توجيهات لفتاة تعاني من الجفاف العاطفي في حياتها

2002-12-08 20:13:50 | إسلام ويب

السؤال:
والداي منفصلان منذ كان عمري شهرين، تربيت مع أمي ذات الطبيعة المتسلطة بعيداً عن إخوتي الأكبر مني، فهم مع أبي، وكانت أمي تضربني لأتفه الأسباب وكثيراً ما تهددني بالطرد من البيت إذا أخطأت وتجمع لي ملابسي وتقول لي: اذهبي لأبيك ليربيك، وكانت تهددني بإخوتي فتقول لي بأنهم يكرهونني ويريدون إيذائي وكذلك أبي.

وفي مرة كنت أتحدث معها وكانت متضايقة ولكني لم ألحظ، فهددتني بالسكين وجرت ورائي وضربتني به في ظهري، إلا أنني لم أصب بسوء، وهي ترفض كل صديقاتي ولا تريدني أن أعرف سواها، وكثيراً تسبهن في التليفون ولا أستطيع أبداً توقع رد فعلها، فهي تقول لي: اذهبي للنزهة مع صديقاتك فإذا رفضت للبقاء معها قالت: أنت سيئة ومخادعة ولا تحبين الناس وتضحكين عليهم، وإذا ذهبت وعدت وجدتها غاضبة مني أشد الغضب، وإذا سألتها: ما بالها، قالت: اسألي نفسك! ويعلم الله أني لم أفعل شيئاً.

أما والدي فهو بخيل في مشاعره وماله وكل شيء، حتى إنه لم يكن يعرف في أي سنة أنا، وكانت علاقتي به شبه مقطوعة. وأمي تسيطر عليّ سيطرة كاملة حتى أصبحت الآن لا أستطيع التفكير، وعندما يسألني أحد عن رأيي في شيء أجد عقلي فارغاً كأنه صفحة بيضاء.

وأنا أعاني من عدم التركيز الشديد، وأحياناً يضبطني أحدهم وأنا أحدث نفسي بصوت عال أو أشيح بيدي مثلاً حتى في الشارع وأنا وحدي، وأعيش في عالم الخيال، وهي ليست أحلام يقظة وإنما مع أناس أسمعهم وأراهم بعقلي، أنا يغنيني أب وأم وإخوة عن العالم ولا يهمني مقاطعة الناس، وإذا وجدت وسطهم فلا أتحدث معهم ولا أراهم حتى، فعقلي في مكان آخر ولكني لدي القدرة على التمييز بين الواقع والخيال وإن كنت غارقة في الخيال.
وفي صغري لم أشعر بالأمان مرة واحدة، فعند النوم بجانب أمي أضع يدي على ظهرها لأتأكد أنها حية ولم تمت كما تهددني، وأخاف أن أعطيها ظهري وإلا قتلتني، وكانت لا تفهم أبداً أي شيء مني وكنت أحاول التفاهم معها بالهدوء وهي في غاية البرود وعدم التفهم والسخرية، وكانت تقول لي: لا تتحدثي مع بنات خالاتك ولا أي أحد، فأنت ستفسدين أخلاقهن! ويعلم الله أني ملتزمة دينياً وكنت فقط أحدثهن في الحجاب أو ما شابه.

والآن أنا أكره أمي وأبي، وإخوتي كلهم سافروا بالخارج بعيداً عنهما، وأنا لا أحب الزواج، أرفضه لأنني لا أستطيع أن أتحمل اللمس من أي إنسان حتى صديقاتي، وأشعر كأنها كهرباء.

ذهبت إلى معالج نفسي منذ سنة، ولكن لا أستطيع الكلام معه وأظل صامتة وعقلي فارغ تماماً كأنه صفحة بيضاء، أنا لم أنس ولكن عنده لا أستطيع الكلام، وإذا حاول الضغط علي وجدتني في حالة قلق فظيعة لا أستطيع التقاط أنفاسي ولا أستطيع سماعه أو رؤيته، ولا تفلح معي طرق الاسترخاء، فحاول معي بالرسم والطرق الإسقاطية وأخبرني أنني لدي اكتئاب حاد.

ولكن سؤالي: هل أنا شخصية فصامية بسبب طرق تربيتي؟ لقد استمررت حوالي 6 شهور لا أكلم أحداً، ولا أذهب إلى عملي، وكان وزني 68 كجم نقص في 3 شهور إلى 53 كجم. هل أنا في حاجة لعلاج دوائي، مع أنني لا أريده وأفضل الموت عليه؟ وهل أستمر في العلاج النفسي؟

وسؤالي الأساسي: أنا أكره أبي وأمي لا أريد رؤيتهم ولكني أعيش معهم، وإن كنت أزور أبي مرة واحدة في الأسبوع ولمدة قليلة، وأرفض تدخله في أموري فهو لم يهتم بي في صغري فلن أسمح له بالتدخل الآن، وأعيش مع أمي ولكني أهرب منها إلى الخروج دائماً ولا أتكلم معها أبداً، فأنا أخافها جداً حتى الآن ولا أحب أوامرها ولكني لا أسبها ولا أتطاول عليها، ولكنها لا ترضى فهي صعبة المراس ولا شيء يرضيها، وإذا وجدت لدي مالاً تحاول استنزافي بأي شكل، استنزاف مشاعري ومالي وكل شيء، هل أنا عاقة لهما؟

أنا أعطيها من مالي إذا تمكنت ولكني لا أملك الكثير، وأنا عمري (24) سنة، هل ربي غاضب؟ والله! أنا أدعوه ليل نهار أن يعينني على برهما، ساعدوني أرجوكم لأخلص من عذاب ضميري، فأنا أرى أن الله لن يتقبل مني أي عمل وأمي دائماً تدعو على أن يغضب علي الله وأن يعاقبني في أبنائي أنا وإخوتي، والله يعلم أني لا أعقها ولكني لا أستطيع أن أحبها.


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ المسلمة حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أولاً: يسرني باسم موقع استشارات الشبكة الإسلامية أن أرحب بك، وأقول لك من كل قلبي: أهلاً وسهلاً ومرحباً بك بين إخوانك في الله، فرب أخ لك لم تلده أمك، ونضرع إلى الله العلي القدير أن يحفظك من كل مكروه وسوء، وأن يثبتك على الحق، وأن يصرف عنك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يعوضك عما فقدته من عاطفة ومحبة واحترام وتقدير بخير عوض في الدنيا والآخرة.

الأخت الفاضلة! كان الله في عونك فلقد عشت فعلاً حياة صعبة، ولكن عزائي لك أنك لست وحدك صاحبة هذا الكم من البلاء، فهناك صور من البلاء والكرب لو سمعتها لخيل إليك أنك في جنة رغم ما تعانين منه من شدة وبلاء، واعلمي أختاه أن الله إذا أحب عبداً ابتلاه، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط، فأبشري بمحبة الله لك، واسأليه أن يرزقك الرضا بما قسمه لك، ويبدو من خلال رسالتك أنك ضحية لتربية غير سوية، ولأشخاص غير سويين، فيبدو أن والدك ووالدتك هم أنفسهم ضحية تربية خاطئة، وهذا ما أدى إلى تلك التصرفات غير المعقولة، فأرجو أن تسامحيهم؛ لأنهم مساكين يحتاجون إلى دعاء أن يشفيهم الله من تلك الأمراض السلوكية التي أتعبتهم وأتعبت الآخرين معهم، فسامحيهم والتمسي لهم الأعذار، فهم -كما ذكرت- ضحايا ومساكين وإن كانوا يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وأكثري من الدعاء أن يرزقك الله حبهم، وأن يعينك على مسامحتهم، والعفو عنهم.

وأما قضية الزواج فأرى إلا تحكمي على شيء غيبي لم تجربيه أو تعلمي عنه شيئاً، وليست كل الأسر مثل أسرتك، فهناك الملايين من الأسر سعداء، بل في غاية السعادة بفضل الله ورحمته.

وموضوع اللمس وعدم تحملك له هذا أيضاً شيء مؤقت، وسيزول عندما تجدين الشخص المناسب الذي يحبك وتحبينه وتعطينه كل شيء طواعية واختياراً .

مع نصيحتي لك بألا تختاري إلا صاحب الدين والخلق حتى يعاملك بما يرضي الله، ويعوضك عن كل شيء وحرمان عشرته في تلك الحياة العصبة.

أختي الفاضلة! بالنسبة للعلاج فأنصحك وبشدة أن تتوجهي مرة أخرى لطبيب نفسي من ذوى الكفاءات والخلق والدين، وأن تحاولي أن تتعاوني معه؛ لأن مشاكلك هذه تحتاج إلى طبيب في أقرب فرصة، وأن تكوني أكثر مرونة وتجاوباً، وبذلك سوف تتغلبين على تلك المشاكل، وتصبحين شيئاً آخر، وشخصاً جديداً تماماً إن شاء الله، فعليك بالعلاج النفسي، وما يتعلق بوالدتك أو والدك فسوف تحل مع الأيام بعد العلاج إن شاء الله.

وأبشري فأصحاب البلاء يحبهم الله، ولن يتخلى عنهم، ولن يردك عن بابه، ولا تبالي بدعاء أمك ما دمت لم تظلميها، أو تسيئي إليها، وأحسني ما بينك وبين الله، وأكثري من الدعاء أن يشفيك، ويرضى عنك، ويرزقك الزوج الصالح، ويصلح لك والدك ووالدتك، وإن شاء الله ستكونين في أحسن حال، وبالله التوفيق .

الشيخ/ موافي عزب .

=================

وبعد استشارة المستشار النفسي أفاد بالتالي:


السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

جزاك الله خيراً على سؤالك، هذه الصورة السلبية التي ذكرتها عن الطريقة التي تمت بها تنشئتك شائعة في كثير من المجتمعات، وبالرغم من ثقتنا المطلقة فيما سردته واحترامنا الشديد لمشاعرك وحتى نكون منصفين مهنياً لابد من الاطلاع على وجهة نظر والديك، والأطراف الأخرى في حياتك لأن ذلك سوف يكمل الصورة لدينا كمعالجين محترفين ومحايدين، ومهما كانت السلبيات من جانب والديك خاصة أمك فأنت مطالبة بالسعي لأن ترسمي صورة وانطباعاً إيجابياً لدى والدتك، وهذا يتأتى بالصبر والذوق وحسن التصرف ومعرفة قدر ومقام الوالدين.
لا أرى أبداً ما يشير إلى أنك شخصية فصامية، ولكن الإحباط وعسر المزاج والاكتئاب هو الذي سيطر عليك، وبنى لديك الكثير من المشاعر السلبية وقلة الثقة بالذات، وعليه أنت محتاجة لأن تحاوري نفسك وتبحثي عن كل صفة وسمة إيجابية في داخلك، وتحاولي أن تضخمي هذه المشاعر الإيجابية والتي سوف تؤدي تلقائياً بإذن الله إلى انحسار المشاعر السلبية ثم تلافيها.

وأود أن أنصح لك بضرورة تناول بعض الأدوية المضادة للاكتئاب، ومنها العقار المعروف باسم (سبرام) وجرعته هي (20) ملمجراماً ليلاً لمدة شهر ترفع لـ40 ملمجراماً ليلاً لمدة ستة أشهر أخرى.

وأنا على ثقة كاملة أنه بإذن الله في نهاية المطاف سوف تتحسن صحتك النفسية، خاصة إذا حاولت جاهدة بتغير الفكر المعرفي لديك، وتحرير وجدانك من الانطباعات السلبية حيال والديك.. وبالله التوفيق.

www.islamweb.net