الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طفلي عنيد وعدواني ويتمتع بذكاء!!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حضرة المستشار المكرم..، أرجو أن تكونوا بخير وعافية، نفع الله بكم الإسلام والمسلمين، وجزاكم خير الجزاء، وبعد:

فإني رجل متزوج، ولدي من الأبناء خمسة ـ ولله الحمد ـ، أعمل معلماً، أولادي طيبون ولله الحمد غير أن ابني الثاني، والبالغ من العمر 10 سنوات لديه مشاكل سلوكية ونفسية، وقد يكون لها علاقة بتركيبة المخ، ولعلي أذكر لكم بعض هذه المشاكل.

أولاً صفاته:
1- عمره 10 سنوات.
2- عنيد جداً، فإذا أراد فعل شيء أو عدم فعله يصعب جداً تحويله عمَّا أراد.
3- لديه بعض الأنانية.
4 - عدواني على إخوانه قليلاً.
4 - يرفض الصلاة حتى في البيت.
5 - يرفض الذهاب إلى مركز حفظ القرآن.
6 - يتمتع بذكاء قد يكون أحسن من إخوته، بدليل نسبته في آخر العام الدراسي.
7 - يأكل بالشمال رغم المحاولات المتكررة معه والترغيب والترهيب، مع قدرته على الأكل باليمين.
8 - مولع جداً بألعاب الحاسوب.

ثانياً: الأساليب التي اتخذتها معه:
1- النصح والتوجيه والإرشاد الهادئ.
2- الحرمان مما يحب.
3- التخويف.
4- المقاطعة.
5- الضرب غير المبرح.

وبناء على ما سبق، فإني أستعين بالله ثم بكم لإرشادي إلى الطريقة الأنسب لتربية هذا الطفل، الذي يختلف عن إخوته كما ذكرتُ لكم صفاته، وهل صفاته المذكورة طبيعية، أم أن هناك أسباباً تتعلق بتركيبة المخ أم عوامل أخرى؟ علماً أننا نعيش في جو أسري هادئ وسعيد ـولله الحمد والفضل والمنة-.

أنتظر ردكم بفارغ الصبر، وجزاكم الله خيراً، وبارك فيكم ونفع بكم الإسلام والمسلمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو عبد الرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن هذا الابن -حفظه الله تعالى- يعاني من اضطراب العناد أو المعاكسة -كما يسمى- بمعنى أنه يرفض أن يتبع النظم الوالدية السلوكية المطلوبة، ونحن حين ننظر إلى أي مشكلة تربوية خاصة بالأطفال، دائماً نحاول أن ننظر إلى الطفل في حد ذاته ككيان نفسي ووجداني، وننظر إلى الأسرة، وكذلك إلى بيئة الطفل الأخرى، التي تحمل ما يمكن أن نسميه بالعوامل المرسبة لمثل هذا السلوك.

إذا نظرنا إلى الطفل ننظر دائماً إلى العوامل المهيئة، أي لماذا يسلك هذا الطفل هذا المسلك؟ هل هناك اختلاف بيولوجي فطري عضوي داخلي في هذا الطفل عن بقية إخوانه؟ أم أن الأمر كله متعلق بالعوامل المرسبة؟ أي بمعنى أن التغيرات البيئية التي حوله هي التي ربما تكون أدت إلى سلوكه.

والعلاقة بين العوامل المهيئة والعوامل المرسبة هي علاقة تفاضل وتكامل، بمعنى أن الجرعات المهيئة قد تكون عالية وتكفي جرعة مرسبة بسيطة لظهور اضطراب المسلك.

لمزيد من التوضيح نقول: إن أحد العوامل المهيئة الرئيسية هي الإصابات الدماغية البسيطة والخفيفة والخفية أثناء الولادة مثلاً، أو التعرض لحميات، أو أي إصابة في الصغر، ويأتي بعد ذلك العامل المهيئ، والعامل المهيئ قد يكون منهجاً خاطئاً من الوالدين في التعامل، أو على مستوى المدرسة أو على مستوى الرفاق، فهذه الجرعات حينما تلتقي مع بعضها البعض تولد السلوك.

من الواضح أنه من فضل الله عليك أن أسرتك أسرة مستقرة متوازنة وفاعلة، وهذه هي المقاييس الرئيسية للأسرة، والأمر الذي نركز عليه كثيراً ونراه مهماً هو ألا ننظر لأبنائنا كشريحة واحدة، والمقارنات دائماً قد توقعنا في أخطاء تربوية، بمعنى أنه يكون لديَّ ابن هادئ جدّاً ومطيع جدّاً ويسهل توجيهه وانقياده، ويكون لي ابن آخر تكون شخصيته أقوى فيكون اندفاعيًا ويكون معاكساً في تصرفاته، عنيدًا بعض الشيء، وقد لا تكون هذه السمات السلوكية بالضخامة أو الجسامة الكبيرة، ولكني حينما أقارن ما بين الاثنين دائماً أضع اللوم على هذا الابن الاندفاعي، وأنسى أن الابن المنقاد والمطيع أكثر مما يجب أيضاً لديه علة تربوية، حيث إن شخصيته محتاجة لشيء من البناء ليكون أكثر فعالية وأكثر اعتمادية.

هذا قد يحدث في بيتي وفي بيتك، وفي أي بيت، فيجب أن نتفهم أن الأبناء والبنات يجب ألا يكون سلوكهم متطابقاً ولن يكون متطابقاً، ويجب أن نبتعد عن المقارنات، في كثير من الأحيان تكون هذه المقارنات ليست صحيحة.

أنت رجل تربوي ومعلّم ولا شك أن هذه النواحي التربوية معروفة لديك، وأنت مدرك لذلك، ولكني فقط قصدت التنبيه لهذا الأمر نسبة لأهميته.

هنالك علل تجعل الأطفال يعاندون، وبعضهم لا يتبع الإرشاد الوالدي، وهو أن الطفل قد عُومل معاملة خاصة في الخمس السنوات الأولى في حياته، وبما أنه قد اكتسب بعض الحوافز والمكاسب من قبل الوالدين، وبعد ذلك أدرك الوالدان أن المنهج التربوي لم يكن صحيحاً، وأن هذا الابن يطالب بالمزيد، وحينما يحاول الأهل توجيهه يرفض ويحتج، وذلك بمزيد من العناد، ومزيد من التصلب.

بعض الأبناء -والبنات أيضاً- يكون لديهم اضطراب في زيادة الحركة، وقد يكون مصحوباً بضعف في التركيز، وهذا يجعل الطفل معانداً جدّاً، وهذا ربما يكون ناتجاً من تغيرات دماغية داخلية بسيطة تتحسن بمرور الوقت، أما إذا كان شدة الحركة بصورة مفرطة ومزعجة، فلابد أن يكون هنالك علاج سلوكي، وعلاج آخر دوائي.

ما أقوله لك هو أمر افتراضي، وليس من الضروري أن ينطبق على ابنك، ولكنها أيضاً حقائق نحب أن نوجه إليها، وهذا الابن أريدك أن تركز على ما هو إيجابي فيه، وأعتقد أن أحد إيجابياته أنه مجيد لدراسته، وهذه يجب أن يحفز عليها ويجب أن يُشجع عليها، وكل سلوكٍ إيجابي آخر يجب أن ينمى، وأود أن أنبهك أن التصرف السلبي واضطراب المسلك إذا وُجد لدى أحد من أبنائنا يُنسينا دائماً ما هو إيجابي عن هذا الابن أو البنت، فأنا لا أريدك أن تتجاهل هذا الجانب، نمّ ما هو إيجابي في هذا الابن.

وأسلوبك فيما يخص النصح والتوجيه والإرشاد لا شك أنه أسلوب جيد، وأسلوب الحرمان أكثر مما يجب، يجب أن نتعامل معه بحذر، ويجب أن تكون المحفزات أكثر من الأشياء التي يُحرم منها، والتخويف ليس أسلوباً جيداً، ولكن التنبيه القوي هو الأفضل، والمقاطعة أسلوب جيد، ولكن المقاطعة التي أعنيها أن الطفل حينما يرتكب سلوكاً خاطئاً يصعب تحمله، يمكن أن نضعه في الغرفة لوحده ويحجز لمدة نصف ساعة مثلاً، ومهما كان مستوى احتجاجه وصراخه لا يُستجاب له.

الضرب ربما يكون أسلوباً مرفوضاً خاصة الضرب حين الغضب، نحن حينما نضرب أبناءنا في الأوقات السالبة يكون ضربنا انتقامياً ولا شعورياً، ويؤذي أكثر مما ينفع، فيجب أن يتم تجنبه بقدر المستطاع.

أريدك أن تبني نوعاً من الرفقة معه، والأخذ بيد هذا الابن بأن تقربه إليك، وتنتهج والدته أيضاً نفس هذا المنهج، ويجب أن تشعره بكينونته في الأسرة، على سبيل المثال: حاول أن توصل له أنك تشاوره حتى في أمور الأسرة، يجب أن تركز على تحفيزه لأي سلوك إيجابي يقوم به، ويجب أن تتجاهل أخطاءه وتصرفاته السالبة بقدر المستطاع، وأن يكون هنالك نوع من المقاطعة كنوع من تعزيز السلوك الإيجابي وإزالة السلوك السلبي.

التحفيز يكون بالكلمات الطيبة، الابتسامة، مكافأته بأن تأخذه معك لمشوار ما أو لمكان ما، الهدايا البسيطة في نهاية الأسبوع، وهذه يمكن أن تكون مشروطة، ويمكن أن تطبق طريقة النجوم مع هذا الطفل، وهي طريقة فعّالة ما بين عمر سبع إلى تسع سنوات، ولكن أيضاً في عمر العشر سنوات تكون مقبولة جدّاً.

حاول أن تتيح له الفرصة ليكون مع أقرانه الذين تطمئن لهم، واجعله يمارس الرياضة -أي نوع من الرياضة- لأن الرياضة تمتص الاندفاعات السلبية وتزيد من الطاقات النفسية الإيجابية نحو ما هو إيجابي.

الولع بالحاسوب لا شك أنها مشكلة، ولكن هذه في حد ذاتها يمكن أن تجعل منها شرطاً سلوكياً للمكافأة والتحفيز، وكذلك الحرمان لتعديل السلوك.

هذه هي المبادئ العامة والتي تتطلب بالطبع الصبر، كما أن منهج الأسرة يجب أن يكون منهجاً واحداً وثابتاً في التعامل مع الطفل، بمعنى أن والدته يجب أن تنتهج معك نفس هذا المنهج، المكافأة تكون واحدة، الشدة معه تكون أيضاً من جانب الطرفين، وهكذا.

ما دام أداء الطفل أداءً أكاديمياً جيداً فلا نعتقد أن هنالك إصابة دماغية حقيقية، وما دام لا توجد مؤشرات واضحة لإفراط في الحركة أو ضعف في التركيز، فنقول لك: الترغيب وشيء من الترهيب وإتاحة الفرصة له بالتمازج مع الآخرين وإعطاؤه وضعاً في الأسرة حتى تجعله يهتم بإخوته الصغار؛ سوف يساعد في بناء شخصيته وتعديل سلوكه بصورة إيجابية.

بما أنك موجود في قطر يوجد كتاب جيد جدّاً في مكتبة الثقافة، للأخ الزميل الدكتور/ مأمون مبيض، وهذا الكتاب بعنوان: (أولادنا من الطفولة إلى الشباب)، يمكنك أن تقتني هذا الكتاب، وفيه الكثير من الموجهات السلوكية الجيدة حسب المرحلة العمرية للطفل.

نسأل الله أن يحفظ أبناءك، وأن يجعلهم قرة عين لك، وأنا أؤكد لك أن الأطفال يتغيرون حتى بصورة تلقائية، ولكن لا شك أن العمل على تعزيز الإيجابيات وتقليل السلبيات لدى الأطفال هو المبدأ التربوي الذي يساعد في تعديل السلوك، حتى وإن استغرق ذلك وقتاً.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً