الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الضرب آخر وسائل التربية

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنجبت طفلين خلال سنتين، أكبرهم لديه ثلاث سنوات والصغرى لديها سنتين ـ والحمد لله ـ ومشكلتي أن زوجي قليل الصبر معهم ويعاملهم بقسوة ويقول: إن الضرب هو أسلوب جيد للتربية، وتحدثت معه كثيراً بلا فائدة، ودائماً يمنعني من أن أكون حنونة عليهم بحجة أن هذا تدليل يفسدهم، وبطبيعة الحال يجدون التدليل من جانب الأجداد، فكلما زادوا في تدليلهم للأطفال زاد هو قسوة وعنادا، وتحدثوا معه كثيراً ووصل الأمر أحياناً للشجار، ولكن بلا فائدة.

ووجدت نفسي الآن أفقد صوابي وصبري ولا أتحملهم بسبب هذا الضغط، حتى أنني أفكر دائماً في أن أتوقف عن الإنجاب.

أريد النصيحة وهل ما أفكر فيه يغضب الله أم لا؟

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أميرة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر لزوجك، وأن يشرح صدره للذي هو خير، وأن يوفقه لتربية أبنائه تربية صالحة، وأن يعينه على أن يُحسن التعامل معهم، وأن يأخذ بيده لكي يتعامل معهم بالطريقة الشرعية التي تُرضي الله تعالى، والتي توافق سنهم وظروفهم، وأن يعينك أنت على الصبر وعلى مواصلة النصح والتذكير له بما ينبغي أن يكون عليه.

وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة – من أنك تفكرين في التوقف عن الإنجاب، وتسألين: هل هذا يُغضب الله تعالى أم لا؟ .. وأنا أقول لك: ما دخل الإنجاب في المشكلة التي تعانون منها؟ .. إن الإنجاب ليس هو المشكلة، المشكلة في زوجك، وليست في الإنجاب، ولذلك أنت عندما تتوقفين عن الإنجاب تعالجين المشكلة بمشكلة أكبر، ولذلك أقول:

أنت الآن تهربين من معاناة المشكلة إلى التضحية بشيء لا ذنب له ولا علاقة له بموضوعكما تماماً، فسواء كان عندك ولد أو عندك عشرة، الخطأ في التربية أو في فهم والدهم في طريقة التربية، ولذلك بدلاً من أن نبحث عن الحل في كوكب آخر لابد أن نضع الحل في مكانه، فأنت تعلمين أن المشكلة في زوجك حيث إنه قليل الصبر مع الأولاد ويعاملهم بقسوة، ويقول: إن الضرب هو الأسلوب الأمثل للتربية، وطبعاً بلا شك هذا كله خطأ، وعلماء التربية يقولون: من الخطأ الفادح أن يُضرب الأطفال وهم صغار؛ لأنهم سيكرهون والدهم أو يكرهون من يضربهم، ثانياً: سيتعودون على الضرب فلن يفلح معهم بعد ذلك؛ لأن الضرب هذا آخر وسيلة للإصلاح، فإذا ما بدأنا نستعملها كأول وسيلة وفشلت فإننا لن نستطيع أن نسيطر على الأبناء بعد ذلك بحال من الأحوال، ولذلك أنا أتمنى بارك الله فيك أن تُدخلي في هذه المشكلة مثلاً أحد المشايخ الثقات الذين يُحبهم زوجك ويحترمهم، أو أحد الأخصائيين في علم النفس، أو يذهب زوجك ليسأل أحد الأطباء إذا كان لا يفهم هذا الكلام، أو أحد النفسانيين، أو أي أحد ليُبين له أن هذا الأسلوب خاطئ مائة بالمائة فعلاً، وأنه ليس أسلوب تربية، وأنه بذلك يُدمر نفسية أولاده بل وسيحولهم إلى مجرمين.

وعلماء التربية بالإجماع يقولون: إن الضرب ينبغي أن يكون آخر وسيلة تربوية، فلو جعلناه أول وسيلة تربوية لن تنفع أي وسيلة أخرى بعد ذلك، فزوجك يجني على أولاده جناية عظيمة، ولذلك ينبغي أن يعلم وأن يسمع هذا الكلام، وإن شئت دعيه يقرأ هذا الكلام، أقول له أخي الكريم:

أنت تجني على أبنائك جناية عظيمة جدّاً؛ لأن الضرب هذا كما ذكرت من باب آخر الدواء الكي، فآخر وسيلة تربوية تستعمل إنما هي الضرب، والضرب يكون ضربا هادئا، ضربا غير مبرح، ليس باليد المباشرة، يكون ضرب بشيء بسيط، وضرب في أماكن معينة، وكل هذه سوف تسأل عنها يوم القيامة، لأنك بذلك تسيء التعامل مع خلق الله تعالى.

نعم نقول: هم أولادك، ولكن أنت لست ربّاً لهم، أولادك الذي جاء بهم هو الله، والقادر على أن يحرمك منهم هو الله، فينبغي أن تتعامل مع أبنائك معاملة صحيحة كما أراد الله، وكما أراد نبيه صلى الله عليه وسلم. الأسلوب في التربية إنما هو التفاهم والتربية بالحوار، أما الضرب هذا أسلوب همجي، ليس أسلوباً لا شرعياً ولا أسلوباً متميزاً ولا أسلوباً حضارياً، هذا أسلوب فوضوي، أسلوب يدمر، وهؤلاء الأولاد سوف يكرهون أبيهم كراهية شديدة، وهو لن يستطيع أن يسيطر عليهم بعد ذلك لأن جسمهم سيأخذ على الضرب، وكلما حدث شيء يقولون ضربة وننتهي، وبذلك ستفقد هذه المسألة دورها بالكامل ولن يكون للضرب أي أثر أو فائدة في المستقبل.

فأنا أقول لأخي الكريم - بارك الله فيك: اتق الله تعالى، وتعامل مع أبنائك بالرحمة، واعلم أن (من لا يرحم لا يُرحم)، واعلم أن (الرحمة لا تنزع إلا من شقي)، كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام.

تعامل معهم أخي بالمودة والرحمة، وضمهم إلى صدرك، واشملهم عطفك وحنانك ورعايتك، وثق وتأكد من أنهم سوف يستجيبون لما تطلب منهم بالمحبة؛ لأن الولد الآن لا يعرف لماذا يُضرب، وعمره ثلاث سنوات لا يعرف، لو سألته لماذا أضربك؟ لا يعرف، والطفلة عمرها سنتين لو سألتها لماذا أضربك؟ لا تعرف، تعرف أنك ظالم وفقط، وتعرف أنك جبار ومعتدٍ وتكرهك، غصب عنها، لأنها ما رأت منك خيراً.

فأنا أقول لهذا الأخ: اتق الله تعالى واترك هذا الأسلوب الذي ليس له علاقة لا بالشرع، ولا بالأخلاق، ولا بالقيم، ولا بالحضارة، ولا بالإنسانية، هذا ليس صحيحاً، وأبناؤك هؤلاء أطفال لا يتجاوز عمرهم الأربع سنوات، لو أنهم كبار أقول لك إن أخطؤوا ممكن، ولكن بضوابط.

أسأل الله أن يهديك إلى صراطه المستقيم، وأن يعطف قلبك على أولادك، ونسأله تعالى أن يشرح صدوركم وأن ييسر أموركم وأن يحل على بيتكم الأمن والأمان والاستقرار، وأن يرزقكم الهدى والتقى والعفاف والغنى.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً