ترك البلاد العربية بسبب الفساد وكثرة الأخطاء
2010-10-03 08:44:08 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
أنا طالب كنت في بلاد الاغتراب، وعدت إلى وطني، لكنني أجد فيه الكثير من الأخطاء والفساد، عندما أتناقش في هذا الأمر مع أبناء وطني (أصدقائي) يقفون ضدي، ويقولون إني متكبر وسلبي ومتشائم، خاصة عندما أقارن بين البلدين، ويذكرونني بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (من قال هلك الناس فهو أهلكهم)، فهل أنا مخطئ إن أردت تصويب الخطأ؟ أليس الأولى أن نعرف الأخطاء والنواقص؟
وقد صلت إلى مرحلة بدأت أشمئز من كل بلد عربي، وصرت أفكر بالهجرة وأخذ الجنسية الأجنبية فقط للهرب من المجتمع العربي، فهل أنا آثم بذلك؟!
وشكراً لكم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحباً بك أيها الأخ الحبيب في استشارات إسلام ويب، ونحن نشكر لك نفرتك من الفساد، وتحرزك من الوقوع في الأخطاء، وكراهة هذا لقومك وأهلك، ولكن في الوقت نفسه نتمنى أن تكون منصفاً في تقويمك، وأن تتبع ميزان الحق والعدل في بيان مزايا الأقوام وأخطائهم.
فالمجتمع الذي تتكلم عنه في بلدك العربي مهما كثرت فيه ألوان الفساد وتفشت وانتشرت فيه الأخطاء فإنه يبقى له من الحسنات بمقابل مجتمع الكفر في البلاد الغربية، يبقى له من الحسنات الشيء الكثير الذي لا ينبغي معه أن يقارن بالمجتمعات الغربية، فيكفي في المجتمعات الإسلامية أنها مجتمعات تؤمن بالله ورسوله، وتدين لله عز وجل بالدين الحق، وهذا من أعظم الحسنات وأكبر الأعمال التي يجب على الإنسان أن يحرص على الثبات عليها في الدنيا، والخروج منها، وملاقاة الله عز وجل عليها.
نحن نشاركك النظرة أن هناك جوانب كثيرة تحتاج إلى إصلاح في مجتمعاتنا الإسلامية، سواء في أخلاق هذه المجتمعات أو في دنيا هذه المجتمعات، ولا ينبغي لنا أن نتعامى عنها وأن نرفض النقض فيها إذا وجه إلينا أو طُولبنا في الإصلاح فيها، بل ينبغي على كل واحد منا أن يبذل وسعه وطاقته في إصلاح هذه الأخطاء في محيطه القريب والبعيد، وبهذا ستصلح المجتمعات بإذن الله تعالى، ولكن مع هذا كله لا نسلم أبداً ولا نرضى بأن تقارن هذه المجتمعات بالمجتمعات الكافرة التي لا تؤمن بالله ورسوله ولا تدين لله عز وجل بالدين الحق، وإن ما هم عليه من حضارة وتمدن وتقدم إنما هو زينة الحياة الدنيا وزخرفها.
وفرق كبير بين من أدرك الحياة الدنيا وحدها ومن أدرك الحياة الدنيا والحياة الآخرة فآمن بالله ورسوله، ودان لله عز وجل بدينه الحق، وهذه المجتمعات الكافرة مهما بلغ بها الرقي المادي فإنه لا يعدو أن يكون علماً بظاهر الحياة الدنيا كما أخبر الله عز وجل عنهم في كتابه فقال: ((يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ))[الروم:7].
فلا مجال للمقارنة بين المجتمعات المسلمة والمجتمعات الكافرة، ولا يجوز أبداً أن نعقد هذه المقارنات، والله عز وجل قد نهى في كتابه عن التسوية بين المجرم والمسلم، وأنكر سبحانه وتعالى على من سوّى بين الفريقين، فقال سبحانه: ((أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ))[القلم:35-36]، وقال: ((أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ))[ص:28].
فهذا لا مجال أبداً للمقارنة فيه بين النوعين من المجتمعات، فهذه مجتمعات مسلمة في الجملة مؤمنة تدين لله عز وجل بالدين الحق، فيها عيوب وفيها نقائص ينبغي للإنسان المنصف الغيور أن يسعى لإصلاح هذه النقائص وتلاف هذه العيوب ما أمكنه، ولا ينبغي للواحد منا في هذه المجتمعات أن يرد الحق إذا وُجه إليه، فإن الكبر كما قال عليه الصلاة والسلام: (بطر الحق وغمط الناس)، ومن وجه شيئاً من هذه الانتقادات لهذه المجتمعات لما فيها من عيوب ونقائص فإنه مصيب، ولا ينبغي أن يبغض وأن يكره لهذا السبب.
أما ما وصلت إليه -أيها الحبيب- من الاشمئزاز من البلدان العربية، وتفضيل البلدان الكافرة عليها، وتفكيرك للهجرة إليها وأخذك للجنسية للهرب من المجتمعات العربية، فهذا بلا شك رأي غير سديد، ومبالغة منك في بغض هذه المجتمعات بسبب مبالغتك في النظر إلى ما فيها من العيوب، وفي المقابل تعاميت عن العيوب الكبيرة الموجودة في تلك المجتمعات التي تفكر بالهجرة إليها.
وأما أخذ الجنسية الأجنبية فإن كثيراً من العلماء يفتون بتحريم أخذ الجنسية لمن لا تدعوه الضرورة إلى ذلك، لما يتضمن أخذ الجنسية من محاذير تعود على دين الإنسان وعلى دين أبنائه وبناته وذريته من بعده، ولا شك ولا ريب أن الإقامة في بلاد الكفر تكتنفها الكثير من المخاطر على دين الإنسان ودين ذريته، يعرفها كل المنصفون الذين يعيشون في تلك البلاد.
ولهذا فنحن ندعوك أيها الحبيب أن تعيد النظر في هذا الموضوع وأن تقارن مقارنة صحيحة بين الحسنات والسيئات، والعقل والإنصاف يقضيان بأن الضرر في الدنيا يهون في مقابل الضرر في الدين، والنبي عليه الصلاة والسلام كان من دعائه العظيم أن يقول: (ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همِّنا ولا مبلغ علمنا) فالمصيبة في الدين أعظم المصائب، مصيبة الدنيا تنجبر وتنتهي، ومصيبة الدين إذا مات الإنسان عليها فإنه على خطر عظيم، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياك لكل خير، وأن ييسر لك سبل الخير، ويعينك على اتخاذ الرفقة الصالحة التي تدلك على الخير وتعينك عليه.
وبالله التوفيق.