الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

النسيان الشديد وضعف التركيز... أسبابه وكيفية التخلص منه

السؤال

عمري 48 عاماً، مشكلتي مع الذاكرة، فقد أكون حافظاً للشيء، ولكن ما إن يسألني فيه أحد حتى يتبخر من ذهني، أحاول جهدا تذكره، لا أقدر، وعند القراءة للحفظ أو المذاكرة كثيراً ما أشعر بالكلمات وكأنها بخار، وكأن عقلي زجاج، لا تكاد تعلق به المعلومات حتى تختفي مع أني قرأتها للتو، فإذا توقفت محاولا استرجاع ما قرأته من دقيقة واحدة لا أتمكن.

والغريب أني أذكر الكثير جداً من الأشياء التي مررت بها منذ أعوام طويلة، وفي أحيان كثيرة تطرأ هذه الذكريات القديمة على ذهني بدون أي مثير لها أو وجود ما يتصل بها في لحظة التذكر.

المؤلم أني بدأت في دراسة العلوم الشرعية دراسة منتظمة، وأخشى أن تعوقني هذه المشكلة عن تحقيق أملي في تحصيل العلم النافع لي في الدنيا والآخرة.

أستعين بالله العلي العظيم ثم بكم، عسى أن يجعلكم الله سبباً في شفائي.

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مسلم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن ضعف الذاكرة وعدم القدرة على الاستذكار قد تكون له أسباب عضوية وقد تكون له أسباب نفسية، ولا شك أن المرحلة العمرية في حياة الإنسان أيضاً تلعب دوراً في الاستذكار.

يعرف أن عملية الذاكرة لها مسارات ولها عوامل تساعد في قوتها أو في ضعفها، فالإنسان يستقبل المعلومة، ودرجة حرصه في استقبال المعلومة هي من أهم الأشياء التي تحدد مدى احتفاظه واستيعابه لهذه المعلومة، فإذا كان الإنسان يتلقى المعلومة عن طريق أكثر من عضو حسي فهذا يساعد على تثبيت المعلومة، فمثلاً إذا قرأ الإنسان معلومة وفي نفس الوقت يقرأها بصوت مرتفع ويكون منتبهاً ويكون ممسكاً للكتاب بين يديه، هنا يكون قد استعمل حاسة اللمس وحاسة النظر والصوت أيضاً.

وهذا يجعل المعلومة تكون في وضع قوي وتسير بعد ذلك المعلومة من خلال مسارات عصبية وبمساعدة مواد كيميائية معينة في المخ، ثم تخزن في مراكز معينة في منطقة في المخ تعرف بالفص الصدغي، ومن خلال عمليات معقدة جدّاً - لا يعلم كونها إلا الله تعالى – يتم تشفير وتخزين هذه المعلومات، وبعد ذلك يستخرجها الإنسان حسب الحاجة إليها، وتكون الاستفادة منها حسب درجة القوة التي شفرت وخزنت بها هذه المعلومات.

لا شك أن رغبة الإنسان في التعلم أيضاً هي عامل أساسي، حالته النفسية ومدى اهتمامه بالمعلومة في حد ذاتها أي هي عوامل مهمة جدّاً في حفظ المعلومة.

ويتفاوت الناس في قوة ذاكرتهم، وهنالك من له قوة ذاكرة في حفظ أشياء معينة، ويكون في نفس الوقت لديه قصور أو ضعف في أشياء أخرى.. هذه معروفة وسط الناس.

الأسباب العضوية التي تؤدي إلى ضعف الذاكرة من أهمها ضعف إفراز الغدة الدرقية، وهذا نحن دائماً ننصح الإخوة بالقيام بهذا الفحص، وهو فحص بسيط جدّاً للتأكد من وظائف الغدة الدرقية، فأرجو أن تقوم بهذا الفحص.

كما أن التأكد أيضاً من مستوى فيتامين (B12) في الدم أيضاً هذا من الفحوصات التي نقوم بها كعمل طبي روتيني حين نريد الوصول لأسباب ضعف الذاكرة لدى أي إنسان فوق عمر الأربعين سنة.

في بعض الأحيان نقوم أيضاً بعمل اختبارات علمية لتحديد مدى ضعف الذاكرة. الناس تتكلم عن ضعف الذاكرة، في بعض الأحيان يكون مجرد شعور وهذا الشعور يكون مسيطراً ولا يكون حقيقة، فهنالك اختبارات علمية معينة يقوم بها الأخصائي النفسي لتحديد ضعف الذاكرة، فإذا أتيحت لك هذه الفرصة فقمت بإجراء هذه الاختبارات هذا أيضاً سيكون أمراً جيداً ومكملا.

في بعض الأحيان أيضاً نقوم بإجراء صورة مقطعية للدماغ حتى نتأكد أنه لا يوجد أي تلف في الخلايا.

لا تنزعج لهذا الذي أقوله لك، هذه مجرد معلومات علمية من حقك أن تلم بها.

أنا أستطيع أن أقول من مستوى ذاكرتك: إنك لا تعاني من سبب عضوي خطير، مثل التلف في الدماغ أو ضمور في الخلايا الذي ذكرته لك، هذا قطعاً أنت لا تعاني منه إن شاء الله تعالى؛ لأن الذي يعاني من مثل هذه الأشياء لا يستطيع أن يكتب رسالة بهذا التنسيق وبهذا الوضوح.

إذن هذا اختبار أماني نستطيع من خلاله أن نحكم على حالتك، ولكني أريدك أن تقوم بفحص الغدة الدرقية، وكذلك فحص فيتامين (B12) في الدم.

يبقى بعد ذلك الأسباب النفسية، وهي الأهم لأنها الأكثر شيوعاً، أهمها الاكتئاب النفسي والقلق النفسي، والاكتئاب النفسي قد يأتي في شكل عسر في المزاج أو الشعور بالاكتئاب أو بالإحباط، أو تكون هنالك أعراض جسدية كضعف النوم وقلة الشهية وضعف الرغبة في عمل الأشياء وقلة الطاقات النفسية والجسدية. وبعض الناس قد تأتيهم فقط في صورة تعب وشعور بالإجهاد وضعف في الذاكرة.

هذه هي الأسباب وهي المهمة، وأنا أعتقد أنه ربما يكون لديك شيء من القلق، ولذا عليك بالأشياء التي سوف أنصحك بها:

(1) حين تقرأ أي شيء حاول أن تصرف نفسك صرفاً كاملاً لهذا الأمر، فعلى سبيل المثال حين تقرأ القرآن لابد أن تصرف نفسك كاملاً، استشعر هذا الموقف وعظمة التلاوة وعظمة القرآن، وحتى في العلوم الأخرى حين تعطيها أهمية وتنصرف لها كاملاً وتقول لنفسك: (لن أشغل نفسي بأي شيء إلا بهذا الأمر)، فهذا يحسن من مستوى تركيزك.

(2) تحين الأوقات التي تقرأ فيها، فمن أجمل الأوقات التي يستوعب فيها الإنسان هي بعد الاستيقاظ من النوم بعد صلاة الفجر، وإذا كنت من الذين يحافظون على القيلولة الشرعية، بعد ذلك يمكن أن تقرأ.
هذه أوقات يستوعب فيها الإنسان بصورة أفضل.

(3) تناول القهوة – على سبيل المثال – خاصة في فترة الصباح يحسن أيضاً من التركيز.

(4) ومن أهم عامل لتحسين التركيز هو ممارسة الرياضة، وأعتقد في عمرك أن رياضة المشي سوف تكون من أنسب أنواع الرياضة، فالرياضة تمتص القلق وتمتص كل الطاقات السالبة وتؤدي إلى إفراز مواد كيميائية بيولوجية داخلية، هذه المواد يعرف عنها أنها تحسن من الذاكرة وتقلل من القلق وتقلل من التوتر، فلابد أن يكون لك نصيب في الرياضة.

هذه هي النصائح العامة التي أود أن أنصحك بها، ولا شك أن تكرار المعلومة أكثر من مرة ضروري، فبعض الناس يستذكر حين يقرأ بصوت عال، وبعض الناس يستذكر حين يربط ما قرأه أو تعلمه أو أي موقف معين يربطه بموقف آخر، فعلى سبيل المثال: إذا ذهب الإنسان لشراء شيء من الدكان، فحين يتذكر أنه أتى وأوقف السيارة في مكان معين وبعد ذلك ذهب للشراء فسوف يتذكر الحدثين.

إذن ربط حدث بحدث أيضاً هي من الوسائل التي تذكر الناس بالمعلومات وتجعلهم يستعيدونها بصورة سهلة.

أنا أرى أنه سيكون من الأفضل لك أن تتناول أحد الأدوية التي تحسن من المزاج وتحسن من التركيز، وتقلل القلق وحتى الاكتئاب. أنا لا أقول إنك مكتئب، ولكن هذه فرضية لا أستطيع أن أتناساها في مثل عمرك، العقار الذي أود أن تتناوله يعرف باسم (فلوكستين Fluoxetine)، ويسمى تجارياً باسم (بروزاك Prozac)، فأرجو أن تتناوله بجرعة كبسولة واحدة في اليوم لمدة ثلاثة أشهر، ثم إذا شعرت بتحسن مع هذا الدواء استمر عليه لمدة ستة أشهر أخرى، خاصة أنه دواء سليم وممتاز جدّاً.

هنالك أيضاً عقار يعرف تجارياً باسم (نتروبيل Nootropil)، ويعرف علمياً باسم (برايسيتام Priacetam)، هذا العقار ينشط من الدورة الدموية في الدماغ، وقد وجد أنه يحسن كثيراً من الذاكرة، وذلك بتنشيطه للدورة الدموية في الدماغ، وهو دواء سليم جدّاً، فيمكنك تناوله بجرعة أربعمائة مليجرام صباحاً ومساءً لمدة ثلاثة أشهر، ثم تنظر في مدى التحسن الذي تحصلت عليه من هذا الدواء، وإذا وجدت أن فيه فائدة لك فيمكن أن تستمر عليه.

هذه هي النصائح التي أود أن أقولها لك، وأسأل الله لك الشفاء.

ولعلاج كثرة النسيان سلوكياً يرجى الاطلاع على هذه الاستشارات: ( 269001 - 269270 ).

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • العراق dawd kwashi

    نتمنالكم الموفقية والنجاح وجزاكم الله كل الخير

  • الجزائر محمد سالمي

    كثير ما بحث على هذا شكرا

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً