزيدك في هذا، ولا شك أن الصبر وسيلة ودفاع نفسي ممتاز ومقبول ويساعد الإنسان في مجابهة الصعوبات ويجعل الإنسان أيضاً واقعياً في توقعاته، وهذا ضروري جدّاً لأن افتقاد الواقعية في التوقعات هو من أكبر المشاكل التي قد تؤدي إلى فقدان الطمأنينة، وهذا يؤدي إلى القلق النفسي الشديد، ومن ثم يُصبح الإنسان في دائرة مفرغة من القلق والتوتر والإخفاقات.
أنا لا أراك مريضاً، بل على العكس أنت تنتهج منهجاً سلوكياً ً إيمانياً يرفع من كفاءتك ومن مقدراتك النفسية، وتحس أنت بالراحة وبالسكينة حين تصلي الصلاة في المسجد مع الجماعة، ونعرف أنه بذكر الله تطمئن القلوب كما ذكر الله ذلك، والذي أقوله لك هو: أن تسير على منهجك هذا، وقد ذكرت أنك تطيل السنة لكي لا تخرج من المسجد، نحن بالطبع لا نستطيع أن نقول لك: لا تطل السنة، ولكن نقول لك: كن وسطياً في منهجك، ولا شك أن للحياة أيضاً متطلبات تتطلب الزمن، وتتطلب أن يقضي فيها الإنسان الوقت المعقول حتى يُنجزها بصورة صحيحة، فعليك أن توزع وقتك بصورة سليمة ما بين وجودك في المسجد وما بين متطلبات الحياة، والإنسان الذي يقوم بواجباته الحياتية بصورة صحيحة ومتوازنة هو في نوع من العبادة إن شاء الله تعالى.
وهنالك أمر آخر أود أن أذكرك به، وهو: يجب ألا تحس بالإخفاق أو الخذلان أو الشعور النفسي السلبي إذا لم تتحقق أمنياتك وما تنشد إليه، حتى مع الدعاء ليس من الضروري أن يتحقق كل ما تريد في نفس الوقت، فالاستجابة قد تأخذ وقتاً، والصبر يجب أن يطول، والدعاء قد يُبعد عن الإنسان ابتلاءات أخرى، فكن منفتحاً ومستوعباً لهذا الأمر، ويا حبذا لو ناقشت هذا مع أحد المشايخ أو مع إمام المسجد الذي تصلي فيه.
قد سألت سؤالاً جيداً وهو: هذا الذي تقوم به من قضاء وقت طويل في المسجد وشعورك بالراحة الشديدة وخوفك من الخروج إلى الدنيا، هل هو دليل على خوف أو اكتئاب؟
هذا السؤال سؤال جيد، لأنه طرحت تساؤلات مشابهة ومماثلة في بعض الدوائر النفسية، فقد ادعى البعض –وبكل أسف– أن الميل للتدين الشديد من شخص لم يعرف عنه التدين هو دليل على خوفه وشعوره بالذنب، وربما أنه قد أصيب باكتئاب.
وهذا الكلام بالطبع ليس صحيحاً، فالإنسان الذي يقترف الذنب حين يتوب وحين يندم على ما قام باقترافه في السابق من ذنوب ويحس بشيء من الخوف والرهبة، هذا هو المطلوب، وهذا هو الذي سوف يدفعه للمزيد من الالتزام، والإنسان المسلم يعيش في هذه الحياة على جناحين جناح الخوف وجناح الرجاء، الخوف من الله والرجاء في رحمة الله.

أنا شخصياً لستُ مقتنعاً بهذه النظرية وهذا الادعاء الذي يقول: إن التدين هو دليل على وجود خوف يؤدي إلى الاكتئاب، وقد أجرينا حول ذلك حوارات مع بعض الزملاء من الأطباء الذين يقللون من أهمية المنهج الإيماني والإسلامي بكل أسف.
فأنت لست مكتئباً ولست في حالة خوف ورهبة، بل لعلي أعتقد أنك في طمأنينة وسكينة، لأنك في بيت من بيوت الله.
ثانياً أنك تقوم بالصلاة وبالتسبيح وبقراءة القرآن، وقد قال الله تعالى: ((الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ))[الرعد:28]، وقال صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله -وذكر منهم- ورجل قلبه معلق بالمساجد)، وقال صلى الله عليه وسلم: (من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح)، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلاّ نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده).
والخوف من اقتراف الذنوب أيضاً هو أمر مطلوب، وقد قال -صلى الله عليه وسلم: (وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذف في النار)، وعليك أن تسأل الله تعالى أن يوفقك وأن يثبتك وأن يسدد خطاك، وأدعوك فقط أن تكون وسطياً، لأن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، وأن تعطي واجباتك الدنيوية أيضاً حقها، فإن لبدنك عليك حقاً وإن لأهلك عليك حقّاً وإن لزورك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه.
أما بالنسبة للابتلاء الذي أصيبت به والدتك فنسأل الله تعالى أن يشفيها وأن يعافيها وأن يجعل لها ما هو خير، ولا شك أنها لحظات مؤثرة بالنسبة لك ولمن حولك من الأسرة، ولكن الإنسان ليس بيده شيء، فعليكم أن تطرقوا باب الطب وأن تدعو لها وأن تحاولوا برها بقدر المستطاع، هذا هو المطلوب، وبالنسبة لوالدك نسأل الله تعالى أن ييسر الله له أمره وأن تحل هذه المشكلة التي تواجهه الآن، ونسأل الله أن يكتب له الخير حيث كان.

تفكيرك في شأن أسرتك وأنك أنت الأكبر بين إخوتك وانشغالك بما سوف يحدث هذا أمر طبيعي أن يقلق الإنسان حين يواجه بمثل هذه الظروف، والمطلوب هو الصبر والدعاء والتوكل والسعي، فاسعى بما تستطيع لمساعدة والديك وإخوتك وزوجتك، ولا شك أن لنفسك عليك حقّاً.

ضعف القدرة الجنسية هو نوع من الأمر الظرفي، ولا أعتقد أنه ناتج من مرض حقيقي، فأنت لا شك أنك متأثر بالوضع الذي فيه والدتك، وأنا واثق أن زوجتك سوف تقدر ذلك، وعليك أن تقلل من تفكيرك في مشاكل الدنيا وصعوباتها، وحاول أن تعيش لحظات طيبة وجميلة مع زوجتك، وإن شاء الله سوف ترجع الأمور إلى طبيعتها.

يوجد عقار دوائي بسيط يسمى تجارياً وعلمياً باسم (موتيفال Motival) يساعد في علاج هذا القلق الظرفي، كما أنه يحسن المزاج قليلاً. لأني لا أرى أنك مريض حقيقةً- ولكن لا شك أن الضغوطات النفسية التي تحيط بك أدت إلى شيء من عدم القدرة على التواؤم وعدم القدرة على التوافق النفسي، وهذه - إن شاء الله تعالى – سوف تنتهي.

تناول العلاج بجرعة حبة واحدة ليلاً لمدة شهرين ثم تناوله بنفس الجرعة (حبة واحدة) ليلاً عند اللزوم فلا مانع في ذلك، فهو دواء بسيط ويساعد في تقليل القلق والتوتر.

وفي الختام: لمزيد من الفائدة حول موضوعك، يمكنك الاطلاع على هذه الاستشارات، والتي تتكلم عن النسبة للسنة النبوية لعلاج الأمراض النفسية:
(272641 - 265121 - 267206 - 265003

بارك الله فيك، وأسأل الله تعالى لوالديك العافية والشفاء والتوفيق، وأسأل الله أن يثبتنا جميعاً على المحجة البيضاء.
وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً