تقلب المزاج ومعايير تقييم الشخصية
2025-03-19 02:16:38 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أود أن أسهب في الحديث، فقد احترتُ في معرفة نفسي بين الحقيقة والخيال، ما هي حقيقة شخصيتي؟ وهل ما هو ظاهر للناس خيال أم ماذا؟
نشأتي وتأثيرها عليّ: نشأتُ في أسرة متوترة، يغلب عليها الحدة في الطبع، لا يُعبِّرون عن مطالبهم إلا بالضجيج والتسلط، ولا يوجد احترام متبادل، حتى على سبيل المجاملة، وفي طفولتي كنتُ متميزًا بين أقراني، وكانوا يهابونني ويجعلونني رئيسًا عليهم، مما منحني شعورًا بالصدارة، ولم يكن عندي مشاكل واضحة في الطفولة، فقد كانت بريئة ومفعمة باللعب والعلاقات الاجتماعية.
والدي -هداه الله- لم يجعلنا نعتمد على أنفسنا في أي مجال، وكبرنا دون إرشاد للمستقبل، مما جعلني أعيش حياتي دون تخطيط، وفي مرحلة المراهقة والتغييرات الشخصية، بدأتُ أشعر بخلل سلوكي، لم يصل إلى حد الانحراف الإجرامي، لكنه كان ملحوظًا، كنتُ أرى نفسي شخصًا غير عادي، وأتهم نفسي بالكبر، حيث كنت أنظر بازدراء إلى من ليست لديهم شخصية قوية، وكنتُ أميل إلى مرافقة من يكبرني سنًا، ظنًّا مني أن ذلك يرسخ صورتي كرجل ناضج.
في البداية، كنتُ خجولًا وصامتًا، لكنني تعلمتُ الجرأة والمرح من قريبي، فتحولتُ من خجولٍ إلى شخص جريء ومحبوب، سريع الإجابة، قوي الشخصية، وأصبحتُ محط إعجاب حتى للكبار، ونلتُ القبول والتقدير في المجالس.
الزواج والتغييرات في حياتي: تزوجتُ في سن 17 عامًا، بقرار من والدي خشية انحرافي أخلاقيًا، لم يُغيِّر الزواج شيئًا في حياتي، فقد استمر والدي بفرض سلطته، وكنتُ أشاركه في أعماله، لكنه لم يقبل اقتراحاتي التطويرية، ثم منّ الله عليّ بالهداية، فأصبحتُ ملتزمًا، لكنني ملتُ إلى التشدد، وهجرتُ كل معارفي وأصدقائي القدامى، خشية أن يعودوا بي إلى ما كنت عليه.
بدأتُ أطلب العلم، لكنني أظهرت نفسي كطالب علم كبير، وأصبحتُ أفرض على نفسي سلوكًا صارمًا، أتقنتُ إلقاء الخطب والمواعظ، مما جعل الناس تنظر إليَّ نظرة الرجل المثالي، ورغم نجاحي الظاهري، لم أجد من يشاركني طموحي الدعوي، مما أشعرني بالوحدة، أما علاقتي مع أصدقائي السابقين أصبحت سطحية، لأني أرى نفسي طالب علم وهم عوام، وأخشى أن يؤثروا عليّ.
لديّ أفكار عظيمة، لكنني لا أملك القدرة على تنفيذها، وإذا كنت قويًا، بطشتُ ولم أرحم، وإذا كنت ضعيفًا، أصبحتُ حليمًا جدًا، وهذا التناقض يحيرني، كثير الخصومة والغضب، ولا ألتمس الأعذار للمخطئين، مما جعلني أفقد الكثير من الأصدقاء، لستُ جادًا في تطبيق أفكاري، رغم إيماني بقدراتي، لدي موهبة الإبداع، لكن فقط عندما أهتم بالشيء وأرغب فيه.
شخصيتي متناقضة بين الانطوائية والانفتاح، وأعاني من قلة الاتزان في الفرح والغضب، أشعر أنني لا أعرف نفسي جيدًا، وأتساءل: هل شخصيتي مزدوجة أم ماذا؟
أرجو منكم تحليلي نفسيًا وإخباري بحقيقة شخصيتي، فقد كنت صريحًا معكم، رغم عدم تنظيم أفكاري بشكل جيد.
جزاكم الله خيرًا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فيصل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
نشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، وعلى هذه الرسالة الرائعة الجميلة، والتي وصفت فيها نفسك بصورة معمقة وطيبة، ومدركة لحقيقة الذات لدرجة كبيرة.
إن تشخيص نوعية الشخصية ليس من التشخيصات السهلة، وأقل المتطلبات والمعايير المطلوبة هي أربعة أسس، يستطيع الطبيب على ضوئها أن يقدم تقييمًا نفسيًا معقولاً للشخصية، وهذه المعايير هي:
1- ما يعتقده الشخص نفسه عن ذاته، وهنا يجب أن يكون الإنسان متجردًا ودقيقًا، لا يقسو على نفسه، وفي نفس الوقت لا يكون إيحائيًا في فكره، حتى لا يصف نفسه ما لا تتسم به.
2- ملاحظة الآخرين الذين يعيش الإنسان في محيطهم، من والدين وأقران وأصدقاء وزوجة وهكذا، ونحن دائمًا نسأل عن شخص ما عن طباعه، أو عن تفكيره، من خلال هؤلاء، وذلك بالطبع بعد أن نستأذنه.
3- المعيار الثالث -وهو ضروري جدًّا- وهو: ما يؤول إليه الفحص الإكلينيكي، أو ما يسمى بالعيادي أو السريري، وهو ما يقوم به الطبيب من خلال المحاورة مع الشخص المقصود.
4- من المعايير المهمة جدًّا: القياسات النفسية، هنالك قياسات ومعايير نفسية، يقوم بها الأخصائي النفسي المتدرب على ذلك، وهي إلى حد كبير اختبارات لها مصداقيتها.
حين تتجمع هذه المعايير الأربعة، ومن خلال نتيجتها، يستطيع الطبيب المختص أن يصل إلى تشخيص للشخصية، ويوجد هنالك عدة أقسام للشخصية، حسب التشخيص العالمي العاشر للأمراض النفسية، وكذلك الدليل الإحصائي والتشخيصي الأمريكي الرابع.
عمومًا هذه هي الخلفية التي نقيس عليها الشخصية واختباراتها، وأنت بالطبع هنا أفدت كثيرًا، حينما وصفت ذاتك وتقييمك لنفسك، أرى أنه متجرد جدًّا وجيد جدًّا، وملاحظات الآخرين أيضًا أعطت بعض التلميحات عنها، ولكن بالطبع لم يتم الكشف الإكلينيكي السريري، ولم يتم كذلك تطبيق القياسات النفسية.
الذي لاحظته، -وهو مهم في نظري حولك وحول شخصيتك- هو أن فترة المراهقة بالنسبة لك ربما كانت عاصفة بعض الشيء، هذه فترة نعرف أن تحديد الهوية، تحديد الانتماء، التأكد من الذات، قد يواجه البعض فيه بعض المشاكل، وعدم التأكد من ذاته، وأعتقد أنك قد مررت بشيء من ذلك، وفي ذات الوقت لا بد أن أكون صادقًا معك، وهو أن مستوى مقدراتك المعرفية عالية جدًّا، مما جعل ما نسميه بالذكاء الوجداني والعاطفي لديك يتصادم بكثير من الحقائق الحياة، وهذا أدى إلى شيء من عدم الاستقرار النفسي، ولكنه بالطبع كان مرحليًا وعابرًا في نظري.
أنت حين اقتديت بقريبك هذا وتحولت إلى شخصية مرحة، هذا يدل أنه كانت لديك أزمة حقيقة في الهوية، وأرجو ألا تأخذ كلمة (أزمة) بمعناها القاسي والغليظ، أعني أنك كنت تبحث عن هوية، كنت تبحث عن قدوة، كنت تبحث عن من تتمثل به، وهكذا.
أعتقد أنه لا توجد لديك ازدواجية في الشخصية، ربما لديك شيء من التقلب المزاجي، هذا التقلب المزاجي انعكس على شخصيتك، وشخصيتك هي شخصية خصبة الفكر، متطلعة، تنافسية، هذه كلها ميزات طيبة، ولا شك أن تقلب المزاج يكون أيضًا مصحوبًا بشيء من القلق النفسي.
أنا لا أرى أن لديك أي سمات مرضية، لا أرى أن هنالك أي اعوجاج في شخصيتك، أعتقد أنك يمكن أن تقدم الكثير لنفسك وللآخرين، لا تفرض رقابة ذاتية شديدة على نفسك، وحاول أن تكون متسامحًا في تطبيق قيمك الشخصية حين تتعامل مع الآخرين، ليس هنالك ما يمكن أن نسميه بالسواء (السوية) أو عدم السواء المطلق، هذه حقيقة مفاهيم خرافية، كلنا تأتيه لحظات من السواء وتأتيه لحظات من عدم السواء، الإنسان دائمًا له قطب خير، وله قطب فيه شيء من الشر.. وهكذا.
أرجوك أن تنطلق، فأنت رجل مفعم الفكر، خصب الفكر، وهذه حقيقة تلمستها من خلال رسالتك، ضع أهدافًا واضحة، وأهدافك واضحة -الحمد لله- فيما يخص الدراسة، واكتساب العلم والمعرفة، والدعوة، أعتقد أنك بشيء من تنظيم الوقت، وبشيء من التركيز على الأهداف، يمكن أن تقدم الكثير لنفسك وللآخرين.
وختامًا: أشكرك كثيرًا على هذه الرسالة الجميلة، وأسأل الله لك التوفيق والسداد.