الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما رأيكم بهجر الطفل لتربيته؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هل يجوز هجر الطفل كنوع من التربية حتى يعتذر عن خطئه؟ وما هي أفضل كتب تربية الطفل وتنشئته نشأة إسلامية؟

وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك وفي أولادك، وأن يعينك على تربيتهم تربية طيبة مباركة، وأن يجعلهم قرة عين لك في الدنيا والآخرة.

وبخصوص ما ورد برسالتك أحب أن أقول لك أخي الفاضل: إنه مما لا شك فيه أن قضية التربية قضية تأتي على رأس قضايا هذه الأمة، وأن الفارق ما بين الأمم المتحضرة والأمم المتخلفة، إنما يكمن وفقط في التربية، فعندما تمت تربية الصحابة – رضي الله تعالى عنهم – على يد المعلم المربي الأول محمد صلى الله عليه وسلم استطاعوا أن يغيروا وجه التاريخ في فترة بسيطة من الزمن، وذلك لقوة المعلم ولقوة المنهج، وللتربية الدقيقة والمتابعة اللازمة التي أدت إلى هؤلاء العباقرة العظام – رضي الله عنهم وأرضاهم -.

واليوم نتيجة ضعف التربية في بلاد العالم العربي والإسلامي أصبحنا كما لا يخفى عليك في ذيل الأمم، وتقدمت علينا دول العالم شرقاً وغرباً، وذلك بسبب التربية، أصبحت الصناعات كلها والحضارات التي يسعد الناس بها الآن، وهذه الاختراعات والابتكارات إنما هي من نصيب هؤلاء، أما هذه الأمة فهي عالة على غيرها في غذائها، وكسائها ودوائها، وفي سلاحها، وفي كل شيء، لا تُنتجُ شيئاً، لماذا؟ لأن التربية عندها قد أُهملت إهمالاً عظيماً أو على الأقل فقدت قيمتها، وإن كانت هناك رغبة جادة فيها لا توجد السُّبل التي تؤدي إلى إيجادها وتحقيقها، ولذلك سؤالك حقيقة في غاية الخطورة فعلاً.

وأما عن سؤلك عن هجر الطفل كنوع من التربية حتى يعتذر عن خطئه، فأنا أقول لك: إن مما أجمع عليه علماء التربية أنه لابد أن يكون الأسلوب الذي تم اتخاذه من المربي مفهوماً لدى المتلقي أو لدى الطفل.

معنى ذلك إذا كنت ستهجر الطفل وهو لا يعرف ما معنى الهجر فأنت لم تقم بأي وسيلة تربوية، ولم تقدم شيئاً، وإنما أضعت وقتك بلا فائدة، فلابد لكي تكون التربية ناجحة أن تكون الوسيلة مفهومة لدى الطفل، وأن يعرف ما معنى الهجر وما هي الآثار المترتبة عليه، إلى غير ذلك.

أما أنت الآن عندما تتوقف عن الكلام وهو طفل صغير لا يعرف لماذا تتكلم ولماذا تتوقف، فأنت تضيع وقتك، وتستخدم وسيلة غير جادة أو ناجحة.

وهذه يتوقف أيضاً على المرحلة السنية، لأنك كما تعلم أن هناك ما يعرف بمرحلة الطفولة المبكرة ومرحلة الطفولة المتأخرة، ثم بعد ذلك مرحلة المراهقة وبعد ذلك مرحلة الرجولة، وأنت لم تحدد لي حقيقة السن التي فيها طفلك الآن.

فإذا كان مثلاً في مراحل الطفولة المبكرة فلن تُجدي معه هذه الوسيلة؛ لأن وسائل التربية لابد أن تتناسب مع عقلية الطفل، وكذلك من الأخطاء الشائعة أننا نجد أن بعض الآباء أو الأمهات يضربون الأطفال على أي شيء، والطفل الصغير عندما يُضرب هو لا يعرف ما معنى الضرب، يشعر بالألم ولذلك يكره الأب ويكره الأم، ولا يتوقف عن الفعل؛ لأنه غالباً لا يعرف السبب، ولماذا يضرب ولماذا هذه الوسيلة بالذات تستخدم، ونحن نعلم أن الضرب في الإسلام له قواعد وله أصول، ونحن سبقنا كل المؤسسات التربوية العالمية، ولكننا مع الأسف لا نلتزم، وإنما قد يضرب الآباء والأمهات أبناءهم ضرباً مبرحاً، في حين أن الأمر لا يستحق ذلك مطلقاً.

إذن أقول: لابد من تحديد السن، ففي المراحل الطفولة المبكرة الطفل قد لا يستوعب مسألة الهجر هذه، وإنما ينبغي أن يتكلم معه الإنسان بكلام أو يتصرف تصرفاً يدركه، يعني أنت لو منعت عنه اللعبة التي يلعب بها فهم، أما لو أنك لم تتكلم معه لا يفهم.

فلابد لك أن تعرف ذلك يقيناً، وهناك كتب تعينك على تربية الأولاد تربية طيبة، ومن هذه الكتب بارك الله فيك: (تربية الطفل من الولادة حتى سن الخامسة) وهو كتاب مهم تأليف (عزمي أحمد ضمرة) وهناك أيضاً (تربية الطفل في الإسلام) تأليف الأستاذة (سيما راتب).

وهناك كذلك كتاب مهم جدّاً (منهج التربية النبوية للطفل) للمؤلف (محمد نور سويد)، وهناك كتاب أهم من هذا كله وهو (فن تربية الأولاد في الإسلام) للأستاذ (محمد سعيد مرسي).

وهناك كتاب أيضاً يسمى (مسئولية الأب المسلم)، هذه كتب إن شاء الله تعالى تفيدك، وهي كتب مبسطة ونافعة، وتتناسب مع المراحل الأولى في التربية، واعلم أخي الكريم (محمد) أن التربية إذا كانت صحيحة في المرحلة الأولى فإن ولدك سينشأ نشأة طيبة، وسيكون قرة عين لك في مستقبله بإذن الله تعالى.

أحب أن أقول لك بأن أعظم وسائل التربية إنما هي التربية بالأسوة، التربية بالقدوة، التربية بالسلوك؛ لأن ولدك قد لا يفهم الكلام الذي تقوله له، ولكنه عندما يراك وأنت تتصرف تصرفاً معيناً هذا ينطبع في ذاكرته ولا يخرج منها أبداً، وكذلك أمه. فأنت عندما تلتزم في بيتك بالإسلام أنت وزوجتك وأفراد الأسرة الذين يساهمون في تربية ابنك -لأنك أنت لست وحدك الذي تربيه، أنت تربي، والأم تربي، والإخوة والأخوات يربون، والعمات أو الأعمام أو الجد أو الجدة، أو الشارع، أو المدرسة- فعندما تلتزمون بالإسلام سلوكاً عملياً دقيقاً فهذا من أعظم وسائل التربية؛ لأنه يطبع في ولدك الإسلام كمنهج حياة بدون مقاومة؛ لأن الطفل في المرحلة الأولى والتي تسمى عند العلماء بالمرحلة بالتربية التلقائية -أي تربية بلا مشقة وبلا عنت- فأنت في هذه المرحلة لا تحتاج أن تقول له: أفعل أو لا تفعل، وإنما تفعل أمامه فيلتزم بسلوكك ولن يكلفك ذلك شيئاً أكثر من ذلك، وسيستقيم حاله بإذن الله تعالى.

أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يصلح لك ولدك، وأن يجعل أبناءك وأبناءنا وأبناء المسلمين قرة أعين لنا في الدنيا والآخرة، إنه جواد كريم، هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً