شؤم المعاصي على العبد، والخوف من الفشل في المستقبل
2006-07-05 11:03:46 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
لا أدري بماذا أبدأ؟! لكن أحس أني خائف من كل شيء! اقترفت ذنوباً في الماضي، وصرت إذا تذكرتها اعتصرت فؤادي ألماً وخوفاً من أن الله لن يغفر لي! وأنها ستنعكس على حياتي، وأصبحت مهموماً من كل شيء، أحمل هم حياتي المستقبلية، وهم إخوتي الاثنين الأصغر مني حيث لم يجدا وظائف، وهم أمي وأخواتي، وهم أبي الكبير في السن، وهم أخي الأكبر، وهو متزوج ويعاني من مشاكل مادية!
صرت أخاف من حياتي المستقبلية بشكل لا يجعلني أحس بالحياة، وأرى الناس حولي يعيشون وأتساءل كيف يدبرون أنفسهم؟ وكيف يعيشون؟ صرت أحمل هم أهلي وأفكر بالدنيا، وأقول: إنني لابد أن أشتغل في تجارة أو شغل، وأقول في نفسي: سأفشل؛ لأني عصيت ربي، ولن أوفق في دنيا ولا في آخرة!
أحس بالعجز عن فعل أي شيء، حتى أبسط الأمور! لا أهتم بملابسي ولا شكلي، وكلما سمعت خبراً عن شاب في مثل سني أنه أصبح في مكان مرموق، أو أنه من عائلة مقتدرة أحس بالأسى، لدرجة أني ألوم نفسي وأقول: لماذا خلقت في هذه العائلة؟!
أحياناً أفكر في الزواج، ولكني أخاف من مجرد التفكير فيه، وأقول: كيف أتزوج وأترك أهلي وحالتهم هكذا؟ وأنا العائل الوحيد لهم بعد الله تعالى، وراتب أبي التقاعدي لا يكفي!
أحس أنني مهزوز في كل حياتي، وأتذكر ماضي حياتي وأقول: ليتني ما خلقت والعياذ بالله! لا أملك صداقات أو معارف، ولا أستطيع الثبات على أمر معين في حياتي، أقاربي وحتى أخوالي أحس بأني مقصر فيهم، والإحباط من كل شيء والكسل والخمول تحيط بكل حياتي!
أحس بأني لم أقم بشيء مهم في حياتي، لقد رجعت إلى ربي سبحانه وإلى الصلاة، وإلى طاعته عز وجل، ولكن الوساوس والاضطرابات صارت تطاردني في كل شيء في حياتي، يا دكتور! بكل صراحة لم أعد أستطع مواصلة حياتي بشكل طبيعي.
أحس أحياناً بأني أصبحت كهلاً كبير السن، فمن يريد فقيراً مثلي؟ لا أملك شخصية تستطيع الحياة! بصراحة يا دكتور صرت في حال لا يعلم به إلا الله سبحانه وتعالى، وصار كل شيء في حياتي بلا قيمة.
أرجو منك مساعدتي، جزاك الله خيراً!
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نسأل الله أن يتوب علينا وعليكم، وأن يلهمكم السداد والرشاد.
فإن ذنوبك لو بلغت عنان السماء ثم لقيت ربك لا تشرك به شيئاً غفرها لك؛ فإنه الغفور الرحيم الذي قال في كتابه: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53]، بل إنه سبحانه يفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه، فعجل بالتوبة إليه، واعلم أن الله هو غافر الذنب وقابل التوب، وتذكر أن المخلص في توبته، والصادق في رجوعه يبدل الله سيئاته حسنات، فتعوذ بالله من شيطان يريد أن يجعلك بائساً من رحمة الله، وتلك جريمة عظيمة عند الله.
الإنسان لا يملك المستقبل، وليس من مصلحته أن يهم ويحزن إذا فكر فيه، ونحن لم نكلف إلا ببذل الأسباب، ثم التوكل على الوهاب، واستمعوا إلى قوله تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) [طه:132]، فقد خلقك الله لعبادته، فلا تلعب، وتكفل برزقك فلا تتعب، والمؤمن يحسن الظن بربه، وقد جاء في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ماشاء)، واعلم بأن إخوانك لهم رب يرزقهم ويحفظهم، فانطلق في الحياة بأمل جديد، وتوجه إلى الله المجيد، واعلم بأن من يطع الله هو السعيد، وجعل التقرب إلى الله عيد.
نحن ننصحك بعدم عقد المقارنات السالبة، وانظر إلى من هم أقل منك في العافية والمال والولد، وهذا قبس من توجيه رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي قال: (انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ كي لا تزدروا نعمة الله عليكم)، واعلم أن نعمة الله مقسمة، وقد يعطى الإنسان المال ويحرم العافية، وقد يعطى المال والعافية ويحرم الولد، والسعيد هو من يرضى بقسمة الله، ويشكر نعم الله، ويجعل سعادته في كل ما قدره الله.
أرجو أن تجتمعوا على طعامكم، وتذكروا ربكم يبارك لكم فيه، وطوبى لمن رجع إلى الصلاة والطاعة، وتعوذ بالله من الشيطان، واستعن بربك المنان، ولا تعلن عجزك وضعفك، فإن ذلك يفرح الشيطان، ويجلب السخط على الأقدار، والاعتراص على قسمة الكبير المتعال.
أنت ولله الحمد غني بإيمانك، قوي بتوكلك على الله، فلا تحاصر نفسك بالأوهام، واستعن بالله وتقدم للأمام، وواظب على ذكر الله والسجود والقيام، وأكثر من الصلاة على رسولنا والسلام.