الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما هي بعض الأساليب التي تحسن من تعامل الأبناء مع الوالدين؟

السؤال

الرجاء إفادتي عن التصرف الشرعي في التعامل مع مشكلة عدم احترام الأبناء لوالديهم، أتمنى إفادتي بتوجيهات تساعدني على حسن تربيتهم وتوجيههم والإحسان إليهم.

فقد سامحت وتغافلت عدة مرات من باب (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، [المؤمنون:96]، ومن باب (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ)، [آل عمران:134]، والعفو وهكذا، ولكن دون فائدة بل بالعكس فكل من الأبناء أصبح يتمادى في تطاوله علي باللسان ورفع الصوت وعدم سماع الكلام.

رغم معرفتهم -ولله الحمد- بأني حريصة على تربيتهم، وأقابل السيئة بالحسنة، وأعقد في بيتي عادة دروساً للجيران، إلا إن إحدى الأخوات قالت لي إن تحملك لأبنائك خطأ، اردعيهم، اهجريهم، لا تقبلي منهم العذر، واقسي عليهم، فهل هذا التصرف صحيح أم لا؟

آمل إرشادي إلى التصرف الشرعي السليم لمعالجة مشكلتي مع أبنائي، بارك الله فيكم، وجزاكم الله عني خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ السائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يصلح لك أبناءك وأن يبارك فيهم، وأن يحفظهم من كل مكروه وسوء، وأن يعينهم على حسن معاملتك والإحسان إليك أنت، وكل من يتعامل معهم من أسرتك الكريمة ومن أقاربك ومن عموم المسلمين.

وبخصوص ما ورد برسالتك -أختي الكريمة الفاضلة- فلعلك قد أرسلت هذا السؤال متأخرة؛ لأن الأولاد لا يسلكون هذا المسلك إلا بعد فترة طويلة من الزمن، والتربية في الحقيقة لها مراحل ومراتب بعضها على بعض، فهي كالبنيان، وكالبيت المتعدد الطوابق، تبدأ التربية وما زال الطفل في بطن أمه، ثم إذا خرج إلى الحياة تبدأ ما يعرف بالطفولة المبكرة، وفي هذه المرحلة يتعلم الولد أشبه ما يكون بالكاميرا أو بالفيديو، ما يراه وما يسمعه يسجل في ذاكرته، ثم بعد ذلك يخرج من الطفولة المبكرة وهي مسألة الاستماع دون الاعتراض أو إبداء أي رأي ودون الإنكار، وهي تنتهي هذه عادة بالمرحلة السادسة من الزمن، يبدأ بعد ذلك بالدخول في مرحلة الطفولة المتأخرة وهي التي تبدأ من السادسة إلى مرحلة البلوغ، وهذه المرحلة تكون أيضاً ترجمة وتكون تكميلاً للمرحلة الأولى، إلا أن الولد يبدأ فيها يتكلم بكلمات ويكتسب عادات، لأنه خرج الآن من محيط الأسرة الضيق إلى الجامعة المفتوحة -أقصد الشارع والأقارب والجيران- ثم أيضاً إلى المدارس، والمدارس مفتوحة لا تستطيع أن تضبط سلوك الأولاد فيها، ولا ما يسمعونه أو يتلقونه ويشاهدونه من تصرفات، كل ذلك يجعل هناك نوعاً من التحدي للأسرة، فإذا أهملنا الأولاد في المرحلة الأولى وهي مرحلة الطفولة المبكرة، ولم تكن التربية تربية منظمة مبرمجة واضحة المعالم فإن الأولاد قطعاً سيحدث لهم ما حدث مع أبنائك.

أنا لا أدري حقيقة أبناؤك الآن في أي سن، ولكن عموماً في جميع الأحوال ليس لك إلا الدعاء لهم والصبر عليهم والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا مانع -بارك الله فيك- بين الحين والآخر أن تهجريهم أو تتوقفي عن الكلام معهم، ولكن ليس لفترات طويلة، ولا تعاقبوهم كلهم مرة واحدة؛ لأن هذا الأمر قد يجعل العقاب لا قيمة له، وإنما عاقبيهم شخصاً شخصاً، فمثلاً إذا أساء أحدهم فقولي له: (اسمح لي، أنا لا أكلمك بعد هذه الإساءة)، وحاولي ألا تتكلمي معه وأن تهجريه ولو لمدة يوم.

بعد ذلك سيأتي يعتذر، فيتعلم الولد مهارة جديدة وهي مهارة الاعتذار إذا أخطأ، ويشعر حينها أنك الأم التي بينها وبين أبنائها حدود، لابد من أن نضع حداً، فالمحسن يكافأ على إحسانه، على سبيل المثال: إذا فعل ولد من أولادك شيئاً طيباً فاجمعي الأسرة كلها وكرّميه أمام أبنائك جميعاً، حتى يشعر بأن الحسنة عندك تختلف عن السيئة، أما إذا فعل الولد شيئاً غير طيب وتصرف تصرفاً غير حسن فقاطعيه ولا تتكلمي معه، وإن حاول الكلام معك فلا تتكلمي معه، إلا إذا جاء معتذراً، بدون الردع ولا غير ذلك من الأساليب، وإنما بهدوء وبأسلوب بسيط، ويمكنك مثلاً أن تمنعيه من الخروج، أو إذا أراد شيئاً معيناً فلا تستجيبي له، حتى يعتذر ويعلم أنه أخطأ، لأننا نريد أن نعلم أبناءنا الخطأ من الصواب، فالخطأ نعاقب عليه ولكن عقاباً هادئاً ليس عقاباً شديداً، فالضرب لا يجدي وهو وسيلة فاشلة في التربية، وإنما كما ذكرت فالهجر والتوبيخ بالكلام مفيد، بشرط أن يكون هذا بينك وبينه وليس أمام بقية إخوانه حتى لا يشعر بكسر النفس فيتحول إلى مجرم مرة أخرى.

ويكون هجره ليوم أو يومين - لأنه لا يجوز الهجر لأكثر من ثلاثة أيام – وأنت الآن ما أردت إلا تربيته وتوجيهه حتى يأتي فيعتذر، فعندما يأتي يعتذر تقولين له: (يا ولدي أنا ما فعلت ذلك إلا من أجل مصلحتك، وأنت فعلت أشياء لا تنبغي، وهي كلها أخطاء، وأنا أتمنى ألا تفعلها) وتضمينه إلى صدرك وتضعين يدك على رأسه وتعبثين في شعره بأصابعك، وتمسحين جسمه كله بيدك حتى يشعر بدفء العاطفة والحنان، وأنك لم تكرهيه لأنه أخطأ، وإنما تقولين: (أنا أحبك ولكني أكره التصرف الخطىء)، وبذلك تستطيعين أن تخففي من الأشياء التي تشكينها، ومن هذا التطاول.

وعليك بأمر مهم جدّاً وهو الدعاء؛ لأن الله -تبارك وتعالى- جعل الدعاء قطعاً من أعظم عوامل التغيير، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن) وذكر منها: (دعوة الوالد لولده) أو (دعوة الوالد على ولده)، فإذن دعاؤك لابنك أو لابنتك من أعظم أسباب التغيير.

أسأل الله أن يصلحهم وأن يهديهم -وأبناءنا- صراطه المستقيم.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً