الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

احمرار الوجه عند الحديث مع الآخرين

السؤال

أنا شاب بعمر 23 سنة، أُعاني من احمرار الوجه أحياناً عند حديثي مع الآخرين، والغريب أني شعرت بهذا الوضع قبل أربع سنوات فقط، أرجو من الله ثم منكم العلاج.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ رائد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً على تواصلك مع إسلام ويب..

إنك لم تعط التفاصيل كاملة عن حالتك، ولكنَّ الذي أستطيع أن أستنتجه أنك ربما تُعاني من درجةٍ بسيطة جدّاً مما يُسمى بالقلق أو الرهاب أو الخوف الاجتماعي، وهو نوع من التفاعل النفسي يحدث للإنسان في الأوقات التي يواجه فيها الآخرين أو يتحدث فيها إلى الآخرين خاصةً الغرباء والأشخاص الذين لم يتعود التواصل معهم، وفي بعض الأحيان يأتي الخوف هذا في مواقف اجتماعية طبيعية جدّاً لا يحس فيها الإنسان العادي بالرهبة والخوف.

عموماً درجة خوفك - إن شاء الله تعالى – هي بسيطة جدّاً ومن درجة غير مزعجة، وأنت ذكرت أن هذا الوضع حدث لك منذ أربع سنوات فقط، هذا هو التاريخ الطبيعي جدّاً للقلق الاجتماعي، بمعنى أنه ليس أمراً فطرياً وليس شيئاً ينشأ مع الإنسان منذ ولادته، هو أمرٌ متعلم وهو سلوك يكتسبه الإنسان، ومن أهم أسبابه غالباً أن الإنسان يكون قد تعرض لموقفٍ حدث له فيه خوف بسيط أو شديد، وربما لا يتذكر الإنسان هذا الموقف، ولكنه يظل مخزوناً في داخل النفس البشرية أو في داخل العقل الباطني، وبعد ذلك يظهر في شكل خوف وقلق وتوتر، وربما أعراض جسدية حين يكون الإنسان متعرضاً لموقف اجتماعي معين.

بالنسبة لاحمرار الوجه فهو عملية فسيولوجية تحدث نتيجة لزيادة تدفق الدم في الوجه؛ لأن الإنسان حين يقلق تنشط لديه بعض المواد الكيميائية في داخل جسمه، وهذه المواد تؤدي إلى سرعة تدفق الدم، والبعض أيضاً قد يحس بنوعٍ من الضيقة أو تسارع في ضربات القلب أو شيء من التعرق أو رجفة بسيطة... هذا ربما يحدث لبعض الناس، وأنت الحمد لله في حالتك الأمر منحصر فقط على هذا الأمر البسيط.

العلاج حقيقة أولاً يبدأ بشرح الحالة وهذا قد قمنا به، إذن: هي حالة قلق بسيط وليس أكثر من ذلك، وطرق العلاج الأخرى هي:

ألا تتجنب أبداً المواقف الاجتماعية التي تتطلب التحدث والتواصل مع الآخرين؛ لأن التجنب يزيد من المخاوف، والتعريض والإصرار على المواجهة تؤدي إلى زيادة القلق أولاً، ثم بعد ذلك يبدأ القلق في الانخفاض والقلة حتى يتلاشى تماماً.

أنصحك كذلك ألا تراقب نفسك حين تتحدث مع الآخرين؛ لأن كثيراً من الناس يلاحظ ضربات قلبه وحركة يديه ويعتقد أنه يتلعثم في الكلام، هذا ليس صحيحاً.. بل كن مسترخياً وكن تلقائياً وكن طبيعياً، فكل الناس الذين تتحدث معهم هم بشر مثلك وليس أكثر من ذلك.. هذا أمر بسيط جدّاً ولكنه أساسي جدّاً في التخلص من القلق الاجتماعي، وأنت حين تتحدث مع الغرباء أرجو ألا تعتبر هؤلاء الناس غرباء.. نعم أنت لا تعرفهم ولكنهم في نهاية الأمر هم بشر مثلك، ودائماً أنصحك بأن تبدأ بأن تسلم على الناس بصورةٍ جيدة وطيبة مع ابتسامة، فحين تبدأ بالتحية وتكون هذه التحية واضحة وفاعلة ومع تبسم في وجه أخيك، هذا يعطيك الاستقبال الجيد للطرف الآخر مما يقلل من خوفك ومن توترك.

الشيء الثالث الذي أنصحك به هو أن تقوم بما نسميه بتمارين الاسترخاء، قم بممارستها وهي تمارين بسيطة جدّاً. يمكنك أن تتحصل على شريط أو كتيب من إحدى المكتبات يوضح لك كيفية القيام بهذه التمارين، وهنالك تمرين مشهور يُعرف بتمرين التنفس التدرجي، يمكنني الآن أن أوضح لك خطواته أرجو أن تطبقها، والخطوات هي:

اجلس في مكانٍ هادئ داخل الغرفة وفكر في أمرٍ طيب وسعيد ولا تشغل نفسك بأي موضوع آخر، قم بعد ذلك بغمض عينيك وفتح فمك قليلاً، ثم خذ نفساً عميقاً وبطيئاً عن طريق الأنف، واجعل صدرك يمتلأ بالهواء وبطنك ترتفع قليلاً، ثم أمسك الهواء في داخل صدرك قليلاً، وبعد ذلك أخرج الهواء بكل قوة وكل بطء عن طريق الفم.. كرر هذا التمرين خمس مرات متتالية بمعدل مرة في الصباح ومرة في المساء، وإن شاء الله يفيدك كثيراً.

ممارستك لأي نوع من الرياضة الجماعية مثل كرة السلة أو الكرة الطائرة أو كرة القدم مع مجموعة من الناس، هذا أيضاً وجد أنه يقلل من الهرع الاجتماعي.

كذلك الانضمام إلى الجمعيات الخيرية – جمعيات البر والإحسان – والانخراط في العمل التطوعي قطعاً يزيل من الخوف الاجتماعي، أيضاً حضور حلقات التلاوة والمشاركة الفعالة فيها يبعث على الطمأنينة وفيه خير كثير، وحتى يزيل من هذا الاحمرار الذي أرجو ألا تركز عليه وألا تلاحظه، وأنا أؤكد لك تماماً أن الآخرين لا يقومون بالتدقق فيه أو ملاحظته كما تعتقد، وهناك علاجات سلوكية لمشكلة الرهاب يمكنك الاطلاع عليها من خلال هذه الاستشارات:
(259576 - 261344 - 263699 - 264538)

يبقى بعد ذلك أن أصف لك علاجاً دوائياً حتى تكتمل الصورة العلاجية الكاملة، والعلاج الدوائي الذي نفضله في هذه الحالات عقار يعرف علمياً باسم (باروكستين Paroxetine) ويعرف تجارياً باسم (زيروكسات Seroxat) أو (باكسيل Paxil)، وهو دواء سليم وفعال، وحقيقة أنت لا تحتاج لجرعة كبيرة، أنت تحتاج لجرعة صغيرة من هذا الدواء، وعلى ضوء ذلك ابدأ في تناول نصف حبة (عشرة مليجرامات)، تناولها يومياً بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ارفع الجرعة إلى حبة كاملة (عشرين مليجراماً)، واستمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفض الجرعة إلى نصف حبة ليلاً لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.. هذا من أفضل الأدوية التي تعالج الخوف والقلق الاجتماعي.

أرجو أن تطبق الإرشادات التي ذكرناها لك، وتتناول الدواء الذي وصفناه، وأنا على ثقة كاملة - بإذن الله تعالى – أن لسانك سوف ينطلق ولن تواجه أي عثرات حين تتواصل وتخاطب الآخرين.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً