كيف أعطي الأمل لشخص حزين يتمنى الموت وينتظره؟
2011-09-29 07:26:16 | إسلام ويب
السؤال:
كيف أعطي الأمل لشخص حزين يتمنى الموت وينتظره؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رقية محمد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله عز وجل أن ييسر أمرك، وأن يجزيك عن هذا الشخص خير الجزاء، كما نسأله تبارك وتعالى أن يمنّ عليه بالشفاء العاجل، أو أن يرزقه حسن خاتمة، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك أختي الكريمة الفاضلة من أنك تسألين عن كيفية إعطاء الأمل لشخص حزين يتمنى الموت وينتظره؟
أقول لك أختي الكريمة الفاضلة: إنه مما ينبغي علينا باعتبار أننا من أمة النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام وأن الإيمان بالقضاء والقدر جزء لا يتجزأ من عقيدة المؤمن، ينبغي علينا أن نعلم أن كل شيء بيد الله تبارك وتعالى وحده، وأنه لا يمكن أن يتحرك متحرك ولا يسكن ساكن ولا يموت ميت ولا يحيى إنسان إلا بأمر الله جل وعلا، وأن الله تبارك وتعالى قدر مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وينبغي علينا أن نؤمن إيمانًا أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها، كما ينبغي علينا أن نؤمن إيمانًا جازمًا أن ما عند الله تعالى خير للمؤمن من الدنيا وما فيها.
ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا أن العبد المؤمن لو مات وأكرمه الله تبارك وتعالى بحسن خاتمة لو عرضنا عليه أن يكون ملِكًا للدنيا لأبى، بل لو أننا سألناه: هل تريد أن ترجع للدنيا؟ سيقول نعم، أريد أن أرجع فقط لأقول لا إله إلا الله أو لأصلي ركعتين.
فإذن إذا كان الإنسان على عمل صالح لا ينبغي عليه أن يخاف سوء الخاتمة، ولا ينبغي عليه أن يخاف لقاء الله تعالى، لأن العبد ما دام قد أخذ بالأسباب وأدى حق الله تبارك وتعالى عليه فلا ينبغي عليه أن يُسيء الظن بالله تعالى وأن يظن أن الله تعالى سيعاقبه أو يعذبه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن لنا ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن، حيث قال: (لا يموتنَّ أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى).
ولذلك علينا - بارك الله فيك - أن نوصل هذه الرسالة لهذا الأخ الذي ينتظر الموت وأن نقول له: إن كل شيء بقدر الله، وأن الإنسان إذا ابتلي قبل أن يموت بنوع من المرض فإن هذا رحمة من الله الرحيم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يُرد الله به خيرًا يُصبْ منه) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا: (إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا) ويقول أيضًا صلوات ربي وسلامه عليه: (لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة حتى يمشي على الأرض وليست عليه من خطيئة) والعلماء يعتبرون أن الأمراض قبل الموت من علامات حسن الخاتمة، لأن هذه الأمراض تقضي على المعاصي قضاء مبرمًا بإذن الله تعالى، وكلما كان المرض شديدًا وطويلاً ومؤلمًا كلما كان الأجر أعظم وكلما كان الثواب أكبر وأتم.
فعلينا أن نعلم أن ما اختاره الله لنا هو الخير، وأن الله يحبنا، وأن الله تبارك وتعالى رحيم بنا، ولذلك سمى نفسه (الرحمن الرحيم) وأن هذه الأمراض التي تصيب الإنسان أو هذه الشدة ليست علامة كراهية من الله للعبد، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نحن معاشر الأنبياء أشد الناس بلاء ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى المؤمن على قدر دينه، فمن قويَ إيمانه اشتد بلاؤه، ومن ضعف إيمانه قلّ بلاؤه).
فالابتلاء عندنا نحن معاشر المسلمين سنة ربّانية، فما من عبد صالح وما من نبي من الأنبياء إلا ويتعرض لابتلاءات متعددة متنوعة مختلفة، قد تكون ابتلاءات ظاهرة، وقد تكون ابتلاءات باطنة، قد تكون ابتلاءات في النفس، وقد تكون ابتلاءات في العرض، وقد تكون ابتلاءات في المال، وقد تكون ابتلاءات في الولد، وقد تكون ابتلاءات في الوطن، أو غير ذلك.
والابتلاء للمؤمنين كالملح للطعام، ومن رحمة الله تعالى أن الله جعل هذا الابتلاء منبهاً للعبد، لأن الإنسان منا قد يُصاب بنوع من الغفلة وبنوع من التكاسل عن الطاعة والعبادة، وقد يقع في بعض المعاصي فيأتيه البلاء ينبهه، وكأن الله يحذره من أنه قد يعرّض نفسه لغضب الله وعقابه.
نقول لهذا الأخ - الذي أسأل الله عز وجل أن يشفيه - : اعلم أن الذي ابتلاك الله به هو خير، وأن لك في الأنبياء سنة، فهذا نبي الله زكريا عليه السلام قُتل، وهذا نبي الله يحيى عليه السلام قُتل، وهذا نبي الله عيسى عليه السلام أراد اليهود قتله ولكن رفعه الله إليه، وهذا نبي الله يعقوب ظل يبكي على ولديه حتى فقد بصره، وهذا نبي الله أيوب مرض مرضًا شديدًا حتى أخرجه قومه من القرية، وجعلوا له كوخًا بعيدًا عن القرية، وهذا أول ما يعرف بالحجر الصحي في تاريخ الإنسانية، وهذا نبي الله نوح عليه السلام ابتلي في ولده وابتلي في زوجه.
فالابتلاءات سنة ماضية شاء الله تعالى أن يجعلها لأوليائه حتى يرفع درجاتهم عنده، وأن يجعلها منازل عنده سبحانه وتعالى وأن يغفر بها ذنوبهم وأن يستر بها عيوبهم، وأن يرفع بها درجات المؤمنين.
فعلينا أن نصبر وأن نحتسب، وأن نقول (قدر الله وما شاء فعل) وأن نقول (اللهم اؤجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها) ونقول (اللهم اقدر لي الخير حيث كان) وعلينا أن نسأل الله تبارك وتعالى العافية.
كذلك نحن مطالبون بالدعاء، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يدعو الله تبارك وتعالى للمرضى، فعلينا أن ندعو لأنفسنا وأن يدعو لنا إخواننا وندعو لهم، ولكن لنعلم أن الذي قدّره الله لنا هو الخير، وأننا لو اطلعنا على الغيب لاخترنا الواقع، وأن الله جل جلاله لا يبتلي إلا المؤمنين الصادقين، وأن هذا الابتلاء يترتب عليه مغفرة الذنوب، حتى إن العبد قد يدخل القبر وليست عليه سيئة واحدة، ولكن أهم شيء أن يكون الواحد راضيًا بقضاء الله وقدره، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط).
فعلينا أن نرضى بقضاء الله، وأن نعلم أن ما قدره الله تبارك وتعالى هو الخير، وأن ما عند الله خيرٌ وأبقى، وأننا لسنا أول من يتعرض للبلاء، وإنما تعرض له الرسل والأنبياء عبر التاريخ، ولقد سجل القرآن الكريم هذه الابتلاءات وكيف تعامل معها هؤلاء الأنبياء العظام وكيف كانت سببًا في تمكين دعوتهم في الأرض وهداية الناس.
فإذن هذه المسائل ينبغي أن لا تغيب عن بالنا، وأن نعلم أن ما من حيٍ إلا ولابد أن يموت وأن الناس لابد أن يموتوا، فنحسن الظن بالله ونتوكل عليه، وأن نسأله العافية وحسن الخاتمة.
وبالله التوفيق.