الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إرشادات لفتاة في نقلها كلام صديقتها عن زوجها وأخيه

السؤال

كنت وصديقتي نتحدث فأخذنا الحديث إلى ذكر زوجها، فقالت لي: إنه كان يحادث فتيات، ثم تحدثت عن أخيه فقالت بأنه قليل أدب ويحب يسافر إلى أي مكان، ورجعت إلى المنزل ونسيت الكلام، فتذكرته وتحدثت فيه مع أخواتي فكررت نفس كلام صديقتي بدون أي نية أو تفكير.

بعد مرور ساعات طوال على حديثي مع أخواتي أوجست في نفسي خيفة من أن يكون هذا الكلام الذي قالته صديقتي ثم قلته نقلاً عنها فيه شيء من القذف!

أنا خائفة جداً وأعيش حالاً لا يعلمه إلا الله، فأرجوكم أنقذوني.

أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيّوم وأتوب إليه.

للعلم: منذ مدة وأنا أجاهد نفسي وأقلل من كمية الكلام في الناس، وهذه -والله- زلة لسان ندمت عليها كثيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم عمر حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله – جل جلاله – أن يغفر لك وأن يتوب عليك، وأن يتجاوز عن سيئاتك، وأن يجنبك الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأن يرد عنك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك – ابنتي الكريمة الفاضلة – فإنه حُق لك أن تخافي وأن تعيشي هذه الحالة من عدم الاستقرار؛ وذلك لأن ما فعلته إنما هو خيانة بأمور، منها:

(1) خيانة الأمانة، فإن صاحبتك هذه قد ائتمنتك على هذه الأسرار وقد خنتها وهذا ثلث النفاق.

(2) الغيبة، فأنت قد اغتبت هذه الأسرة، والغيبة كبيرة من الكبائر أيضاً.
والغيبة هي ذكرك أخاك بما يكره كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام، وكما ذكر أهل العلم أن من شؤم الغيبة أن الله تبارك وتعالى قد يأخذ من حسناتك أزكى ما لديك ليقدمه إلى من اغتبته، لأنك ذكرت أسوأ ما فيه، فيحرمك الله تبارك وتعالى من أحسن وأطيب ما في أعمالك وحسناتك، وقد تفاجئين يوم القيامة بأنك قد حججت أو اعتمرت أو بنيت مسجداً أو مدرسة أو صنعت معروفاً كبيراً، تفاجئين بأنه غير موجود في صحيفة حسناتك، فتقولين: يا رب! لقد فعلت فعلاً لم أجده، فيقول: بما أنك ذكرت عبداً من عبادي بأسوأ ما فيه حرمناك من أحسن ما في صحيفتك وهو هذا العمل.

هذا بعض ما ورد في شأن الغيبة والمغتابين، ولذلك أقول: ينبغي عليك فعلاً أن تجاهدي نفسك وبشدة وبقوة في مسألة الكلام وعدم ترك الحبل على الغارب للسانك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صمت نجا) وقال أيضاً لمعاذ رضي الله تعالى عنه: (يا معاذ! إنك لن تزال سالماً ما سكت، فإن تكلمت كُتب لك أو عليك)، وكما ورد من كلام بعض السلف: "ما أحوج إلى طول سجن من اللسان"، ولقد جعل الله تبارك وتعالى للسان عاملين كبيرين من عوامل الضبط والتحكم، فلقد أحاط اللسان بقفص عظمي شديد وهو الأسنان، ثم أحاطه أيضاً بقفص آخر وهو الشفتان، ولذلك جعل العقوبة الكبرى التي يتعرض لها الإنسان معظمها من اللسان، ومن هنا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من يضَمن لي ما بين فكَّيه وفخذيه أضمن له الجنة)، لماذا؟ لأن اللسان شأنه خطير، و(كان أبو بكر – رضي الله عنه – يُمْسك لسانه ويقول: هذا الذي أوردني الموارد) أو المهالك، أو كما قال رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

فالمطلوب منك - بارك الله فيك – أولاً أن تنتبهي لنفسك انتباهاً شديداً، وأن تجتهدي في عدم الكلام مطلقاً إلا بعد عرض الكلام على عقلك، فإن كان فيه من خير قلته وإلا توقفت عنه، ستعانين في أول الأمر، ستعانين معاناة شديدة لأن الناس عندنا لديهم تساهل شديد في الكلام، وستشعرين بأنك أصبحت غير طبيعية بين زميلاتك وفي بيتك وإلى غير ذلك من أماكن اللقاء والتجمع، لكن أحسن من أن أقول كلاماً أُسأل عنه يوم القيامة كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام: (وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً فيهوي بها في النار سبعين خريفاً).

فإذن: نصيحتي لك: مواصلة المجاهدة والضغط على نفسك بكل قوة وأن تكوني في غاية الانتباه واليقظة لكل كلمة تخرج منك حتى لا تأتي فقيرة يوم القيامة، وحتى لا تأتي عليك من السيئات ما الله به عليم.

مع الإكثار من التوبة والاستغفار والأعمال الصالحة وعقد العزم على ألا تتكلمي في حق أحد كائناً من كان من العباد، ولذلك ورد أن رجلاً صحب سفيان الثوري أربعين عاماً فقال: يا أبا عبد الله! صحبتك أربعين عاماً فما وجدتك تذكر أحداً من الناس بسوء؟ فقال: يا ابن أخِي! شغلتني عيوب نفسي، فعندما أنتهي من عيوب نفسي أنظر في عيوب غيري.

فينبغي أن يكون هذا هو حالك وشعارك وأن يكون هذا ديدنك وطبيعة حياتك، وأكثري – كما ذكرت – من التوبة والاستغفار: (أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه)، (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)، (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، إلى غير ذلك من صيغ الاستغفار، والبكاء بين يدي الله أن يغفر الله لك، واعلمي أن من تاب تاب الله عليه، واعلمي أن الندم توبة، واعلمي أن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، واعلمي كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.

أسأل الله أن يغفر لي ولك، وأن يستر عليَّ وعليك وعلى المسلمين جميعاً، وأن يعيننا جميعاً وسائر المسلمين الموحدين على ذكره وشكره وحسن عبادته.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً