فقدان الثقة بالنفس والوحدة: كيف أتغلب على مشاعر اليأس؟

2025-03-19 02:42:35 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا طالبة جامعية، عمري 22 سنة، أعاني من عدم استقرار عاطفي، أو بمعنى أصح: لا أعرف كيف أكون سعيدة، ولا كيف أعيش، ولا ماذا أريد؟ أشعر بأنني أعيش لأن الحياة مستمرة فقط!

تعرضت في دراستي الجامعية لعقبات كثيرة، تخطيتها بصعوبة بالغة، حيث كانت ردود أفعالي على المشاكل مختلفة عن ردود أفعال الآخرين، لدي جوانب مميزة في شخصيتي، ولكني لا أعرف كيف أستغلها وأستفيد منها، لا أشعر بالتوافق مع أسرتي ولا مع إخوتي، وأنا سريعة الغضب.

أتذكر مواقف حدثت لي عندما كنت صغيرة ولا أنساها، مثل: الضرب، أو سوء المعاملة، أو صراخ والدتي علي، وتأثير هذه الأحداث القديمة في شخصيتي كثيراً، أكره النقد بشدة ولا أتقبله أبداً، وأشعر بالوحدة والحزن، وإذا خانني صديق أو أفشى سري، أتركه للأبد ولا أستطيع مسامحته.

أغضب بسرعة، بسبب عدم قدرتي على التعبير عن مشاعري، لأني أعيش في عائلة تستهزئ بالمشاعر، لا أشعر بالسلام الداخلي، وأعيش دائمًا في صراع نفسي، أتكلم أثناء نومي، وأحلم دائمًا بأنني في خلاف مع أحد أفراد أسرتي، وأصرخ وأكون متألمة في الحلم، لقد تعبت من حياتي كثيرًا، فأنا لا أعرف من أنا، وماذا أريد، حتى أنني لا أعرف ما أحب، أو ما لا أحب، عندما أكون وحدي، أفكر في الانتحار كثيرًا، ولكني أخاف من الإقدام عليه؛ لمعرفتي بحرمته.

قد تستغربون إذا قلت لكم إني أحمل إجازة في القرآن الكريم، وأمتلك صوتًا جميلًا جدًّا في التلاوة، ولكنني لا أستطيع أن أستغل هذه الموهبة، بسبب عدم قدرتي على التحكم في حياتي، فأنا لا أشعر بالاستقرار أو الأمان أبدًا، وأحيانًا أكره أهلي وحياتي كثيرًا، وأتمنى لو ولدت يتيمة.

لا أُقدِّر النعم التي وهبها الله لي، ولا أعرف كيف أعيش حياتي، أعرف أن أهلي يحبونني، ولكن يوجد في داخلي جزء ينكر محبتهم لي، ويشعرني دائمًا بالنقص، لا أثق بنفسي أبدًا، مع أن الناس يعتبرونني ذات شخصية قوية وقيادية، أسمع كلمات المديح من المعلمين في الجامعة، ولكن هذا لا يغير شيئًا، في الحقيقة لا أثق بنفسي أبدًا.

أخاف في المستقبل من أن أرتبط بإنسان لا أدرك قيمته ولا أعطيه حقه، وأخاف أيضًا أن أعيش كل حياتي بهذا الخوف والتوتر، وعدم الاستقرار.

إذا نظر إليَّ أي شاب في أي مكان، أعتقد أنه يقصدني بنظراته، وأوهم نفسي بأنه يحبني، أفتقد للحنان من أمي وأبي، لأن عائلتي كبيرة، ومكونة من 8 إخوة وأخوات، وأنا أوسطهم، عندما كنت طفلة كنت ضعيفة البنية، وكنت آخذ كثيرًا من وقت والدتي، لذلك فهي الآن دائمًا تتهمني بأنني أشغلتها عن الاهتمام ببقية إخوتي، وعندما أود معانقتها أو تقبيلها تتهمني بالأنانية؛ لأنني آخذ من وقتها كثيرًا على حساب إخوتي، وهذا غير صحيح، فأنا أعيش بعيدة عنها في سكن جامعي، وحاجتي إلى الحنان طبيعية جدًّا.

دائمًا أبحث في صداقاتي عن شخص يستمع لي ولمشاكلي، لذلك تنتهي صداقاتي بالفشل الذريع، بسبب الثقة التي أعطيتها للشخص الذي أمامي.

أنا متعبة جدًّا، وحاليًا ألجأ إلى النوم، كحلٍّ للهروب من مشاكلي وحزني، أرجوك يا دكتور ساعدني، فأنا على شفا جرف هار، وأعاني من هذه المشاكل منذ كنت طفلة صغيرة.


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لارا أحمد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، وشكرًا على تواصلك معنا بهذه الاستشارة وبهذا التعبير عن نفسك ومشاعرك.

بداية أرى أن حياتك مفعمة ومليئة بالجمال، ومليئة بكل ما هو طيب، فأنت تحفظين كتاب الله تعالى، وتنتمين إلى عائلة فاعلة، وأنت في هذا العمر الذي هو عمر الطاقات النفسية والجسدية، وبفضل الله تعالى أنت تواصلين دراستك الجامعية.

لم أجد أي سبب ليجعل هذه المشاعر السلبية تسيطر عليك، غير سبب واحد، وهو أن العلة في شخصيتك، والأوصاف التي وردت في رسالتك -وهي متعددة جدّاً- تقودني بأن أنصحك للذهاب لمقابلة أخصائي نفسي، وذلك من أجل القيام باختبارات للشخصية، وما أوردته في رسالتك من أوصاف لشخصيتك ولمزاجك، ولطريقة تواصلك مع الآخرين، يحمل مؤشرات تجعلني أفكر في أنك تعانين من درجة متوسطة إلى بسيطة مما يعرف بالشخصية الحدِّية.

والشخصية الحدّية هي شخصية متعلقة بالمزاج، تحس بالخواء، تحس بالفراغ، تفتقد الهدف، تأتيها هذه الأفكار الانتحارية من وقت لآخر، توجد صعوبات في التواصل، يعيش الإنسان في حالة من الخوف ومن التوتر، وهكذا، والذي يجعلني متفائلاً، هو أنه بالرغم من سمات شخصيتك، إلا أن لديك الكثير جدّاً من الإيجابيات، وأعتقد أن هذه الإيجابيات سوف تتغلب -إن شاء الله- على السلبيات في يوم ما.

بجانب نصيحتي لك بمقابلة الأخصائي النفسي، أنصحك بالتالي:
أولاً: بالجلوس مع نفسك، ومصارحتها، والتأمل والتفكير، والتركيز بهذه الخصائص الإيجابية التي تتميزين بها، ويجب أن تسألي نفسك سؤالاً: (ما الذي يجعلني أشعر بكل هذه المشاعر السلبية، بالرغم من تمتعي بسمات إيجابية كثيرة؟).

ثانيًا: لابد للقرآن الكريم أن يأخذ حيزاً معرفياً كبيراً في تفكيرك، هنالك نظرية سلوكية، تتحدث عما يعرف بالتنافر المعرفي، التنافر المعرفي أي أن شيئين متضادين معرفياً، لا يمكن أن يلتقيا، فحفظك للقرآن، وتأملك في كتاب الله بتدبر، والعمل به، يجب أن يشغل الحيز الكبير في وجدانك، وهذا سوف يبعد كل المشاعر الأخرى، أنت محتاجة لهذه النقلة المعرفية.

ثالثاً: لا بد من أن تنظمي وقتك بصورة أفضل، وتتيحي لنفسك التواصل مع الزميلات والصديقات الخيرات، الإنسان يتعلم ممن حوله ويتعلم من رفقته، وما نسميه بضغط الزمالة، أو التعلم عن طريق التواصل مع الزمالة، يعتبر أمراً مهمّاً، ليهيئ الإنسان لحياة إيجابية، أو سلبية، حسب هذه الرفقة.

أيضاً ممارسة -أي رياضة تناسب الفتاة المسلمة- سوف يكون فيه خير كثير لك.

أدعوك أيضاً بالرغم من صعوبة هذا الأمر، أن تفصلي تماماً بين مشاعرك وبين أفعالك وواقعك؛ لأن أفعالك وواقعك إيجابية، ولكنَّ مشاعرك سلبية، ومن المنطق جدّاً أن تسعي للفصل بين الاثنين؛ لأن ذلك سوف يكون في مصلحتك كثيراً.

أجد أن للأدوية النفسية المضادة للاكتئاب والاندفاعات السلبية دور في حالتك، وربما أترك هذا إلى أن تقابلي الطبيب أو الأخصائي النفسي، ولكن إن شئت فالعقار الذي يعرف علمياً باسم (فلوكستين Fluoxetine)، ويسمى تجارياً باسم (بروزاك Prozac)، وجد أنه جيد ليمتص مثل هذه الانفعالات السلبية، ويؤدي إلى تحسن المزاج، جرعته كبسولة واحدة في اليوم، تستمرين عليها لمدة شهرين، ثم ترفعين الجرعة إلى كبسولتين في اليوم، وتستمرين عليها لمدة ستة أشهر، ثم تخفض إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر أخرى، وبعد ذلك يمكنك أن تتوقفي عن تناول هذا الدواء.

عليك أيضاً بالتدريب الكافي على تمارين الاسترخاء، وسوف يقوم الأخصائي النفسي بذلك، فهي إن شاء الله مفيدة، وسوف تساهم بصورة إيجابية في تعديل السلوك -بإذن الله-.

من الواضح أنك مثقفة ومطلعة، وأنا أريد منك أيضاً أن تقرئي كتاب الدكتور بشير صالح الرشيدي، والذي يسمى (التعامل مع الذات)، هذا من الكتب البسيطة والجيدة جدّاً، وأناشدك أيضاً أن تقرئي وتتأملي في كتاب الدكتور عائض القرني (لا تحزن)، كما أن الكتاب القديم الجديد (لا تقلق وابدأ الحياة) لدانيال كارنيجي يعتبر جيداً ومفيداً.

وختاماً: أتمنى أن نسمع عنك كل خير، وأرجو أن تكوني في جانب التفاؤل والأمل والرجاء، نسأل الله لك التوفيق والسداد.

www.islamweb.net